أمل الرشودي
03-06-2007, 18:59
حول العالم
الرجل الذي سمع صوت أفكاره
فهد عامر الأحمدي
في ذاكرة كل منا صديق قديم يمتاز بخفة الدم والمهارة في تدبير المقالب.. ومن "المقالب" التي أتذكرها حادثة تتعلق بالجن والعفاريت دبرها زميل لنا (أيام الثانوي)؛ فذات يوم قدم للفصل دعوة لتناول طعام العشاء في منطقة تدعى "وادي الجن". ولأنني صديقه العزيز صارحني بأنه لا توجد منطقة بهذا الاسم وأنه فقط "يهيئ" أذهان الزملاء للمقلب الكبير.. وبالطبع لم تكن صداقتنا الدافع الوحيد لمصارحتي بالخطة - فقد سلمني جهاز تسجيل طلب مني فتحه حين يصبح الظلام دامسا ويبدأ بسرد حكاياته المخيفة.. وبالفعل.. ما أن انتهينا من طعام العشاء حتى وجه للحضور هذا السؤال: هل تعرفون لماذا سمي هذا المكان بوادي الجن !؟ وبدون أن ينتظر إجابة أحد بدأ بسرد قصص مرعبة عن ضحايا الجن والعفاريت.. وحين خيم جو من الرعب على الجميع قمت متسللا وفتحت "المسجل" كما طلب مني ثم عدت لمكاني بهدوء.. وبعد عشر دقائق بدأنا نسمع أصوات صراخ مخيفة وضحكات جماعية مرعبة وأصوات استغاثة تقشعر لها الأبدان.. ولأنه هيأهم مسبقا لهذا الموقف دب الذعر بين الحضور وهربوا إلى سياراتهم وغلقوا الأبواب والنوافذ - فيما عاد بعضهم لبيته فعلا.. ولأننا كنا الوحيدين اللذين نعرف مصدر الأصوات المخيفة بقينا في مكاننا غارقين في الضحك..
ولكن فجأة حدث شيء غريب وغير متوقع.. فحين صمتت الأصوات المرعبة توقف صاحبنا عن الضحك وبدأ ينظر باتجاه المسجل قبل أن يهرب بدوره والرعب يملأ وجهه.. وفي البداية ظننته يتعمد إخافتي غير أنه أخذ يضرب بوق السيارة بعنف - ويشير إليّ بالضوء العالي - مما جعلني أهرب بدوري وأجلس بقربه على المقعد المجاور.. ورغم أنني ارتعبت فعلا إلا أنني توقعت أن يضحك في أي لحظة ويخبرني بأنه "مقلب إضافي" لإخافة آخر فرد في المجموعة.. غير ان ملامح الرعب ظلت مرتسمة على وجهه وبقي صامتا حتى سألته جادا: ماذا حدث بالضبط!؟.. بالكاد نطق وقال: اذهب وأحضر المسجل . قلت: ولماذا لا تذهب أنت !؟ قال: الأصوات الأخيرة.. قلت: ماذا بها . قال: لم تكن ضمن الخطة.. قلت: ماذا تعني.. قال: عملت هذا المقلب عدة مرات من قبل ولم تكن أصوات الاستغاثة الأخيرة من تسجيلي.. حينها شعرت بغصة رعب بحلقي وقلت بصوت مخنوق: انسَ المسجل وشغّل السيارة بسرعة!!
... ورغم أننا قضينا السنة الدراسية الأخيرة معا - ورغم أننا نتواصل بين الحين والآخر حتى اليوم - إلا أنه ما يزال مُصرّا على أن أصوات الاستغاثة الأخيرة لم تكن من تسجيله !!
وإصراره هذا - الذي كرره مجددا قبل أيام - جعلني أتساءل إن كنا مررنا بظاهرة "الأصوات الروحانية" التي اكتشفها العالم السويدي فريدرك جارنجسون عام 1959؛ فقد كان فريدرك مغرما بأصوات الطيور ويذهب كل يوم للغابة لتسجيل أصواتها الجميلة . ولكنه التقط ذات يوم أصواتاً غريبة لأشخاص يتحدثون - في الخلفية - عن أنواع العصافير وأصواتها المختلفة.. واستمرت هذه الأصوات بالظهور في معظم الاشرطة التالية لدرجة اصدر عام 1964كتابا بعنوان "أصوات من العالم الآخر" !!
وفي عام 1965زاره عالم نفس من لاتفيا يدعى كونستانتين راديف أراد سماع الأشرطة بنفسه . وبين عامي 1965و 1970جمع راديف مائة الف تسجيل مشابه من مناطق مختلفة حول العالم (لدرجة التصق اسمه بهذه الظاهرة وأصبحت تعرف اليوم بأصوات راديف أو Raudive voices) !!
وفي حين يعتقد البعض أن هذه الأصوات تأتي من عالم الأموات أو الشياطين تعتبرها الجمعية الفيزيائية في لندن انعكاساً لأصوات تأتي من مناطق بعيدة.. أما المركز الأمريكي للأصوات الكترونية فيؤكد أن الظاهرة منتشرة أكثر مما نتصور - ولكنها أضعف من أن تلتقطها أذاننا أو نظنها غالبا "تشويشاً إذاعياً" !!
أما أكثر التفاسير غرابة فيدعي أن أفكارنا الدفينة ومشاعرنا اللاواعية تتبلور كأصوات مسموعة على أشرطة التسجيل.. وأصحاب هذا الرأي يستشهدون بالأشرطة التي سجلها جارجنسون نفسه وكيف أن معظمها يتضمن أصواتاً للعصافير (هاجسه الأول والوحيد) .
وإن صح هذا التفسير فهو يشرح سر الرعب الذي أصاب صديقنا السابق وجعله يهرب مع الهاربين.. فبما أنه الوحيد الذي دبر "المقلب" كان الوحيد الذي تجسدت أفكاره الدفينة (كأصوات إضافية مرعبة) لم يسمعها غيره في تلك الليلة !!
للأمانه (منقول من جريدة الرياض)
الرجل الذي سمع صوت أفكاره
فهد عامر الأحمدي
في ذاكرة كل منا صديق قديم يمتاز بخفة الدم والمهارة في تدبير المقالب.. ومن "المقالب" التي أتذكرها حادثة تتعلق بالجن والعفاريت دبرها زميل لنا (أيام الثانوي)؛ فذات يوم قدم للفصل دعوة لتناول طعام العشاء في منطقة تدعى "وادي الجن". ولأنني صديقه العزيز صارحني بأنه لا توجد منطقة بهذا الاسم وأنه فقط "يهيئ" أذهان الزملاء للمقلب الكبير.. وبالطبع لم تكن صداقتنا الدافع الوحيد لمصارحتي بالخطة - فقد سلمني جهاز تسجيل طلب مني فتحه حين يصبح الظلام دامسا ويبدأ بسرد حكاياته المخيفة.. وبالفعل.. ما أن انتهينا من طعام العشاء حتى وجه للحضور هذا السؤال: هل تعرفون لماذا سمي هذا المكان بوادي الجن !؟ وبدون أن ينتظر إجابة أحد بدأ بسرد قصص مرعبة عن ضحايا الجن والعفاريت.. وحين خيم جو من الرعب على الجميع قمت متسللا وفتحت "المسجل" كما طلب مني ثم عدت لمكاني بهدوء.. وبعد عشر دقائق بدأنا نسمع أصوات صراخ مخيفة وضحكات جماعية مرعبة وأصوات استغاثة تقشعر لها الأبدان.. ولأنه هيأهم مسبقا لهذا الموقف دب الذعر بين الحضور وهربوا إلى سياراتهم وغلقوا الأبواب والنوافذ - فيما عاد بعضهم لبيته فعلا.. ولأننا كنا الوحيدين اللذين نعرف مصدر الأصوات المخيفة بقينا في مكاننا غارقين في الضحك..
ولكن فجأة حدث شيء غريب وغير متوقع.. فحين صمتت الأصوات المرعبة توقف صاحبنا عن الضحك وبدأ ينظر باتجاه المسجل قبل أن يهرب بدوره والرعب يملأ وجهه.. وفي البداية ظننته يتعمد إخافتي غير أنه أخذ يضرب بوق السيارة بعنف - ويشير إليّ بالضوء العالي - مما جعلني أهرب بدوري وأجلس بقربه على المقعد المجاور.. ورغم أنني ارتعبت فعلا إلا أنني توقعت أن يضحك في أي لحظة ويخبرني بأنه "مقلب إضافي" لإخافة آخر فرد في المجموعة.. غير ان ملامح الرعب ظلت مرتسمة على وجهه وبقي صامتا حتى سألته جادا: ماذا حدث بالضبط!؟.. بالكاد نطق وقال: اذهب وأحضر المسجل . قلت: ولماذا لا تذهب أنت !؟ قال: الأصوات الأخيرة.. قلت: ماذا بها . قال: لم تكن ضمن الخطة.. قلت: ماذا تعني.. قال: عملت هذا المقلب عدة مرات من قبل ولم تكن أصوات الاستغاثة الأخيرة من تسجيلي.. حينها شعرت بغصة رعب بحلقي وقلت بصوت مخنوق: انسَ المسجل وشغّل السيارة بسرعة!!
... ورغم أننا قضينا السنة الدراسية الأخيرة معا - ورغم أننا نتواصل بين الحين والآخر حتى اليوم - إلا أنه ما يزال مُصرّا على أن أصوات الاستغاثة الأخيرة لم تكن من تسجيله !!
وإصراره هذا - الذي كرره مجددا قبل أيام - جعلني أتساءل إن كنا مررنا بظاهرة "الأصوات الروحانية" التي اكتشفها العالم السويدي فريدرك جارنجسون عام 1959؛ فقد كان فريدرك مغرما بأصوات الطيور ويذهب كل يوم للغابة لتسجيل أصواتها الجميلة . ولكنه التقط ذات يوم أصواتاً غريبة لأشخاص يتحدثون - في الخلفية - عن أنواع العصافير وأصواتها المختلفة.. واستمرت هذه الأصوات بالظهور في معظم الاشرطة التالية لدرجة اصدر عام 1964كتابا بعنوان "أصوات من العالم الآخر" !!
وفي عام 1965زاره عالم نفس من لاتفيا يدعى كونستانتين راديف أراد سماع الأشرطة بنفسه . وبين عامي 1965و 1970جمع راديف مائة الف تسجيل مشابه من مناطق مختلفة حول العالم (لدرجة التصق اسمه بهذه الظاهرة وأصبحت تعرف اليوم بأصوات راديف أو Raudive voices) !!
وفي حين يعتقد البعض أن هذه الأصوات تأتي من عالم الأموات أو الشياطين تعتبرها الجمعية الفيزيائية في لندن انعكاساً لأصوات تأتي من مناطق بعيدة.. أما المركز الأمريكي للأصوات الكترونية فيؤكد أن الظاهرة منتشرة أكثر مما نتصور - ولكنها أضعف من أن تلتقطها أذاننا أو نظنها غالبا "تشويشاً إذاعياً" !!
أما أكثر التفاسير غرابة فيدعي أن أفكارنا الدفينة ومشاعرنا اللاواعية تتبلور كأصوات مسموعة على أشرطة التسجيل.. وأصحاب هذا الرأي يستشهدون بالأشرطة التي سجلها جارجنسون نفسه وكيف أن معظمها يتضمن أصواتاً للعصافير (هاجسه الأول والوحيد) .
وإن صح هذا التفسير فهو يشرح سر الرعب الذي أصاب صديقنا السابق وجعله يهرب مع الهاربين.. فبما أنه الوحيد الذي دبر "المقلب" كان الوحيد الذي تجسدت أفكاره الدفينة (كأصوات إضافية مرعبة) لم يسمعها غيره في تلك الليلة !!
للأمانه (منقول من جريدة الرياض)