ملتقى الفيزيائيين العرب

ملتقى الفيزيائيين العرب (http://www.phys4arab.net/vb/index.php)
-   منتدى المناسبات. (http://www.phys4arab.net/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟ (http://www.phys4arab.net/vb/showthread.php?t=31931)

الميلود 20-08-2009 11:46

رد: يا الميلود،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم اعتذر على هذا الغياب حيث كنت منهمك فقط في جمع كتب فيزياء الكم من المنتديات والمواقع المختلفة في الانترنيت والتي اظن انه الامر الذي سأكون فعالا فيه ان شاء الله وقولكم ((هل تريد يا الميلود
أن يكون يكون هذا الوسام من نصيبك ؟ هل تريد أن تكون العضو المميز لشهر فبراير؟))فهذا لي عظيم الشرف خاصة في منتدى يحمل اسم ملتقى الفيزيائيين العرب تقبلوا تحياتي

ساره محمد 20-08-2009 21:13

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
جزاكم الله خيرا وشكرا لحسن ظنكم

محمد يوسف جبارين 22-08-2009 04:53

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
سنريهم آياتنا...

بقلم: محمد يوسف جبارين( ابوسامح)..أم الفحم ..فلسطين


(( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبن لهم أنه الحق ، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ، آية 53 فصلت )) .

(( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط العزيز الحميد .. آية 6 سبأ )) .
فمشيئة الله تأبى الا أن تأتي علوم الكون ، بل وعلوم الطبيعة كلها ، تشهد بأن هذا القرآن العظيم ، ما كان له ، الا أن يكون من عند خالق الخلق كله .. خالق الأشياء كلها (( وما كان هذا القرآن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين .. آية 37 يونس )) .
فكأنما العقلية العلمية ، بما تتوصل اليه في خلال البحث عن اسرار الطبيعة عبر الزمان ، تأبى لها ارادة خالق الخلق كله ، الا أن تشهد ضد هؤلاء الذين توهم الناس ، بأنهم فلاسفة ، وبأنهم باحثون عن الحقيقة ..أنكروا خالق الخلق ، فغرقوا في بحر أوهام افترست كثيرا من الناس ، فانساقوا معا في ضلال مبين ، وما اتبعوا غير الظن ((... ان الظن لا يغني من الحق شيئا ..آية 36 .. يونس )) .
وكأن الطبيعة لا بد وأن تنطق حقائقها في عقل الانسان ليزداد التفاتا الى الايمان ، وكل مؤمن ليزداد ايمانه رسوخا .. تأتيه أنوار حقائق الكون تحمل أدلة تزيد في صدق ايمانه ، تأتيه نورا على نور ، فيزداد قلبه أمنا وطمأنينة الى أن هذا القرآن العظيم ، انما تنزل بالحق ، وبالحق نزل ، أما من كفر وتولى واتبع كل شيطان رجيم ، فانه يمر على الأدلة ، وعلى الآيات ، ولا يعقلها (( وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون .. آية 105 يوسف )) .


في القرآن الكريم آيات تمس حقائق الكون ولا تفصلها تفصيلا كاملا ، وذلك لأن خالق الخلق قد جعل هذا شأن عقل باحث ، عن حقائق الكون ، سوف يأتي زمانه ، ويؤدي دوره ويجلي هذه الحقائق ، فيلتفت العقل الى المقاربة ، بين ما توصل اليه في خلال بحث طال زمانه ، وامتد من جيل الى جيل ، وبين معان في آيات كريمة، جاءت في القرآن تختصر بمعناها ، ما توصل اليه البحث العلمي في جانب يخصها ، ويحار العقل في كيف يمكنها معرفة بحقيقة كونية ، أن تنزل في القرآن في زمن كان العلم فيه ، في شتى علوم الطبيعة بحال لا يتيح معرفة كهذه ، فهنا اللامعقول أن يكون قائما ، انما هو قائم بالفعل ، فهنا في القرآن آيات تنطق بالمعنى ، وليس ثمة تأويل يمكن أن تتأول علية الآيات ، بغير ما تدل عليه ، بكل فصاحة الرسم للتعبير عن المعنى ، فهنا دهشة العقل مما يطل علية من الآيات الكريمة ، ، فكيف له أن يفهم ، بغير السؤال ، عن سر وجود هذه المعاني في الآيات ، وكيف له وهو الذي راح ينقب بجهد منقطع النظير عن اسرار الطبيعة ، أن لا يقر بأنها المعاني التي ما كان يمكنها أن تكون نتاج تأمل عقلي ، أو نظر ثاقب يجوب بناظرية السماء والأرض وما بينهما ، بكل ما أوتي من حصافة ربط وقياس ، فوسائل العقل الى معرفة معنى من تلك تكاد ، في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، لا تتجاوز ما أودع في جسم الانسان من وسائط ، يطل العقل من خلالها على ما يتأثر ويؤثر به في محيطه ، فليس له الا أن يقر ، بأن هذا المعنى في هذه الآية أو تلك ، انما جاء من خارج العقل الى النص القرآني ، فالعقل ، فلعله يعقله ، وانما هو المعنى الآتي من قدرة محيطة وسعت التكوين كله تدبيرا واحاطة وعلما ، فهي المعرفة النازلة في النص ، لا يمكنها الا أن تكون من عند رب السموات والأرض ، فكيف تأتى لبشر أن يدريها ، فلا بد وأنه قد أخبر بها .. نزلت عليه ، ولماذا هو بالذات ، فلا بد من تفرده لدى من أنزل عليه الآيات ، فهو الذي تلقى العلم ، وكان الخالق من اختصه به ، وليس الى هنا فقط ، وانما القرآن في آية كريمة قال بأن تفصيل الآيات آت في زمان قادم ، فلا ريب في ذلك ، ، فهو انباء بأن الفهم التفصيلي آت ، بقدرة عقل بشري آت على الأرض ، وفي خلال تنقيبه يهتدى ويدري ، وتتجلى معاني آيات كريمة ، وهو التحدي القرآني الكبير ، اذ لا يمكن للبحث العلمي كيفما دارت دورته ، في زمان قادم على الأرض ، الا أن تصب في تصديق الذي ورد من معان ، في آيات كريمة ، فهنا الذي وسع كرسية السموات والأرض ، فهو الخالق الذي وسع كل شيء علما ، فهو الذي ينبيء بذلك ، وبأن تيسير المعرفة للعقل آت ، وتحصيلها سوف يكون ، والاطلالة عليها وعلى الآيات سوف تسطع بكل ما تعنيه ، وهذا يعني بأن سير الطبيعة في الزمان ، على كل ما سوف تكون عليه من تغير متصل لا ينقطع ، فان وعد الخالق في القرآن سوف يكون نافذا ، أي الحتمية تلازم ضرورة النفاذ للوعد ، فهو الوعد الذي سوف يأتي بما يصدق ما بين يدي القرآن ، فالذي قضاء أمر يريده نافذا ، فلا بد وأن تقديره للأمر يكون وفق ما يترتب عليه قضاء يصدقه ، فاذا بين التقدير والقضاء زمان طويل ، فان الممكن الوحيد الذي يمكنه أن يكون هو أن عقلا يأتي زمانه ، واذا به وقد استوى على البحث عن حقائق الأشياء ، وأسبغ العلمية على منهجه ، بل وكان المنهج العلمي هو منهجه ، فيتجلى في نتاج بذل في بحث ما يصدق الذي هو في محتوى آية أو آيات كريمة ، فما له بعدها الا أن يبقى على منهجه ويتبع دلالات نتاج ينطق بين يدية وفي ذهنه ، أو يخرج من منهجه ، فاذا هو اتبعه فدربه الى الدهشة من معجزة بين يديه ، فأو يبقى أسير دهشته أو تمضي به دهشته الى ايمان يعمر نفسه ، وهو في كلا الحالين بيده ما يقدمه دليلا على حق يوجب اتباعا ، فأما اذا استحال خارجا من منهجه العلمي في شأن استحال له ضيقا في نفسه ، فاغتمامه بحق له وجه دلالة على قلوب غلف ، بين يديها الحق وتجافيه ، ومجافتها لحق موجب ايمانا ، يضيف اعجازا ، ذلك بأن القرآن يدل على قلوب غلف لو تأتيها الهداية لما اهتدت ، فالهداية في جانب من رضى النفس بها رحمة من رب العالمين ، فليس كل من يحب له الهدى يهتدي .

ويتعدى خطاب التحدي في الآية الكريمة ، السموات والأرض ليشتمل على النفس البشرية ، ففيها ما يتأتى بانتفاء الجهل به .. بمعرفته ما يدل على أن الحقيقة القرآنية ممتدة في تطابقها مع ما تدل عليه في زمان قادم ، فاذا هذا الذي تعنيه قد تجلى يوما ما ، وهو بالضرورة سوف ينكشف لعقل باحث في زمان يأتي على الأرض ، ذلك بانه الزام خالق لخلقه ، فان الدلالات لا بد وأن تكون بذاتها الدليل الى الايمان ، وأيضا الدليل على من يرى الحقيقة والمتغيرات والأسباب التي اجتمعت وتشكلت فافرزت المفهوم الذي هو مضمون هذه الحقيقة ، ومع ذلك ستر العقل عن موجباتها بالالتفات الى ما تدل عليه من تصديق لما جاء كمضون لآيات كريمة ، فهكذا أو برغمه يكون ستر العقل عن الايمان ، وهذا هو الكفر ، فمضونه لا ينفي الحقيقة وانما عدم الاستجابة باختيار العقل لما تقتضيه فيكون ستر العقل عن موجباتها من ايمان وما يمليه ،


ولم تكن للانسان الخيرة في أن لا تتصل نظرات عقله في نفسه وفي الأرض وفي السماء منذ أن دبت قدماه على الارض ودارت حاجاته بنظراته في محيطه وفي السماء من فوقه ، فهو بالحال الذي خلق عليه ، تلح عليه الضرورة ، فالزام يلزمه بأن يبحث ، ويطل بعقله على داخله ، فحاجته في الحاح دائم عليه ، فبحثه لا ينقطع ، فدوما به الحاح على حل مشكلاته ، في خلال علاقته بنفسه وفي الطبيعة ، ولا مفر له من ذلك الا أن ينقطع وجوده في الحياة . فطالما هو بعقله يدور بنظراته ، فهو الباحث عن تطوره في مجرى الزمان .. يحل مشكلات تعترضه ويطور وسائله في استقوائه ، على ما تتطور به حياته ، فالانسان الذي حمل الأمانة ..حرية الاختيار ، انما هو بحقيقتة ، بنظراته التي لا تنقطع في ذات الانسان وفي ضروراته ، وفي ما يتصل بها من صراع مع الأغيار ، انما تلازمه الضرورة ، وحتمية تحتم عليه ، فلا اختيار له الا أن يبحث ، فهذا العقل الذي له أن يختار بين التبديلات التي أمامه .. أن يختار هذا أو ذاك ، أنما هو في دائرة اختياره ، لا اختيار له الا بأن يختار ، وهو على ذلك في سيره عبر الزمان ، لا بد بالغ وسائله التي بها يبحث ، وبالغ ما كان حتما عليه أن يبلغه ، وذلك التصديق بما توصل اليه لما كان القرآن قد قال بها كحقيقة كونية ، فالوعد الالهي ، لا مفر محقق في زمان يأتي ، فالآيات لا مفر آت اليها التصديق ، حتى ولو كره الكافرون ، وليس هذا مقصورا على حقائق النجوم والكواكب والسماء والأرض ، وانما النفس البشرية مشمولة هي ايضا بذلك ، فخلال علاقات الانسان ، بنفسه وبغيره ، لا بد يستوي بخبرته الانسانية على معرفة أيان يكمن الخير له في كل علاقة له بغيره ، وهنا تجلي الانسانية بكل معانيها للعقل ، هو في حقيقته ، ما كان القرآن يهدي الانسان اليه ، منذ نزوله ، فالكفر أو ستر العقل أو حجبه عن الآيات الكريمة التي تخص انسانية الانسان ،لا يعني بالضرورة أنه لن يبلغها ويستوى برضى نفسه عليها ، فالقرآن الكريم متدفق بالانسانية ويهدي الانسان اليها ، وأيضا التجربة الانسانية بالغة بالانسان الى معرفتها والاستواء على اختيارها ، فحيث الخير للانسان ، وينطق به القرآن ، ففيها .

ولم يكن ممكنا للعقل بحكم الضرورة ، الا أن يكون فاعلا في تعقلاته ، فهو مضيفا في سيره عبر الزمان اضافات هي بالتالي الدليل على احاطة ، وبها دلالة على وجه جهل كان به في زمن سابق ،على اضافات بقدرته في أفهامه ، فهو العقل الذي لا تنقطع قراءاته ، وهو الذي في مرحلة من تعقلاته ، استبانت له ضرورة تطوير وسائطه ، الى المعرفة بما يحيط به ، فلقد تجاوز ذاته ، بوسائط مضافة الى وسائطه ، فكأنها التي في ذاته قيدا على المعرفة التي كان عليه في سبيل المعرفة أن يتجاوزه ، الى ما ينضاف اليه ليفك أسر ذاته ، وليضيف في قدرته على التعقل فتحصيل المعرفة ، وهكذا يظل في ديمومية التطوير لأدواته أو سائطه ، ملاحقة للفهم المضيف في تطوره ، وهي بذاتها عملية فكاك من جهل كان ملازما ، فجاء البحث عن المعرفة بمثابة فعل الفكاك منه ، فاذا ثمة قول بأن نصا يتأتى فهمه في زمان قادم على الأرض ، فذلك يعني بأن امكانيات الفهم لها مقتضى وهو الفكاك من جهل ، أو من قيد يحجب الفهم ، وهذا بالضرورة ممكنا ، في زمان ما ، يقوم على خط سير العقل ، بتطوير وسائطه في خلال بحثه عن ما لم يكن يعرفه .
فالقراءة ممتنعة على العقل بلا وسائط تمكنه منها ، فاذا انعدمت وسائطه ، غاب العقل في ذاته ، الا أن يكون ممكنا أن تكون له وسائط بطريقة ما تخرجه من غروبه في ذاته . فهذه الوسائط شرط ضرورة لقيام القراءة ، فتناول العقل مادة مسطورة أو منطوقة لا يتأتى بغير واسطة أو وسيلة ، لذلك امكان القراءة دالة وسائط العقل الى ما يريد قراءته ، فالتمكين لفعل اقرأ دالة امكان القراءة ، وشرط الامكان وجود العقل ووسائطه ، فاذا توفرت تأتت اطلالة العقل على ما يراد له أن يقرأ ، فاذا ثمة ما يقرأ ، كان للفعل اقرأ نفاذه ، فهل وسع العقل ما قرأ ، وهل قراءته دالة الزمان الذي فيه يقرأ ، أم دالة قدرته ودالة وسائطه ، أم كلاهما معا ولها الصلة باستطاعته تشكيل مفهوم لما يقرأ ، واذا قرأ فهل المفهوم الذي يتشكل له ، بتعقله لجملة أو نص قرأه ، هو بذاته المفهوم الذي تتضمنه الجملة أو النص ، وكيف الدليل الى كونهما واحدا أو تطابقهما أو بينهما ثمة تباين ، فمن يقضي بذلك ، فاذا العقل يقرأ آية في القرآن الكريم ، فكيف السبيل الى معرفة أن مفهوم الآية التي تشكلت لهذا العقل ، انما هو مفهوم الآية التي فهمها الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوحي ، فاذا نظرنا الى قراءات عقول عديدية لهذه الآية ووجدنا ثمة اختلاف في فهم هذه العقول لهذه الآية ، فكيف يكون الفهم للآية الكريمة ، على اعتبار أن كل تلك العقول زعمت ، بأنها تناولت الآية بتمحيص لم تترك في خلاله أمرا متصلا بها ، الا وتناولته بالدرس في خلال بحثها عن فهم الآية الكريمة . وكيف يستسيغ عقل باحث ، بأن فهم هذا أولى بالاتباع من فهم هذا ، وماذا يدعو هذا ولماذا الى الزعم ، بأن فهمه أولى بالتصديق وبالاتباع ، من فهم غيره .
وفيما يتصل بفعل اقرأ ، فلا بد من الانتباه الى أنه في غيبة ما يقع عليه ، من مادة للقراءة فانه لا يكون ممكنا ، فاذا كانت هناك مادة للقراءة ، فان وجودها يكون قائما ، وذلك قبل أن يقوم الفعل اقرأ عليها فهي سابقة وهو اللاحق ، فاذ قال جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم ( اقرأ) فقد كانت هناك الآيات التي نزلت ، واذ قيل له( اقرأ باسم ...) فأنت يا محمد تقرأ باسم الله ، فانت تبلغ رسالة ، فأنت رسول . ولم يزل هكذا الحال في دنيانا فمن يقرأ رسالة باسم من أرسله فهو يبلغ رسالة ، فهو رسول من أرسله ، وكذلك شأن من يقرأ القرآن على نفسه أو لغيره فهو يبلغ رسالة الى نفسه أو الى غيره ، ومع تعاقب الأجيال ففعل اقرأ مستطرق في الزمان ، ومتصل بالعقل وبما يقرأه ، وأيضا بوسائط هذا العقل الى ما يقرأ ، فاذا آيات كريمة مضامينها حقائق كونية ، فقراءة في زمن ما ، لربما تفسر هذه الحقائق بنفس كلماتها ، والسبب هو محدودية وسائط العقل ، والفعل اقرأ مقيد بها ، فاذا هذا زماننا وأمكن للعقل فهم المضمون على كثير من تفاصيله ، فكأن العقل أعاد اكتشاف وعيه بالمضمون ، فعلى ذلك فهم آيات كريمة ، فيض يفيض في العقل ولا ينقطع عبر الزمان ، فالقرآن لكل زمان ، وحيثما كان العقل ، فهو أيضا لكل انسان في أي مكان كان ، فالقرآن لكل زمان ومكان . (( قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ .. آية 104 .. الأنعام )) . (( انا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل .. آية 41 ..الزمر )) . (( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ... آية 29 ..الكهف)) .
فالقرآن هدى ورحمة ، ومع ذلك العقل له حرية الاختيار ، فالفعل والقول على ما اختار العقل ، فاذا آمن الانسان ، فاختيار العقل باملاء ايمان ، وبتقوى الله تعالى ذكره ، فكل الأفعال موجبات ايمان ومقتضيات تقوى .
ومع ذلك فهناك من الناس ، من حاد وتولى عن الصراط المستقيم ، وراح يعمل عقله بما يسيء لنفسه ، فأولى للعقل أن لا يتهافت بسوء أداء ، باستخراج ما يدلل على بؤس أدائه ، وركاكة فهمه ، وضحالة استنطاقه لمعطياته في خلال تهافته على ما يفتش عنه .
فبالاقتراب من فهم قوله تعالى ذكره : ((... ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير .. آية 34 ..لقمان )) ، نلاحظ بأن هناك من جاء يقول بأن ثمة أجهزة بيد الطبيب ، تمكنه من معرفة ماذا في الأرحام ، وهذا برأيه ، بأنه دليله ، الى نفي وجه الصدق في الآية الكريمة ، وقد غاب عن هذا الذي جاء يدلل على جهله ، بأن العقل لا يتأتى له تعريف الانسان بذكورية أو أنوثة ، فهذه جزئية من كلية الانسان ، فلا يتم تعريفه بجزئية ، على كل ما فيها من دلالات عليه ، فالجزئية غير مكتملة الدلاله عليه ، فالانسان مشروع حياة ، فهو روح ، وعقل وفعل وقول ، وجسد ذو بنائة متحولة في الزمان ، فهو في جدل لا ينقطع مع بيئته ، وهو الذي لا تتاتى كتابة قصته كاملة ، الا بخروجه من الحياة الدنيا ، فعندها يمكن تحديده بسرد ، وحتى هذا السرد ، يظل ناقصا ، ذلك بأن مكنونات في نفس هذا الانسان، لربما تظل باقية في سره وتذهب معه ، فلم يعرف بها أحد .
وفي فهم قوله تعالى ذكره : (( والارض مددناها ..آية 7.. ق)) ، فلقد دلل القصور الفكري لدى مندلقين بكفرهم ، على وجه الجهل النابت في تهافت ، يختزل العقل ، في فهم نابت في تباعد تشكيل المفهوم ، عن الربط بالسؤال القائل ، بأن الأرض بما نعرفه عنها بأنها مادة . وما نعرفه ، فكل مادة ولها شكل فما هو شكل الأرض هذه ، فهي مادة ، ولا بد أن يكون لها شكل ، فاذا هي ممدودة ، في كل مكان عليها ، فلا يمكنها أن تكون مستطيلا ولا مثلثا ، ولا مكعبا ولا هرما ، ولا يمكنها الا أن تكون كروية الشكل ، ذلك بأن الكرة على كل مكان من سطحها ، تكون ممتدة أمام الانسان الذي يقف عليها ، (( يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون .. آية 8 .. الصف )) .
وهناك الكثير من الأمثلة والشواهد ، على اعتباط فهم وقصور فكر ، وعماء بصيرة ، تلازم نزعة ملحاحة ، لدى نفر من البشر ، على استغفال عقول ، بحثا عن سحبها الى زج في تكذيب للآيات ، بحثا عن رسو على كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فنحن بازاء تسويق لبضاعة فكرية فاسدة ، والأنكى منذ ذلك اسباغ صفات مثل علمي وعلمية على ما يزعمونه ، مع أننا بقليل من النباهة نكتشف ، باننا بازاء اعتباط لمواد فكرية دونما أدنى تمحيص ، ودونما أدنى تمييز بين الخطأ والصواب ، فترى الى العقل فتراه محنطا بالخطأ وبظنه أنه الصواب ، وترى الى لسانه تجده ينطق كلمات تنم عن وعي ولا وعي ، فهي خليط من جهد لا يفاد منه ابن آدم غير أن يشقى ثم يخسر انسانيته .
أفان كان هناك من الناس من هم كذلك ، أفلا يحق لنا أن نسعى نحو تخليصهم من مأزقهم الفكري . بل أقول من مأساتهم الفكرية التي ينزرعون فيها . أفنكون قد أجرمنا اذا أرهقنا عقولنا في عودة المنهجية العلمية في التفكير الى عقول هؤلاء الناس ، فلعل وعسى يأتي يوم عليهم يأخذون فيه طريقهم نحو ربوع الحق والاسلام .
فأقل ما تمتاز به العقلية العلمية هي قبول أحكام العلم ، فاذا حصل وتم وضع قضية من القضايا في ميزان العلم ، ثم كان القضاء عليها بأنها محض أوهام ، فلا يصح بعد ذلك لواحد يزعم أنه علمي ، أن يظل يتمسك بتلك القضية الكاذبة ،على أنها قضية صدق ، ومن يفعل ذلك لا يكون أقل من مخلوق بشري ، ينساق وراء سراب ، أو يتلهى بمعلومات ، لا تمس الواقع ، بل بينها وبين الحقيقة العلمية ، تنافر رهيب .
ان الذين أرهقوا عقولنا بكلمات من أمثال ( علمي ) ، و ( علمية ) ، وصل بهم الاسراف الى حد قولهم ( وجدان علمي ) و ( ارادة علمية ) .. على غير وعي منهم بتحديد أو تعريف ما ينطقون . هؤلاء الناس يرفضون أحيانا الاستجابة لأحكام العقل والمنطق انهم لا يريدون أن يفكروا علميا ، على أساس من المنطق العلمي السليم ، وذلك في كل مرة ، نحاول فيها ، أن نتناول أمامهم قضية من تلك القضايا المطروحة أمام الفكر ، والتي تمس جوهر فلسفة يروجون لها .. فماذا نفعل ، لكي يأتي يوم ، نرى فيه هؤلاء الناس ، يفكرون تفكيرا علميا فيؤمنون ، ولا يجترحون السيئات على المؤمنين ، ولا يجترون كلاما فارغا ، ولا يبيعون ألفاظا باهتة ، من أجل ثمن بخس أو متاع رخيص أو زهو فارغ المضمون .
فلما يطل السؤال عن بدء وجود هذا الكون ، نجد كلمة الصدفة جوابا ، وكأنما في الكلمة شيء من جواب ، فهي الكلمة الخلو من كل مضمون تفسيري يجاب به على السؤال ، فاذا ثمة حدث فثمة حدوث ، فلا بد من أسباب تلاقت فأدت الى حدوثه ، فكلمة صدفة ، فيما لو تم اللجوء اليها عند كل سؤال ، عن ظاهرة ما في الطبيعة ، لما كان منهج البحث العلمي ، ولما كانت الأبحاث ولما كانت علوم الطبيعة . (( وما لهم به من علم ، ان يتبعون الا الظن ، وان الظن لا يغني من الحق شيئا . فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا . ذلك مبلغهم من العلم ، ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى .. آية 28 .. النجم ))


ولعل البشر،على امتداد سيرتهم في الأرض ، لم يتأتى لهم تصور خالق السموات والأرض ، وذلك لأن منطقة التصور في العقل ، لا بد وأن تقوم فيها صورة سابقة ، ليتأتى للعقل ، أن يقيس عليها صورة لاحقة ، فاذا ثمة صورة يراها الانسان لشيء ما أول مرة ، فانه على كونها أمامه فانه لا يعرف لها اسما ، ولا بد وأن يتساءل في نفسه ، أو يسأل غيره ، فما هذه ، وما هي ، فهو لا يعرفها ، فليس في منطقة التصور من العقل صورة سابقة ليقس عليها ، لكنه حين يرى هذا الشيء مرة أخرى فانه بالقياس بتعقله على صورة سبقت في ذهنه فانه يعرفها ،
(( ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ..آية 51 الكهف ))
ونجد بأنه عبر تاريخ البشرية ، قد ظهرت بين الناس فلسفات مادية ، بها نزعة ، أو تدليل بما لا يستدل به ، على أنه ليس ثمة غير المادة ، فلا روح ، ولا خالق ، فليس غير المادة ، فالفكر بناء فوقي ،وهو بمثابة انعكاس لواقع مادي . ولم نعرف كيف يكون واقعا ، ذاك الخيال الذي يجنح اليه الفكر بين حين وآخر ، ولا يكون بحال أن يكون له صلة بواقع ، ولا يمكنه أن يكون واقعا ، وكيف يتأتى تفسير دلالات ، في الواقع المادي ، تذهب بالفكر ، الى أنه لا بد وأن هناك خالق لكل هذا الخلق ، فكيف توصل الفكر ، الى ضرورة وجود واجب للوجود ، وكيف يكون انعكاس واقع مادي ، من هو سابق على الفكر وعلى المادة ، ويوجب الأشياء من عدم .
وقد ذهبت تلك الفلسفات ، في تحديد المادة ، بأنها ممتدة في كافة الاتجاهات الى مالانهاية ، والزمن سرمدي ، لتحدد بذلك بأن ليس ثمة غير المادة ، فلا قبلها ولا بعدها ، غير شارحة ما مقصودها المادي باللانهاية ، فماذا تعني ، وغير منتبهة الى أن كل مادة ولها شكل ، فليس ثمة مادة بلا شكل ، واذا ليس ثمة الا المادة ، فحتما يكون لها شكلها فما هو ، وهذا ما غفلت عنه ، اذ كيف يتصور مفكر مادي ، من هؤلاء مادة بلا شكل ، فمن طبيعة المادة أن يكون لها بنيوية ، وأن يكون لها شكل ، فالمادة محدودة بشكلها ، فكيف يكون امتداد لانهائي لمادة ، ينتهي وجودها خارج شكلها ، أو خارج حدودها ، وماذا هناك خارج ذلك الشكل ، وهل من سبيل الى تصوره ، طالما أن الفكر انعكاس لواقع مادي وفقط .


لقد اندرجت الفكرة القائلة ، بأن الطبيعة تمتد الى ما لانهاية ، كركيزة للتصور الذهني الذي بناه فلاسفة ومفكرون عن هذا الكون . لكن هذه الفكرة ،على الرغم من رسوخها ، في أذهان الكثيرين من الفلاسفة ،على امتداد الزمان كله ، بقيت هذه الفكرة لا تجد لها سندا من جانب علوم الطبيعة ، حتى كان ذلك الزمان الذي جاء فيه نيوتن .
لقد طرح نيوتن أفكارا ، أكدت على أن الكون سكوني ولانهائي ، مما أدى بفلاسفة ومفكرين الى التهافت على فكرة اللانهاية ، كأنما الفكرة التي انحدرت من النظر العقلي وروجوا لها ، قد جاء لها سند من جانب علوم الطبيعة ، وفي ظنهم أن في ذلك دعم لتصورهم الذهني للكون . ذلك التصور الذي شاع ، في وعي الكثيرين الذين لم يعلموا آنذاك ، أنهم انما يسندون عقولهم بالوهم والخيال . فلا نيوتن ولا غيره فطن الى أن ثمة تناقض ينطوي عليه الربط بين السكونية واللانهائية معا ، فاذا الكون كذلك ، فانه بالضرورة يحتوي على نجوم ومجرات لا حصر ، وهذا يعني أن فيض الضوء المنبعث من هذه المجرات ،لا بد وأن يكون كافيا لأن يجعل السماء شعلة من نور وضياء ، فلماذا اذن نرى الظلام دامسا في أعماق السماء ؟! ، والاجابة على ذلك باختصار شديد ، هي أن الكون آخذ في الاتساع .. هذا الاتساع ، هو الذي يؤدي الى أننا نرى الظلام دامسا ، في أعماق السماء ( فالمجرات في تباعدها بسرع عالية جدا ، تتسبب في استطالة في أطوال الأمواج المنبعثة منها ، بما فيها أطوال الأمواج التي تملك عين الانسان تمييزها وهي ما ندعوها تمييزا لها عن غيرها باسم الضوء ، وهذا ما يجعل عين الانسان ترى ظلاما في أعماق السماء ، وبالطبع فهذا شيء مختلف عن الليل الناتج عن دورة الأرض حول نفسها وحول الشمس ) . ولكن أن يكون الكون آخذ في الاتساع ، يعني أنه ليس سكونيا . اذن نحن توصلنا ، الى أننا لوفرضنا أن الكون لانهائي فالنتيجة أنه ليس سكونيا ، ولأن نيوتن قال بأن الكون سكوني ولانهائي معا ، اذن نكون قد توصلنا الى أن فكرة نيوتن عن الكون ، تحتوي على تناقض ، يثير الشكوك في هذه الفكرة ، وربما يلغيها . لتمتد بعد ذلك هذه الشكوك ، الى كافة الأطروحات ، والتصورات الفلسفية التي انسجمت مع أو ارتكزت على تلك الفكرة التي طرحها نيوتن . ولاسباغ بعض وضوح ، على كلمة الاتساع التي ذكرناها هنا ، نقول بأن العالم هابل ، هو الذي طرح فكرة اتساع الكون ، وذلك عام 1929 ، ومن قبل ذلك لم ترد هذه الفكرة ، الا في آية كريمة تقول (( والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون .. آية 47 الذاريات )) ، ، حتى أن آينشتن ، وهو يقيم نماذجه السكونية للكون ، قد ظن في بداية الأمر ، أن الكون سكوني كما نيوتن ، حتى قيل له فيما بعد ، عن فكرة الاتساع التي جاء بها هابل ، وهنا قال كلمته المشهورة ( ذلك كان أكبر خطأ ارتكبته في حياتي ) ، . أما معنى الاتساع الذي كان يعنيه هابل ،فهو أن الكتل المادية الضخمة السابحة في هذا الكون ( وهي المجرات ) ، فانها تتباعد عن بعضها البعض ( أي أن المسافات فيما بينها ، آخذة في الازدياد ، وذلك مع ازدياد السرع التي تنحسر بها هذه المجرات ،عن بعضها البعض ، أو نقولها بكلمات أخرى : كلما زادت السرع التي تتباعد بها المجرات عن بعضها البعض ، كلما زادت أطوال المسافات فيما بينها ) .
لكي نستطيع أن نفهم نيوتن جيدا ، ونجد له العذر ، فلا أقل من أن نمعن النظر في أفكاره وأطروحاته ، لنرى أنه كان على قناعة تامة بأن الكون سكوني ، ولهذا ولأنه كان يفهم الجاذبية على أنها مجرد ( قوة ) ، لم يك أمامه من مناص ، الا أن يتوصل الى أن الكون لا نهائي ، ذلك لأنه لو حاول أن يفرض بأن الكون نهائي ، لكان يعني ذلك انهيار الكون على ذاته ، وذلك تحت تأثير الجاذبية ( وكما فهمها نيوتن) . الأمر الذي أدى به الى الاستنتاج بأن الكون لانهائي . وعلى الرغم من ذلك ، لم يك في زمانه ، ولا في الزمان الذي يليه من النظريات العلمية ، في علوم الطبيعة ما يقضي ببطلان فكرته ،عن الجاذبية الكونية . حتى جاء ألبرت اينشتين وطرح نظرية النسبية العامة ، وذلك في النصف الأول من القرن العشرين ( 1916) ، وهي النظرية التي جاءت بمفهوم عن الجاذبية ، مختلف جذريا عن المفهوم الكلاسيكي الذي جاء به نيوتن . فبينما نجد الأفكار القديمة عن الجاذبية على أنها مجرد قوة ، فان النسبية العامة بالمقابل تقضي بأنه لا يجب الحديث عن قوة الجاذبية ، وبدلا عن ذلك يكون الحديث عن تأثير الجاذبية في تكوير الزمان والمكان .. النسبية العامة هي نظرية حول الجاذبية ، وتدلنا كيف تعمل الجاذبية .. المشاهدات كلها ، تدل على أن هذه النظرية ، أكثر صلاحية ودقة في وصف الجاذبية ، من كل تلك الأفكار التي طرحها نيوتن عن الجاذبية . فوجود المادة يعني وجود جاذبية ، وهذه هي التي تتسبب في انحناء المكان والزمان ، فكلما كانت المادة أكبر ، أو كان تركيزها أكبر ، فكلما كانت الجاذبية أشد ، وكان انحناء المكان والزمان أكبر . كأنما الجاذبية ، تقول للمكان والزمان على أي كيفية يكون انحناؤهما ، وهذا الانحناء الذي عليه المكان والزمان ، يقول للمادة كيف تتصرف ، أي كيف تكون حركتها ، فهذه خلاصة النظرية النسبية العامة .
بالاستناد الى هذه النظرية ، توصل العلماء ، الى حقيقة مفادها ، أنه اذا كانت هناك من المادة في هذا الكون ما يكفي لجعل الجاذبية قادرة ، على ايقاف الاتساع الذي يعانيه الكون ، فذلك يكون له معنى ، هو أن زمانا آتيا ، فيه سوف يتوقف هذا الاتساع ، ليبدأ الكون بعد ذلك ، بالانهيار على ذاته ، أو نقولها بكلمات أدق يبدأ يطوى على ذاته ... فهل من كل ذلك يتشكل معنى تشير اليه الآية الكريمة : (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب .. آية 104 .. الأنبياء )) .


((...كطي السجل للكتب .. آية 104 .. الأنبياء ))

وفيما يتعلق بالكون والكتاب ، نود أن نقول بأن العقل الباحث ، يقوم بتدوين تجاربه وأبحاثه في كتاب ، حفظا لها ، وليأتي من يقرأ فيه ، فيعمل بما علم ليزداد علم ما لا يعلم ، فيضيف ما قد علم في صفحات تضاف الى الكتاب ، وهكذا وعلى مدار الزمان ، يتواصل البحث ، ليصبح ما توصل اليه العقل مدونا في كتاب ، هو كتاب علم الكون ، فكلمات الكتاب أوعية علم أدركه العقل البشري ، خلال انفعاله وانشغاله في البحث والتنقيب عن أسرار الكون ، اذن نحن ازاء ثلاثة ، الكون ، العقل ، الكتاب .. علم العقل بحقائق الكون في خلال البحث العلمي ، منقول به الى كتاب ، فاذا كان الذي في الكتاب مطابقا للحال الذي هو عليه الكون ، يغدو من يقرأ الكتاب يدري ما في الكون ، ومن يدري ما في الكون يعلم ما في الكتاب ، فكأن الكون كتاب ، وخاصة في كل ما يتعلق بالعلم به ، فان فرغت من قراءة الكتاب طويت السجل على ما فيه مسطور ، اذن طي السجل ايذان بتوقف أو بانقطاع نظرات العقل في الكتاب ، فكأن كاف التشبيه في قوله ( كطي ) لتدل على وجه الشبه ، بين طي السجل للكتاب ، وبين أن تطوى السماء . في كلا الأمرين ايذان بانقطاع النظر في الكون أو في الكتاب . . أكثر من ذلك ، طي الكون يعني انهياره على ذاته ، ويعني أيضا انعدام وجود عقل ينفعل به ، اذن لما كان هناك عقل مكلف بأن ينظر في الكون (( قل انظروا ماذا في السموات والأرض... ، آية 101 .. يونس )) ، كان الكون قبل انهياره أو قبل أن يطوى ، في حال يتيح للعقل أن ينظر ليفهم ، وليأخذ القلم يسطر به ما عقل في كتاب ، فاذا طويت السماء تنقطع أسباب وجود الانسان ، فلا تعود هناك حياة في الأرض ، ولا عقل يبقى ، ولا قلم ، ولا كتاب .
أما عن الطي في قوله تعالى ذكره ( كطي السجل للكتب ) ، يقول النيسابوري ، بأن الطي مضاف الى المفعول والفاعل محذوف كطي الطاوي للسجل .
يقول أبوجعفر محمد ابن جرير الطبري : أولى الأقوال عندنا بالصواب ، قول من قال السجل في هذا الموضع الصحيفة ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، ولا يعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب أسمه السجل ، ولا في الملائكة ملك ذلك اسمه ، فان قال قائل ، وكيف تطوى الصحيفة بالكتاب ان كان السجل صحيفة ، قيل ليس المعنى كذلك ، وانما معناه ، يوم نطوي السماء كطي السجل ،على ما فيه من الكتاب ، ثم جعل نطوي مصدرا ، فقيل المراد منه كطي السجل على ما فيه مكتوب .

سرمدية

الفكرة القائلة بأن حياة البشر مستمرة ، الى ما لا نهاية ، هي تلك الفكرة التي يتم التعبير عنها ، بقولهم سرمدية الحياة ( الدنيا ) ، وبالطبع فان هذا الفكرة قديمة ، تشدقت بها أفواه فلاسفة ومفكرين ، وذلك منذ زمان بعيد في الماضي ، وحتى زماننا هذا . ولا شك في أن هذه الفكرة تروق للذين يتراقصون على أنغام الشيطان ، ويتناغون بتلك الكلمات التي تصب في غرس قناعة ، في أذهان الناس ، تؤدي بهم الى انكار وجود حياة أخرى ، بعد هذه الحياة الدنيا ، ليتأتى بعد ذلك لهؤلاء انكار الجنة والنار والقيامة والحساب يوم الدين . ومن هنا أيضا ينسل الكفار الى انكار وجود الله تعالى ذكره ، وانكار الرسالة السماوية والنبوة كذلك . يفعلون كل هذا بأقلامهم وأفواههم وكأن قضية الايمان يمحوها كلام مسطور ومنطوق .
ومن حيث أن من الذين يتصدرون الدعوة الى الكفر بالله تعالى ذكره ، يتخذون من كلمة العلم مطية لهم ، في سعيهم نحو ما يبغون ، حتى باتوا يزعمون أن الانسان العلمي في تفكيره ، لا يصح أن يكون مؤمنا . لأنهم بلغوا هذا الخطأ الفاحش ، من أجل تحقيق ما هو أفحش من ذلك ، فلا أقل من أن نبين لهؤلاء وباختصار شديد ، أن قضية مثل سرمدية الحياة الدنيا في الأرض ، انما هي محض أوهام تسيطر على عقلية لا صلة للعلم بما تدعيه ، ذلك لأن الابحاث في الفيزياء الفلكية وعلوم الكون ، ما ينفي سرمدية كهذه . فاذا جاز لنا أن نسأل أولئك الذين يتفاخرون بالجهل ،عن ذلك البرهان العلمي ،على مقولاتهم سيئة الصيت ، فأين هو هذا البرهان . أنا لم أجد في كلماتهم غير كلام ضعيف ممقوت ، ولا يمت بصلة الى كلام الباحثين عن الحقيقة . أكثر من ذلك وجدت بأن غاية ما استطاع أن يبتدعه في هذا المجال ، من روجوا لهم بأنهم فلاسفة ، انما هو صف لكلمات ، ثم جعلها تحتك ببعضها البعض ، من أجل استخراج معان ، راحوا يروجون لها على أنها منطقية وعلمية ، مع أننا نجد العلم ينحاز الى جانبنا ، في محاولاتنا للكشف عن زيف ما زعموا وما اجترموا من سيئات .
ولننظر مثلا في الفيزياء الفلكية ، لنجد أنه يأتي زمان على الشمس ، يزيد فيه اتساع سطحها ، ويزيد فيه فيض الأشعة المتدفقة منها ، الى حد يكفي فيه ، ما يصل الأرض من أشعة وحرارة ، الى تصعيد درجة الحرارة في الأرض ، الى درجة غليان الماء أو تزيد ، فتتبخر مياه المحيطات والبحار والأنهار ، ويحترق أو يجف الزرع والزروع والأشجار ، ناهيك عن خلخلة مرعبة في الغلاف الهوائي ، اذ يهرب الهواء في غالبيته العظمى ، من الأرض ، وتنعدم حياة النبات والحيوان ، وتزول الحياة البشرية في الأرض ..تنقطع أسبابها .
فسرمدية ( الحياة الدنيا في الأرض ) وهم يسيطر على عقلية بعيدة عن العلم . أكثر من ذلك نتعلم من علوم الكون بأن الكون آخذ بالاتساع ، وبأن يوما يأتي في الزمان المستقبل ، يتوقف فيه هذا الاتساع ، ويبدأ الكون بالانهيار . يبدأ - كما علم الكون يقضي – يطوى على ذاته ، ليعود رتقا ، كتلة واحدة متراصة .
أي أننا نريد القول بأن دلائل الأبحاث النظرية والتجريبية ، في مجال علوم الكون ، تكشف لنا ، عن أن مجرات الكون والأجرام السماوية كلها ، سوف تعود يوما كتلة واحدة متراصة .
وهذا بحد ذاته دليل علمي آخر ، ومؤشر آخر أمام الفلسفة ، لتفاد منه في ضبط وعيها بالكون ، وضبط رؤيتها لما سوف يجري في الزمان القادم ، فأينما يذهب انسان الزمان القادم ، وفي أي كوكب يستوطن فنهاية الحياة البشرية آتية لا محالة ، وذلك باختصار شديد ، لأن أسباب زوالها ، سوف تتوفر وأسباب بقائها سوف تزول .
اذن بالاستنداد الى الفيزياء الفلكية أو علوم الكون ، فان سرمدية حياة الانسان في الأرض، انما هي محض أوهام .. فمن يؤمن بالله تعالى ذكره يريح ويرتاح ، ويجد حقائق العلم في الدنيا تأتي تؤيد قناعاته وترسخ ايمانه ، ومن كفر وراح يزهو بأوهامه ، فلن يبقى له منها سوى حياة أوهام ، تزل بها قدمه الى هاوية ليس لها من قرار .

وتبقى آيات القرآن تلح على الانسان (( قل انظروا ماذا في السموات والأرض ..آية 101.. يونس )) . (( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق .. آية 20 العنكبوت )) .
ففي البحث عن ماذا في السموات ، وكيف بدأ الخلق ، يتأتى للعقل أن يأخذ دوره مليا في حل مشكلات تعترضه ، ويسهم بذلك في تطوير حياته ، وكان حقا على المؤمنين طاعة الله تعالى ذكره في قوله هذا ، فكل هذه الطاعة بالاضافة الى انها مقتضى ايمان ، فهي حق لأنفسهم على أنفسهم ، فان فيها سر أمنهم ، وسر تقدمهم ، وسر تحقيقهم لآمالهم في الحرية ، فحاجاتهم المادية كلها محققة بالضرورة ، بانشغال العقل في البحث عن أسرار الطبيعة .
(( وليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وان الله لهاد الذين امنوا الى صراط مستقيم .. آية 54 .. الحج )) .

(( أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين .. آية 22 الزمر )) .
.................................................. .................................................. .................................................. ...........................
astrosameh@Gmail.com

ملاحظة : هذا المقال قد كتبه الكاتب ( محمد يوسف جبارين ) كتقديم لكتاب ( بيان القرآن الكريم في تبيان ألغاز الكون العظيم ..للباحثة : وديعة عمراني سوهلي .. فاس .. المغرب ) وقد صدر الكتاب بنسخته الالكترونية مؤخرا ،

محمد يوسف جبارين 22-08-2009 17:01

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
رؤيته..ضرورة صواب حسابات ، والعين وسيلة عقل لكي يرى

بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين

رؤيته .. كلمة وردت في النص القرآني ، ولا تزال تشكل سند الاصرار على أن ترى العين بذاتها ، وهذا جد مهم وغاية في الصواب وفي الدقة العلمية ، ذلك بأن الحسابات الفلكية ، قامت وتقوم ويتم تعديلها باستمرار ، بناء على رؤيته ، المشاهدة ، فالقياس ، وليس ثمة عالم فلك لا يعود دوما الى ضبط حسابات فلكية بناء على رؤيته ، المشاهدة ، فليست الحسابات الفلكية هي الاساس ، وانما رؤيته ، هي الاساس ، ذلك بأن عليها يقوم القياس ، وهذا هو موقف البحث العلمي ، واذن فليس ثمة تناقض بين رؤيته وحسابات فلكية ، بل الصواب بأن هذه الرؤيته هي الضرورة التي بلاها لا قيمة لحسابات فلكية ، وكذلك هذه بلا العودة الى رؤيته للتعديل أو التأكد من صوابها ، تغدو في رتبة الشك الذي لا يزول بغير رؤيته ،فليس ثمة تناقض ، بل هذه اساس هذه ، وهذه لا تقوم بلا هذه ، فأين التناقض ، انه كامن في سياق الوعي ، بصلة هذه بهذه ، فاذا تكامل الوعي زال التناقض ، ولقد تبدو غيبة الوعي في الفضاء العام وكأنها شبة تناقض بين رؤيته وبين علم فلك ، وهذا مؤسف ، ويمكن درء ذلك بالتوعية ، فوسائل توصيلها لكل الناس موجودة ، فليرتقي الكل الى مرتبة يتكامل فيها الوعي للكل ، وهي مهمة سهلة ، ولا تحتاج الى كثير من عناء .فالمسلمون كلما ازدادوا ارتباطا بقرآنهم فكلما تكامل لهم العلم والدين معا ، فدينهم هو بذاته دعوة الى العلم ، وهذه الدعوة في صلب وعيهم الديني كان لها أبلغ الأثر في ابداع العلوم ، فأبدعوا ما لم يبدعه أحد من قبلهم ، لكنهم ناموا بعد ذلك ومن دينهم لا يجب أن يغفلوا ويناموا ، بل أن يصحوا ويتألقوا ، ويكونوا رواد العلم على هذه الأرض ، فكيف لمثل هؤلاء أن تتناقض في وعيهم كلمة رؤيته مع حسابات فلكية ، فهو ما لا يصح ، فلا بد من مسح الجهل وذرايته ، فليس من سمات مسلم قارىء قرآن أن يجهل ، فالعلم بين يديه ، وهو جدير به فهو مسلم .
وبين كلمة رؤيته والحسابات الفلكية ، ليس ثمة فاصلة ، وانما رؤيته المستمرة ، هي ما أمكنت فهم مسار القمر ، في خلال العام ، وفي خلال سنيين ، وهي التي أمكنت من توفر قياسات وحسابات فلكية ، ما أتاح اكتشاف علاقات ، بين متغيرات فكانت معادلات ، أصبح بالامكان بناء دورة للقمر في أزمنة سابقة أو قادمة ، فالحسابات من بنات رؤيته ، ورؤيته دوما حاضرة للتأكد من الحسابات ، وهذه الحسابات جديرة بالاهتمام في علم قام على رؤيته ، فهي تتيح لنا المعرفة في الزمان القادم ، فأين يكون القمر ، بالنسبة لنا نحن الذين في الأرض ، او بالنسبة لمكان آخر في هذه المجموعة الشمسية .
فصواب الحسابات الفلكية من رؤيته ، وأما الحسابات الفلكية فلا بد من أن تتأيد برؤيته ، للتأكد من صوابها ، فثمة نسبة خطأ في المعادلات ولا بد من رؤيته ، للتعرف على كيفية تدارك نسبة الخطأ هذه .
وبالعودة الى العين ، لنتساءل عنها ، ما هي ، وهل هي بعينها كافية لكي يرى الانسان ، أليست هي بعينها ، واسطة ( وسيلة ) ، بين العقل وبين ما يمييزه هذا العقل ،فهل العين هي التي ترى أم العقل ، فانما الانسان يرى بعقله ، وليس بعينه ، وانما هذه العين لو فصلت عن العقل ما أمكنها أن تؤدي دور رؤية لشيء ، فالعين وسيلة عقل الى أن يرى ، فالرؤية محققة بالعقل ، وانما هذا العقل ، قد أدرك عبر الزمان حاجته الى تجاوز وسائطه أو وسائله الى الرؤية والى المعرفة ، بكل ما يحيط به في الطبيعة ، وذلك بحثا عن معاشه وبحثا عن أمنه وعن تطوير حياته ، لقد تجاوز العقل أدواته التي في جسمه ، فأبدع أدواته ، تجاوز عضلاته الى عضلات ميكانيكية ، وتجاوز خفته بالقفز الى أعلى فطار بطائرة ، وتجاوز عينيه ، الى رؤية الذرة وأدق التفاصيل في أصغر الاشياء ، فأنا رأيت ذرات الذهب عبر الميكوسكوب الالكتروني ، ورأيت المجرات البعيدة عبر التلسكوب ، ورأيت نشاطا مغناطيسيا يسبق انفجارا مغناطيسيا على سطح الشمس بواسطة الكرونوغراف ، فاذن العين دوما حاضرة في رؤيته لكن المضاف اليها في تجاوز قدرتها الى ما هو أبعد ، هو بعينه ما يجعل النظارات ، والتلسكوب ، اضافة تتوسع بها الرؤية ،وتصبح ممكنة ، وهي مقدرة عقل ، أدرك بأن عينيه بعينها ، لا يجب أن تستبقيه مقيدا في نطاق استعماله لأدواته التي في جسمه وفقط حين يرى أو يقوم بعمل ما .

samir500 22-08-2009 21:06

رد: يا samir500،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
من منا لا يريد ان يكون مميزا
اشكرك اخي ساعمل ما في جهدي وفقنا الله

محمد يوسف جبارين 22-08-2009 23:03

رد: يا kingstars18،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
رؤيته..ضرورة صواب حسابات ، والعين وسيلة عقل لكي يرى

بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين

رؤيته .. كلمة وردت في النص القرآني ، ولا تزال تشكل سند الاصرار على أن ترى العين بذاتها ، وهذا جد مهم وغاية في الصواب وفي الدقة العلمية ، ذلك بأن الحسابات الفلكية ، قامت وتقوم ويتم تعديلها باستمرار ، بناء على رؤيته ، المشاهدة ، فالقياس ، وليس ثمة عالم فلك لا يعود دوما الى ضبط حسابات فلكية بناء على رؤيته ، المشاهدة ، فليست الحسابات الفلكية هي الاساس ، وانما رؤيته ، هي الاساس ، ذلك بأن عليها يقوم القياس ، وهذا هو موقف البحث العلمي ، واذن فليس ثمة تناقض بين رؤيته وحسابات فلكية ، بل الصواب بأن هذه الرؤيته هي الضرورة التي بلاها لا قيمة لحسابات فلكية ، وكذلك هذه بلا العودة الى رؤيته للتعديل أو التأكد من صوابها ، تغدو في رتبة الشك الذي لا يزول بغير رؤيته ،فليس ثمة تناقض ، بل هذه اساس هذه ، وهذه لا تقوم بلا هذه ، فأين التناقض ، انه كامن في سياق الوعي ، بصلة هذه بهذه ، فاذا تكامل الوعي زال التناقض ، ولقد تبدو غيبة الوعي في الفضاء العام وكأنها شبة تناقض بين رؤيته وبين علم فلك ، وهذا مؤسف ، ويمكن درء ذلك بالتوعية ، فوسائل توصيلها لكل الناس موجودة ، فليرتقي الكل الى مرتبة يتكامل فيها الوعي للكل ، وهي مهمة سهلة ، ولا تحتاج الى كثير من عناء .فالمسلمون كلما ازدادوا ارتباطا بقرآنهم فكلما تكامل لهم العلم والدين معا ، فدينهم هو بذاته دعوة الى العلم ، وهذه الدعوة في صلب وعيهم الديني كان لها أبلغ الأثر في ابداع العلوم ، فأبدعوا ما لم يبدعه أحد من قبلهم ، لكنهم ناموا بعد ذلك ومن دينهم لا يجب أن يغفلوا ويناموا ، بل أن يصحوا ويتألقوا ، ويكونوا رواد العلم على هذه الأرض ، فكيف لمثل هؤلاء أن تتناقض في وعيهم كلمة رؤيته مع حسابات فلكية ، فهو ما لا يصح ، فلا بد من مسح الجهل وذرايته ، فليس من سمات مسلم قارىء قرآن أن يجهل ، فالعلم بين يديه ، وهو جدير به فهو مسلم .
وبين كلمة رؤيته والحسابات الفلكية ، ليس ثمة فاصلة ، وانما رؤيته المستمرة ، هي ما أمكنت فهم مسار القمر ، في خلال العام ، وفي خلال سنيين ، وهي التي أمكنت من توفر قياسات وحسابات فلكية ، ما أتاح اكتشاف علاقات ، بين متغيرات فكانت معادلات ، أصبح بالامكان بناء دورة للقمر في أزمنة سابقة أو قادمة ، فالحسابات من بنات رؤيته ، ورؤيته دوما حاضرة للتأكد من الحسابات ، وهذه الحسابات جديرة بالاهتمام في علم قام على رؤيته ، فهي تتيح لنا المعرفة في الزمان القادم ، فأين يكون القمر ، بالنسبة لنا نحن الذين في الأرض ، او بالنسبة لمكان آخر في هذه المجموعة الشمسية .
فصواب الحسابات الفلكية من رؤيته ، وأما الحسابات الفلكية فلا بد من أن تتأيد برؤيته ، للتأكد من صوابها ، فثمة نسبة خطأ في المعادلات ولا بد من رؤيته ، للتعرف على كيفية تدارك نسبة الخطأ هذه .
وبالعودة الى العين ، لنتساءل عنها ، ما هي ، وهل هي بعينها كافية لكي يرى الانسان ، أليست هي بعينها ، واسطة ( وسيلة ) ، بين العقل وبين ما يمييزه هذا العقل ،فهل العين هي التي ترى أم العقل ، فانما الانسان يرى بعقله ، وليس بعينه ، وانما هذه العين لو فصلت عن العقل ما أمكنها أن تؤدي دور رؤية لشيء ، فالعين وسيلة عقل الى أن يرى ، فالرؤية محققة بالعقل ، وانما هذا العقل ، قد أدرك عبر الزمان حاجته الى تجاوز وسائطه أو وسائله الى الرؤية والى المعرفة ، بكل ما يحيط به في الطبيعة ، وذلك بحثا عن معاشه وبحثا عن أمنه وعن تطوير حياته ، لقد تجاوز العقل أدواته التي في جسمه ، فأبدع أدواته ، تجاوز عضلاته الى عضلات ميكانيكية ، وتجاوز خفته بالقفز الى أعلى فطار بطائرة ، وتجاوز عينيه ، الى رؤية الذرة وأدق التفاصيل في أصغر الاشياء ، فأنا رأيت ذرات الذهب عبر الميكوسكوب الالكتروني ، ورأيت المجرات البعيدة عبر التلسكوب ، ورأيت نشاطا مغناطيسيا يسبق انفجارا مغناطيسيا على سطح الشمس بواسطة الكرونوغراف ، فاذن العين دوما حاضرة في رؤيته لكن المضاف اليها في تجاوز قدرتها الى ما هو أبعد ، هو بعينه ما يجعل النظارات ، والتلسكوب ، اضافة تتوسع بها الرؤية ،وتصبح ممكنة ، وهي مقدرة عقل ، أدرك بأن عينيه بعينها ، لا يجب أن تستبقيه مقيدا في نطاق استعماله لأدواته التي في جسمه وفقط حين يرى أو يقوم بعمل ما .

كليبر 23-08-2009 00:03

رد: يا كليبر،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
الى اخي المتألق دائما .. الاستاذ محمد جبارين,
ليت الكلمات والعبارات تسعفني كي أوفيك ما تستحقه من شكر ومديح يرتقي الى سمو كلماتك الرائعه وللحق انك تثري هذا المنتدى بكتاباتك الغنيه بالمعرفه والعلم وأود الاشاره بان ارقى واسمى واعظم شيء اوجده الله هو العقل ولاجله أمر الله الملائكه ان يسجدوا لادم بعد ان وهبه العلي القدير العقل فاصبح ادم عاقلا وحرا واصبح مسؤولا عن اختياره للاشياء.وتكمن عظمة هذا العقل بقدرته على ادراك ما حوله بشكل تديجي وتراكمي وتوظيف معرفته بظواهر الكون في تطوير ظروف حياة الانسان لصالحه.

محمد عوض يسلم 23-08-2009 03:33

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
باك الله في جهودكم الطيبة وجعلها الله في ميازيين حسناتكم
وشهرا مبارك

محمد عوض يسلم 23-08-2009 03:34

رد: يا محمد عوض يسلم،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بارك الله في جهودكم الطيبة وجعلها الله في ميازيين حسناتكم
وشهرا مبارك

alraadallamaa 27-08-2009 12:02

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحيه
اعذروني اخواني لقلة مشاركلتي بسبب السفر و البعد عن الوطن

احمد حسانين 27-08-2009 13:18

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم / كلمات الشكر لا توفيكم حقككم بجد ولا نملك سواها لذلك تقبلوا شكري وامتناني

احمد حسانين 27-08-2009 13:24

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم / اشكركم واسف عن انقطاعي وكل عام وانتم بالف خير

الميلود 27-08-2009 14:36

آيات الله في القرآن
 
بارك الله فيكم وهل من مزيد!!حقيقة هي كلمات لا تشبع منها الارواح زدنا يامحمد يوسف جبارين

محمد يوسف جبارين 28-08-2009 02:02

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
الأشعة الكونية

بقلم : محمد يوسف جبارين ( أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين


حين يكون كلام على عواصف شمسية ، وتأثيرها على المناخ والحياة في الأرض ، بما في ذلك تأثيرها على الأقمار الصناعية ، وشبكات الاتصال ، فانما ذلك يقتضي فهما لكيفية نشوء هذه العواصف ، ومكوناتها ، وما لها فيزيائيا من أثر على الانسان وعلى الأجهزة الالكترونية ، وعلى النبات والحيوان ، وذلك تحصيلا لمعرفة صحيحة بالاجابة على كل تساؤل متصل بهذا الجانب من العلم الذي يندرج تحت عنوان الأشعة الكونية ، وتأثيراتها البيولوجية ، وتأثيرها على المناخ .
كلمة الأشعة الكونية ، انما تعني الجسيمات التي تأتي من الشمس ، ومن أطراف مجرتنا درب التبانة ، من نجم نيوتروني ( له مجال مغناطيسي عالي الشدة ) ، من سوبرنوفا ( انظر ملحق2 ) ، ومن أرجاء الكون الأخرى ، ومنها ما يأتي بسرع عالية جدا بسبب من آليات تسريع ( أمواج رعدية مثلا ) أكسبتها سرعتها ، وتغزو الأرض ، فيكون التأثير المتبادل بينها وبين المجال المغناطيسي للأرض ، وأيضا بينها وبين الغلاف الهوائي .
وتلك الجسيمات (الأشعة الكونية ) ، هي بروتونات ، ألكترونات ، ذرات ينقصها الكترون أو أكثر ، أو تنقصها كل الكتروناتها ( خسرتها في خلال تصادمات مع غبار كوني على طول مسارها ) . وكما أنها تصل الأرض فهي أيضا تصل الكواكب السيارة الأخرى والقمر ، فدراستها هي مهمة علمية ضرورية ، لسلامة المركبات الفضائية ورواد الفضاء . وأيضا لسلامة ركاب الطائرات ، ولفهم متغيرات كثيرة تطرأ على المناخ ، ولربما لها تأثيرها على الحياة ، وأمور أخرى لها صلة بالبحث العلمي ، فمثلا نشوء نظائر مشعة ، منها كربون 14 ، وهي التي تنشأ في الغلاف الهوائي بسبب من تصادمات بين جسيمات من الأشعة الكونية وبين ذرات من الهواء ، ولهذه بليغ أهمية في تحديد أعمار الأشجار ، والعظام ( بقايا هياكل عظمية ) ، والصخور ، وهذا جانب من علم الآثار ، وله أهمية في اعادة ضبط وقائع التاريخ مع زمانها .
وعلى ذلك فتناول الأشعة الكونية بالكتابة عنها ، انما يتطلب انتظاما في السرد الموضوعي ، وهذا يعني استطالة في المقال ، ليكون التناول ميسرا للفهم ، الا أنني سوف أترك هذا الى كتابة قادمة أتناول فيها موضوع الأشعة الكونية بتفصيل ميسر للفهم ، فأما هنا فسوف يكون اقتصار الكتابة على الاشارة بالملاحظة المفيدة لتصور تناقلته الصحافة من دون تدقيق كامل بتفاصيله ، وهذا التصور هو أن عاصفة شمسية سوف تضرب الأرض في خلال الدورة الشمسية التالية ، وبأنه في عام 2012سوف تكون هذه العاصفة ما يتسبب بتأثير بالغ الخطورة على الأقمار الصناعة وعلى المناخ وعلى شبكات الكهرباء التي تصل المدن أو المصانع ، وقد تناهى الوصف في النقل الى اغراق في توصيف المخاطر ، بل ومبالغة في توصيف الضرر .
ثم اني سوف أضيف الى ملاحظتي عن ذلك التصور ، اقترابا علميا من الأشعة الكونية ، بحيث يصبح سهلا على القارىء الاقتراب من هذا الموضوع الذي أصبح متصلا بتطور حياة الانسان في الأرض ، على أمل أن نلتقي مع مقال أتناول في الأشعة الكونية تفصيلا .
أما عن ذلك التصور ، وما ذهب من قال به الى أن عاصفة شمسية ، سوف تكون بذاك الحال الذي تغدو فيما يصل منها أو من توابعها ، الى سطح الأرض بحيث تعلو في الجهد الكهربائي في خطوط الكهرباء فتتسبب في حرائق وفي خراب ، وما الى ذلك من توصيف ، فكل هذا كلام لا يتجاوز التخمين ، ومحاولة الافتراض ، فليس بين يدي العلم قوانين مضبوبة يمكن بها التنبوء في ما يتصل بحال كهذا الذي تم سرده ، فهو التخمين والاحتمال ..فلا أقل ولا أكثر .. فالمجال المغناطيسي للشمس مركب ومعقد ، ولم يزل من الصعب لمثلي ، أو لأي من الفيزيائيين الفلكيين أن يقول بأن بين يدية قوانين يمكن ، أن يعرف بها مجرى سلوك البقع الشمسية ( شكل 1 ) أو المجالات المحلية المغناطيسية ( شكل 2 ) أو المجال المغناطيسي للشمس برمته ، فالتنبوء صعب ، ومقترن بالخطأ الذي لا يفارق ، ذلك هو الحال القائم في هذا الجانب من العلم( المجال المغناطيسي للشمس ، والمجالات المحلية الناشئة والمقترنة بدورة البقع الشمسية ) ، لكن هذا الاحتمال الذي سال على الألسن وجرت به أقلام الصحف ، انما هو ناتج عن تصور افتراضي لدورة البقع الشمسية ، وأيضا لبقع شمسية تظهر ، يترتب عليها انفجارات مغناطيسية هائلة ( شكل 3 ، شكل 4 ) ، تؤدي الى رياح شمسية مذهلة في ضخامتها ، وهذا يبقى افتراض ، يدور به تصور افتراضي ، ومع ذلك فكل ذلك يمكنه أن يكون سؤالا نظريا مفيدا في دراسة مدى تأثير الأشعة الكونية ( وعلى الأخص منها المنبعثة من الشمس ) . الا أن الذي يدعو الى تصور كهذا ، انما يتطلب النظر الى ما يجري الآن من حال ظهور البقع الشمسية ، فمن يدخل على القمر الصناعي سوهو SOHOsun spots سوف يلاحظ بأننا نمر في هذا العام ، في فترة الحضيض ، أي الفترة التي لا وجود فيها البقع شمسية على سطح الشمس ، ولقد طالت هذه الفترة ، وحيث أن دورة البقع الشمسبة هي 11 سنة ، ( 5.5 سنة يتتالى ظهور البقع و5.5 يتتالى اختفاؤها) ، فالتصور بأن ذلك يمكن أن يترتب عليه في الدورة القادمة ظهور بقع شمسية كبيرة جدا ، ، ما يترتب عليه بالتالي انفجارات مغناطيسية عالية الشدة ، وهذه تعني رياح شمسية هائلة تتقدم بسرعة مابين 400كم/ثانية الى 1000كم/ثانية من الشمس الى خارجها فاذا هذه اصطدمت بالأرض( ومن الجائز أن تتجه بعيدا عن الأرض ) فان تأثيرها على مناخ الأرض ، وعلى الحياة سوف يكون من ألأهمية ، ما يستدعي الدراسة والفهم ، فاذا ثمة افتراض لنشوء رياح شمسية تتسبب بكل هذا المتخيل في الأرض ،أو هو شبه هذا الذي يمكن توقعه ، فهو يظل في دائرة الافتراض والمتخيل ، في هذا الجانب من التأثير لعاصفة شمسية على مناخ الأرض ، فلا شك في تأثير الأشعة الكونية على المناخ الا أن ما قيل انما فيه الاسراف الكبير في تصوير مدى التأثير على المناخ وعلى وسائل الاتصال على الأرض ، فثمة خطورة للأشعة الكونية على المركبات الفضائية وتأثير على المناخ ، وكل هذا يحسب حسابه ، والمسألة برمتها تحتاج الى وضع كل مسألة بصورة دقيقة للاجابة بدقة عليها . وأحسب بأن الاقتراب من ظاهرة البقع الشمسية أو المجالات المغناطيسية في الشمس انما يحتاج الى سرد توضيحي يطول ، وكذلك شرح الرياح الشمسية المترتبة على الانفجارات المغناطيسية ، وما لها من تأثير على المجال المغناطيسي للأرض ، وأيضا على المناخ برمته ، فكل هذا يحتاج الى تناول مرتب ومفصل لا على عجالة كما أقول في سرد كهذا .
ويكفي هنا أن نشرح باختصار ما البقع الشمسية ( شكل 1)، والانفجارات المغناطيسية ( شكل 3 ، شكل 4 )، والمقذوفات من أكليل الشمس ( شكل 5 ) ، وأيضا تأثير الرياح الشمسية على المجال المغناطيسي للأرض ، وما يتصل بذلك من ظاهرة الشفق القطبي ، وغير ذلك من أحزمة فان ألن ، فلعل في ذلك ما يساعد على فهم كلمة عواصف شمسية وتأثيرها على المناخ .

ومن المفيد لفت الانتباه الى أن البقع الشمسية ( شكل 1 ) ، انما هي مناطق من سطح الشمس تظهر فيها مجالات مغناطيسية محلية عالية الشدة ، فبين بقعة وبقعة أخرى تليها ، خطوط المجال المغناطيسي ، تخرج مثلا من الشمس لتمر في بقعة لتعلو فوق سطح الشمس لتعود ، لتدخل من البقعة الأخرى ، فكلا البقعتين تشكلان معا ، مغناطيسا ، فبقعة تكون قطبا شماليا له والبقعة التالية قطبا جنوبيا .
في ( شكل 2 ) نرى مجالات مغناطيسية محلية فوق سطح الشمس ، خطوط المجال المغناطيسي تمر ما بين بقعة ( قطب شمالي ) وبقعة أخرى ( قطب جنوبي ) . بمرور الوقت تمتلء هذ المجالات بالالكترونات والبروتونات ، فكل بروتون أو الكترون يلف حول هذه الخطوط المغناطيسية ، فهو في قبضتها . وبالامكان تصور مجال مغناطيسي محلي ، ترتفع خطوطه المغناطيسية الى ما يقارب 50000 كيلومترا ، فاذا البقعة الشمسية باتساع نصف قطر الارض ، أو أقل أو أكثر ، ويكون مجال كهذا قد امتلاء بالجسيمات من مثل الالكترونات والبروتونات ، فان تماس مجالين محليين يترتب عليه تحرير طاقة مغناطيسية هائلة (انفجارات مغناطيسية ) ، فالجسيمات تتسارع تحت تأثير المجالات المغناطيسية ، وبسبب من التماس وما يلية ، تنفتح الخطوط المغناطيسية ، ما يترتب عليه اندفاع هذه الجسيمات الى خارج الشمس ، بسرع ( ما بين 400كم/ثانية وبين 1000كم/ثانية ) وهذا التدفق لهذه الجسيمات الى خارج الشمس هو ما ندعوه بالرياح الشمسية . ولا يصح أن نفهم بأن الجسيم المندفع الى خارج الشمس بأنه متحرر من قبضة المجال المغناطيسي ، بل هو في اندفاعة الى الخارج بعيدا عن سطح الشمس يلف بتسارع ما حول خط مغناطيسي ، وحيث أن كل شحنة كهربائية متحركة بتسارع ما ينشأ من حولها مجال مغناطيسي ، فان تلك الكتلة ( الرياح الشمسية ) المندفعة الى خارج الشمس انما هي أشبه ما تكون بكتلة ضخمة من مجال مغناطيسي متحرك بتسارع معين ، لهذا اذا ما هذه الرياح الشمسية اصطدمت بالأرض ( شكل 6 ) فان تأثيرها على المجال المغناطيسي سوف يكون من الأهمية بمكان ، ثم ان الجسيمات التي تتكون منها الرياح الشمسية في حين اصطدامها بالمجال المغناطسي للأرض سوف تعاني تأثير المجال المغناطيسي للأرض عليها ، فليس كل جسيم يمكنه أن يصل سطح الأرض ، فأما الجسيمات التي تستطيع أن تدخل أطراف الغلاف الهوائي العليا فانها تصطدم بذرات الهواء وتتسبب بتفاعلات نووية ، لربما نواتجها من جسيمات( من مثل الميئونات ، أشبة ما تكون بالالكترونات ، لكن كتلتها تقارب 200 مرة من مثل كتلة الألكترون ) تصل سطح الأرض ، وغالبا ما يترتب على تلك التفاعلات ، تفاعلات أخرى غيرها نووية ، يترتب عليها جميعا اشعاعات وجسيمات ، تأخذ دربها في اتجاه سطح الأرض وتبدو أشبه ما تكون بفيض من جسيمات وأشعة ، ما دعا الى توصيفها بأسم مطر من جسيمات متدفق في الهواء .
وليست آلية الانفجارات المغناطيسية وحدها التي تتسبب في اندفاع كتل من مادة الشمس الى خارج الشمس ، فندعوها رياحا شمسية ، أو أشعة كونية شمسية (آتية من الشمس ) ، وانما هناك أيضا آلية أخرى ليست مفهومة بالتمام ، ولكن تفسيرا مقبولا يعطى لسبب نشوئها ، وهي ظاهرة مقذوفات من مادة اكليل الشمس ( شكل 5 ) الى خارج الشمس ، فما يحصل هو أن مجالات مغناطيسية محلية ( شكل 2 ) ، تكون ممتدة في علوها الى داخل اكليل الشمس ، وتمتلىء بمرور الوقت بالبروتونات والالكترونات و...( وهي كلها معا تتسمى بالبلازما بل مادة الشمس كلها بلازما وهي كلمة ليست عربية تعطى كأسم لحالة المادة الرابعة أي لا غازية ولا صلبة ولا سائلة فهي بلازما ) ، فهي في حال كهذا تبدو كغيمة على علو شاهق فوق سطح الشمس ، وبسبب من موجات رعدية التي تنشأ لأسباب يمكن قولها ، فتؤدي الى اندفاع هذه الغيمة أو الكتلة من البلازما الى خارج الشمس ، ولقد تراوحت سرع هذه المقذوفات من اكليل الشمس ما بين 20كيلومترا في الثانية الى 2700كم/ث ( وفي المتوسط فالسرعة هي 489كم/ث ) ، والجسيمات التي تتشكل منها كتلة مقذوفة كهذه في غالبيتها العظمى من البروتونات ، ونسبة ما من الألكترونات وقليل من عناصر مثل الهيليوم والأكسجين والحديد ، وغيرها . ولنذكر مثلا مقذوفة كتلتها 10كيلوغراما ، وطاقتها 10جولا وسرعتها 2700كيلومترا في الثانية ، وبالنسبة للآلية الأخرى وهي الانفجارات المغناطيسية ، فلقد كان أكبر انفجار مغناطيسي تم تسجيله ، مصحوبا بدفع كتلة من مادة الشمس الى خارجها ، مقدارها 10 بليونا من الأطنان ، وكانت سرعة هذه الكتلة 1500كيلومترا في الثانية تقريبا .
وبفضل كافة الآليات التي تتسبب في قذف مواد من الشمس الى خارجها ، فان خسارة الشمس من كتلتها في غضون 150مليونا من السنين يماثل كتلة الأرض ، ولقد خسرت الشمس حتى الآن ما يعادل 0.01% من كتلتها ، وفي المتوسط يمكن القول بأنه كل ساعة تخسر الشمس ما بين 6 الى 7 بليونا من ألأطنان من كتلتها .


وباندفاع هذه الرياح الشمسية ، الى خارج الشمس فانها تكون أشبه بغيمة من مجالات مغناطيسية متحركة ، فاذا تصادف أن كانت الأرض في طريقها ، فانها تصطدم بالمجال المغناطيسي للأرض ( شكل 6 ) ، فالحال كما مجال مغناطيسي يضغط على مجال مغناطيسي آخر ، ولهذا تنضغط خطوط المجال المغناطيسي للأرض ، التي تكون في الجانب المقابل للشمس ، بينما استمرار الرياح الشمسية ( ألأشعة الكونية الآتية من الشمس ) ، في حركتها ..في تقدمها تؤدي الى امتداد المجال المغناطيسي للأرض على طول سيرها . وهذا هو حال المجال المغناطيسي للأرض تحت تأثير الرياح الشمسية . وهو بالاضافة الى ذلك يحافظ على الحياة في الأرض من تأثير الاشعة الكونية ( الرياح الشمسية ، وأيضا الجسيمات االمختلفة الآتية من أطراف المجرة ، من سوبرنوفا ، من نجم نيوتروني ، ... وغيرها الى الأرض ) ، فلولا أن للأرض مجال مغناطيسي لاستحالت الحياة البشرية بسبب من الأشعة الكونية التي كان يمكنها بتأثيرها على الخلايا الحية أن تنهي الحياة ، ولا يمكنها من الاستمرار ، وكذلك الغلاف الهوائي المحفوظ في الأرض بسبب جاذبية الأرض له دوره الفاعل في الحفاظ على الحياة ، اذ في غيبة الهواء كما الحال في القمر تستحيل حياة رائد فضائي من دون وقاية ( السترة التي يرتديها رائد الفضاء) من الأشعة الكونية الآتية من كل اتجاه وخاصة من الشمس .
كذلك الأشعة الكونية لها تأثيرها على الأجهزة الألكترونية ، فدوما السؤال عن مدى هذا التأثير وذلك من أجل وقاية المركبات الفضائية ورواد الفضاء ، وأيضا الطائرات وركابها . ومهما بلغت الوقاية فانها ، لا تلغي في الغالب كل تأثير ما لهذه الأشعة الكونية ، فكل رائد فضاء يتعرض لهذه الأشعة ويبتلع جسمه في خلال رحلته مقدارا معينا من هذه الأشعة ، فاذا تجاوز ما يبتلعه جسمه من طاقة حدا معينا ، فان تأثيره يكون سلبا على صحة رائد الفضاء .
وتتأتى دراسة الأشعة الكونية الآتية من الشمس ، ومن أطراف الكون بواسطة أجهزة خاصة لذلك ، توضع على أجسام أقمار صناعية ، وأيضا هناك الأجهزة التي تقيس مكونات هذه الأشعة من على سطح الأرض ، وهناك قمر سوهو الذي يرصد النشاط المغناطيسي للشمس ، وما يترتب على ذلك من بقع شمسية وانفجارات مغناطيسية ومقذوفات من مادة أكليل الشمس ، وأيضا أشعة اكس وغير ذلك .

وبواسطة عداد النيوترونات يمكن متابعة فيض الأشعة الكونية( مقدار الأشعة الكونية التي تصل المتر المربع الواحد في الثانية الواحدة ) التي تصل سطح الأرض وأجراء تقدير لها ، وأيضا تقديرها خارج الأرض ، وحساب مقدار تأثير الضغط الجوي على بلوغ هذه الأشعة سطح الأرض ، وسرعان ما يتضح بأنه كلما كان الضغط الجوي أكبر فكلما كان مقدار الأشعة الكونية التي تصل سطح الأرض أقل ، ويتبن أيضا بأن الأشعة الكونية الواصلة سطح الأرض تأخذ بالازدياد مع الابتعاد عن خط الاستواء والاقتراب من القطبين الشمالي أو الجنوبي ، فأقل مقدار للأشعة الكونية بمحاذاة خط الاستواء من جانبيه ، وأكبر مقدار لها عند القطبين الشمالي والجنوبي ، ويعود سبب ذلك الى دور المجال المغناطيسي ، فهو يقود الجسيمات المشحونة كهربائيا ويتسارع بها في اتجاه القطبين المغناطيسيين ، ما يتسبب في تصادمات بين هذه الجسيمات ( التي طاقتها ما بين ألف الكترون فولت الى مائة الف الكترون فولت ) وبين ذرات الهواء ، وذلك في طبقات عليا من الغلاف الهوائي ، على ارتفاع 80 كيلومترا تقريبا من سطح الأرض ، فتؤدي الى استثارة هذه الذرات وأيضا الى تأيينها ، ما يترتب عليه انبعاث أضواء بألوان شتى ، الأحمر، الأخضر ، و... ، وهذه الألوان دالة الذرات التي تتأيين أو تستثار ، فمثلا نجد بأن الألوان التي تنشأ نتيجة تصادم مع جزيئات وأيونات من النيتروجين ، انما هي على مستوى منخفض من اللون الأحمر ومستوى عال من اللونين ألأزرق والبنفسجي ، وفي الغالب فان التصادم مع الغازات المختلفة تترتب عليه ألون مختلفة ، وأما الأضواء التي تظهر فانها تتسمى بظاهرة الشفق القطبي ( شكل 8 )، الذي يمكن ملاحظته في المناطق القريبة من القطبين الشمالي والجنوبي .
كذلك فان المجال المغناطيسي للأرض يحتجز في داخله كميات كبيرة من الأشعة الكونية ( الكترونات ، بروتونات ، أيونات (ذرات ينقصها الكترون أو أكثر ) ) ، ( شكل 7 ) فهناك حزام في غالبيته العظمى الكترونات ( الحزام الخارجي ) ، وغيره حزام آخر في غالبيته بروتونات ( الحزام الداخلي )، وكل حزام منها يدعى باسم حزام ( فان ألن ) ، فأما الحزام الخارجي فهو فوق سطح الأرض على مسافة ممتدة ما بين ثلاث الى عشر مرات من مثل نصف قطر الأرض ، وطاقة الجسيمات في هذا الحزام تترواح ما بين 0.1 الى 10 مليون الكترون فولت ، وأعلى شدة يمكن تمييزها في هذا الحزام فانها على ارتفاع 4- 5 من مثل نصف قطر الأرض ، أما الحزام الداخلي فهو يشتمل على تركيز عال من البروتونات ، ذات طاقة تترواح ما بين عشرة الى مائة مليونا من الآلكترون فولت، وهو فوق سطح الأرض على مسافة ممتدة ما بين ما يعادل 700 كيلومترا الى 10000كيلومترا ( أي ما بين 0.1 الى 1.5 من مثل نصف قطر الأرض ) .


ملحق (1) :

ثمة اشكالية تعم العالم العربي في كل ما يتصل باللفظ في العربية المتطابق مع المعنى الذي يشير اليه ، وهذه في حقيقتها أزمة فهم للموضوع الذي يتناوله كاتب النص أكثر منها أزمة لغة ، فالمطلوب في كتابة النص العلمي أن يكون كاتبه محيط بالموضوع ، فهو يمتلكه من حيث الفهم أولا ، ومن هنا يصبح عليه أن لا يترجم اللفظ في الانكليزية بغير ما يعنيه في السرد الموضوعي ، فكذلك يجب أن يكون حال انتقاء اللفظ ، وكذلك اللفظ يؤدي وظيفته في الاشارة الى مقصوده .
ولكي أريح القارىء في الانتقال بين هذا النص الذي بين يديه وبين الانتقال الى نصوص في اللغة الانكليزية ، آثرت أن أورد له بعضا من ألفاظ وردت في النص ، وما يقابلها في اللغة الانكليزية : ( الأشعة الكونية ..cosmic rays ) ، ( الرياح الشمسية .. solar winds ) ، ( مجالات مغناطيسية محلية ..Local magnetic fields ) ، ( بقع شمسية ..sun spots ) ، ( انفجارات مغناطيسية .. flares ) ، ( اكليل الشمس ( أو هالة الشمس ) .. corona ) ، ( مقذوفات من مادة اكليل الشمس .. coronal sun ejection ) ، ( عاصفة شمسية .. ، ( sun storm ( شفق قطبي .. aurora ) .


ملحق (2) :

سوبرنوفا (supernova ) : نجم كتلته تقارب عشرة أضعاف كتلة الشمس أو تزيد ، يمر في كافة مراحل التطور ، الى أن ينهار على ذاته في انفجار هائل لربما لا يتبقى منه شيء الا ويتناثر في الفضاء من حوله ، أو يكون انهياره بحال يترتب عليه انفجار هائل تندفع فيه طبقات منه كبيرة الى الفضاء ، ليبقى من بعد ذلك منه ،نجم مكون في غالبيته العظمى من النيوترونات ، أي نجم نيوتروني (neutron star ) ، فاذا كانت كتلة هذا النجم كبيرة بما يكفى لغلبة الجاذبية ، فان هذه الجاذبية تسنمر في تقليصه ليصبح في نهاية المطاف ثقبأ أسود (black hole ) ، وأقل ما نقول به هنا ‘ن الثقب الأسود هو أن له من حوله أفق حوادث ، ومن هذا النطاق لا تتمكن أشعة أو ضوء من مغادرة هذا الأفق ، وذلك بسبب الجاذبية التي تثني أو تحني الأشعة في مسارها وتحول بينها وبين ذلك .
وتجدر الاشارة الى أن الأمواج الرعدية الناشئة في السوبرنوفا ، من جراء انهياره وانفجاره ، فانها تكسب جسيمات سرعا هائلة ، ولربما أن من هذه الجسيمات ما يأتي كأشعة كونية من أعماق الفضاء الى الأرض ، وكذلك فأن لنجم النيوترون مجال مغناطيسي كبير ، فلربما يكون له أيضا مساهمة في تسريع جسيمات يصل بعضها الى الأرض بسرع كبيرة جدا .


ملحق (3) :

( أ ) : موقع قمر سوهو لمتابعة البقع الشمسية على سطح الشمس :

http://sohowww.nascom.nasa.gov/sunspots/

( ب ) : موقع متابعة ( جامعة ولوو ) للاشعة الكونية :

http://cosmicrays.oulu.fi/

( ج ) : موقع متابعة ( جامعة موسكو ) للأشعة الكونية :

http://helios.izmiran.rssi.ru/COSRAY/main.htm

محمد يوسف جبارين 28-08-2009 02:04

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
ولنا في التعليم حياة

بقلم : محمد يوسف جبارين ( أبوسامح).. أم الفحم..فلسطين

ان استشراء الجهل يضمن خلخلة أكيدة للنسيج الاجتماعي وتفككا يستبقي بذور الضياع والفوضى والفساد ويرعاها وينميها ، فيمتنع بذلك النماء على كل صعيد .
فهذا الجهل له من السطوة والقوة ما يمكنه أن يجعل المجتمع محبوسا في دائرة الضعف والهوان والاستنقاع ، وهي دائرة تتجمد في نطاقها الامكانات المادية والبشرية ، وأيضا الطاقات الفكرية ، وتنهار المقدرة على توفير المقومات المادية للحياة .
والجهل ينشىء قلقا وجوديا واحساسا دائما بفقدان السيطرة على المصير ، وهكذا يضمن الجهل رسوب البنية الاجتماعية في قاع تتحول عنده في مدى الأيام ، الى مستنقع تستنقع فيه القوى الهابطة والفاسقة ، وأيضا الفاجرة ، فيتاح لها أن تنسج نسيجها ، وأن تمد شباكها ، وأن تحقق ذاتها ، كقنوات هضمية أو كمصاصات لآمال الناس وجهدهم .
وعلى ذلك انحياز الناس الى التعليم واصرارهم على لزوم الرعاية الحقة لهذا النطاق العظيم ، انما يكشف عن وعي عميق – لدى أهلنا – بمقدار ما للتعليم من أهمية في التمكين لهم وللأجيال الصاعدة من الاقتدار على صعود معارج الرقي الانساني .
فالتعليم هو النطاق الذي يكتشف خلاله الانسان انسانيته ومقدرته على الأخذ بأسباب التقدم وارساء قواعده ، اعلاء لشأن الانسان وحقه ، في أن يحيا حياة كريمة عزيزة .
والتعليم هو مفتاح هذه الحياة العزيزة ، وبه تعلقت مفاتيح بوابات الخلاص من براثن التخلف بكل ألوانه وأشكاله ، فمن دون المقدرة الفكرية والعلمية ، لا يمكن للجماعة البشرية أن تفيد من امكاناتها المادية والبشرية ، ولا يغدو في مقدورها أن تجعل من حركة التطور الاجتماعي متسارعة الخطى وثابة ، لا تكل ولا تمل ، تغالب الصعاب وتقهرها ، وتتقدم صوب غاياتها ، وتنهض من جديد ، واثقة بخطها ، فوارة العافية والطاقة ، وتندفع ناحية غاياتها المتجدده .
ونفهم من سير التاريخ ، والقفزات النوعية التي حققتها الأمم خلال تطورها الاجتماعي ، أن الجماعة الانسانية التي جعلت التعليم ركنا أصيلا لنهضتها من كبواتها المتلاحقة ، قد أنجزت النهوض ، وتسارعت بقواها الذاتية عجلات تقدمها ، وقد كان العلم لديها نتاج ثروتها العقلية الموظفة في ترقية حياتها ، وحفظ أمنها ، وتوفير أمانها ، فبعد أن استوعبت علوم عصرها ، دمجتها في واقعها الاجتماعي ، وذلك في خلال عملية التعليم وأولت الثروة العقلية والذكاء الخارق والمتميز أولوية ورعاية متميزة ، ووضعته في اتجاه غايات محددة ومستطاعة ، أو ممكنة الاستطاعة ، وبحرصها على دوائر البحث العلمي ، وتوسيع نطاقها ، كفلت لثروتها العقلية النماء والابداع والتجديد والتجدد .ومن حيث أنها لم تعزل نفسها عن الدنيا ، ولم تترك لثروتها العقلية والعلمية أن تنزوي وتتشرنق في دائرة حدودها ، بل تركتها مع حرصها على أمن الجماعة وأمانها تتفاعل وتتلاقح مع الثروة العقلية في العالم من حولها ، وأمكنت لنفسها الفاعلية الذاتية ، وديمومية التوسع الذاتي لدائرة امكاناتها ، وممكناتها وامكانياتها ، وهرأت الصعب ، وحققت ما كان يوسم في زمن سابق بأنه مستحيل .
فأصوب الصواب أن يقال ، بأنه ما من أمة جعلت التعليم ركن نهضتها الا وسادت . فانه الركن الضمان المتوقد حياة ، والمتدفق طاقة فكرية وعلمية ، تكفل للأمة توفير احتياجاتها المادية ، وتوفير أسباب المنعة ، فتحيا كريمة ، ولها سطوة وشوكة . وما من جماعة من الناس سلت العلم ودوائره ، الا وأغرقت حياتها ومعاشها ، في ضعف يعتصرها ، فيجعلها منكوبة في حياتها ، متوارية وراء حواجز الظلام ، مهزوزة الثقة بنفسها ، محبوسة الأنفاس ، محدودة من حيث مقدرتها على حل مشكلاتها اليومية ، ولا وزن لها في مواجهة قضاياها الاساسية ، وفي مقدمتها قضايا الأمن ، والكفاية والعدل والرخاء ، تغدو مستصلحة في غير صالحها ، مستزرعة بجراثيم تحسب عليها همساتها وهمهماتها ، وايماءاتها وأنفاسها ، وتضمن لها دوام قيودها ، فتبقى مستباحة طاقاتها المادية والبشرية ، ينتفع بها غيرها ، وما يستبقي لها منها ، سوى فتاتا ، تسد به رمق عيشها ، ولا تتجاوز ، وذلك لتداوم هي بنفسها ، وباختيارها على اتاحة استلابها ، وامتصاص ماء الحياة منها ، وليصب هذا الماء ، في جوف ، وفي عروق صاحب المصلحة ، في هذا السلب ، وهذا المص ، وهو من بشهوته وارادته تتوالد تحولية تحيل حياتها الى صورة أخرى من حياة العبيد . وقد تحال الى ذلك الحال ، بأسلوب التحريك للعلل والعوامل والحوافز ، فتتحرك ذاتيا ، وما تدري أن قوة تجتذبها ، وتسيرها وتملي لها ، وان منعة هذه القوة المحركة قد تمكن بفن الكيد الذي يمتاز به من يتربع في داخلها ويديرها ، بأن يسوسها السياسة التي يشاء ، في اتجاه غايات السلب وانهب التي يشاء . ولعل هذا الاسلوب الذي تعتمده الشركات الضخمة المستغلة طليعة الاستعباد ، أو الامبريالية العالمية على وجه الخصوص ، قد صيغ بمهارة ، ويمارس في احالة أمة أو شعب من الشعوب ، أو جماعة من البشر غارقة في حياتها البلهاء والعمياء ، الى جماعة من العبيد ، الذين يجيدون العمل في أسواق العمل الرخيص ، ويقبلون بما حازوه من مال ، على السلع الاستهلاكية ، التي لا تضيف في حل جزء من مشكلة واحدة من مشكلات التنمية المستعصية .
ولما للتعليم من دور مركزي ، في تجديد حياة الناس ، نجد الجماعة التي تريد أن تتجدد ، بملاحقة التقدم ، بل في تحقيق سبق حضاري على من سبقوها الى المستقبل . نجدها وقد اهتمت بالتعليم ، وتضاعف اهتمامها به ، في مجرى الزمان وتجعله اداة تجددها ، وذلك لادراكها ، بأنها به تستطيع ان تبعث من جديد ، وهي أقوى وأصلب ، وأقدر على تنفيذ الحلول لمشكلاتها ، وعلى الأخص منها المعيشية والأمنية .
صحيح أن التعليم هو الصهريج العظيم الذي تنصهر فيه الجماعة من الناس ، فتتزود بانصهارها فيه بقدرات حقيقية تتيح لها أن تصبح أكثر قدرة على تحقيق آمالها .
ولقد اقترن الاهتمام بالتعليم ، وكذلك الاهمال له بصورة الحياة وماهيتها المترتبة على هذا أو ذاك ، وكانت الصورة قبيحة حيث كان الاهمال يأخذ مجراه ، وكان القبح بذاته الدليل على بشاعة الاهمال ، وبؤس مقولاته وخبث توجهاته . وما اختلف الاهمال التلقائي المنحدر من استدامة الجهل ، عن فظاعة اهمال قسري ينبيء بدهاء ومكر فظيعين ، وذلك لطي التعليم ، ومحوه في شعب يراد سلبه كرامته وعزته ، بنية السيطرة عليه ، لانتزاعه من ترابه ، ولانتزاع ترابه منه ، ولعلها حركة الحوادث في ساحاتنا ، ووقائع أحداث التاريخ القريب والبعيد ، فصيحة الدلالة في هذا الجانب ، وتنطق بملء الفم ، بأن سياسات التجهيل ، قد خدمت أهداف السيطرة ، وأن أنامل هذه السياسات وأنيابها امتدت الى التفنن في خلخلة صروح العلم والثقافة ، بعدم توفير أسباب رقيها وازدهارها ، أو بعرقلة نموها باغراقها بالصعوبات التي تحد من تقدمها ، أو تؤدي الى تصدعها وانهيارها .
وليس الى هنا توقف السياسات ، فالتارخ يجيد الافصاح عن مواجهات سافرة للتعليم ، بلغت حد اغراقه بالموت ، وذلك قد تم تنفيذه وفق خطة موضوعية بعناية ، ولها نفس طويل ، وتم تنفيذها برتابة ، ومن مرحلة الى أخرى ، حتى جاء وقت اذا اراد الفرد من الناس أن يقرأ سطرا مسطورا ...عليه ، أن يجوب منطقة جغرافية بحالها ، ليجد بعد لأي وصعوبة فردا من الناس يقرأ له السطر أو يكاد . وتلك كانت أمية ألغت من الناس كل امكانية حل مشكلات لم يعرفها أحد . وما درى أحد ما يجري في عالمه ، فالعالم يتحرك من حوله ، ومصائد الكيد تنصب له حيث مصيره ووجوده ، ومشاغله شيء آخر ، حتى فوجىء فسقط هو وواقعه الاجتماعي . وكان السقوط فظيعا ، وما أن تنسم جيل من بعده روائح العلم والثقافة ، وباتت أبخرة الجهل ممجوجة حتى وعى هذا الجيل عصره وفهم العالم من حوله واذا به مكلفا تاريخيا أن ينقل الجبال من مواضعها .

لولوكاتي 28-08-2009 06:29

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
ان شاء الله

شكسبيره 28-08-2009 06:56

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
فكره جيده تحفز للابداع

زولديك 01-09-2009 22:15

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ......بإذن الله يا اخ king و اتشرف ان اكون عضوا فقط وليس متميزا لني كوني عضوا في منتدى الفيزيائيين العرب يكفي......... بإذن الله اكون العضو المتميز ......لكن هل له شروط ام ماذا و ما هي و جزيتم كل خير

زولديك 01-09-2009 22:17

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
جزاك الله خير

cezer 1st 04-09-2009 15:57

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
افكار تشيعية ررررررررررررررررررررررروعة!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!

cezer 1st 04-09-2009 16:01

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
آسف تشجيعية!!!!!!!!!!!

جنة التائبين 05-09-2009 13:37

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
ان شاء الله .. ليش لأ !؟

محمد92 06-09-2009 06:23

رد: يا محمد92،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالتوفيق للجميع
الف شكر:s_thumbup:

كويتي ولي الشرف 08-09-2009 00:39

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا على هذا المنتدى الرائع وجعله في ميزان حسناتك ونفعنا وإياك فيما تعلمنا

هاجر مهدي 08-09-2009 11:27

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
جزاك الله الجنه يا كنج علي هذه الفكرة الرائعة

ذالنون محمد 08-09-2009 14:16

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
نعم
وشكرا يا اخت هاجر

فوتو الكترون 08-09-2009 22:31

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
ارجو الاستفسار من ذالنون محمد لجملة يا فوتو الكترون هل تريد ان تكون عضو مميز مع انى ليس لدي اي مشاركات

AL_HAWAWI 15-09-2009 15:52

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله بارك الله في جهودكم وسنسعى بإذن الله نحو التميز موفقين بإذن الله ... لكم مني أجمل تحية .

aymanfoxx 15-09-2009 21:38

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
شكرا علي الدعوة
ولكن ما هي الشروط

هناء جدوع 16-09-2009 00:27

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
مشكور على الدعوةافضل ان اكون عضو

ابو امير الورد 16-09-2009 00:43

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
مشكورين كتير كتير كتير
والله الموفق
وطبعا انا بعتزر من كل الموجودين لغيابي الطويل وعدم مشاركتي
وان شاء الله ستجدون الكثير و الكثير بعد ان التحقت بكلية العلوم قسم الفيزياء
وشكرا مرة تانية على الدعوة

I am here 16-09-2009 20:53

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
شكرا لك أخوي وإن شاء الله تكون من نصيب من يستحقهاوأسأل الله أن أكون منهم

احمدشلبى 16-09-2009 21:29

رد: يا احمدشلبى،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته :s_thumbup:
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lwra (المشاركة 301431)
متاخره من جد
بس التحفيز حلووووووووووو فكره رائعه


nizam70 17-09-2009 08:51

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
ليش لاء

محمد عوض يسلم 20-09-2009 00:28

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بارك الله فيك ووفق الله الجميع لمايحبه ويرضاه

محمد يوسف جبارين 22-09-2009 23:03

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
محمود درويش .. لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي

بقلم : محمد يوسف جبارين ( أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين

" من أنا لأقول لكم ما أقول لكم ؟ ... وأنا لم أكن حجرا صقلته المياه .. فأصبح وجها .. ولا قصبا ثقبته الرياح فأصبح نايا ... أنا لاعب النرد ، أربح وأخسر حينا .. أنا مثلكم .. أو أقل قليلا ... " ، هو صوته الذي يملأ فضاء المكان ، تماما كما كان حاضرا دوما في فضاء وعي المكان ، الصمت الذي كله آذان يقظى ، ذواقة تتلهف بكل ما بها من رهافة الحس ، على نبرات صوته ، على كلماته ، على قصيدته ، على ابداعاته ، ليكون هو الحاضر في الآذان وفي العقول وفي القلوب ، فهو لسان هوية المكان ، وقد اختارته واختارها ، أن يكون لسانها ، وأن تكون بما هي هويته ، فاستحال هو الى هي مجسدة فيه هو ، في شعره ، فهي قصيدته ، وهو قصيدتها ، فقصيدته هي في هو في هي ، فهي هي ، فما هو ، هو هي . فلا الآه الوطن ، الحرية ، القصيدة وطن الحرية .. حرية الوطن .. وكان الكلمة .. الوطن يحدث عن نفسه ، الحرية تتحدث عن نفسها .. القصيدة انسان الوطن والحرية في الزمان والمكان ، أنت هنا ، من هنا ، الى هنا ، لتبقى القصيدة هنا الى هنا ، فهي هنا ، ولا يمكنها أن تكون غير هنا والى هنا ، وكل الذين كانوا هنا على شارع ، من شوارع الحياة في الوطن ، حيث كنت أنا ، في مقهى القصيد ، فهنا أمل يساوره قلق ، وقلق تساوره حرية ، وحرية يموج بها قلق ، وشروق على شفاه نهار ، ونهار يسأل عن شروق ، وميناء على أكف حلم ، وحلم يتورد به فكر ، وعودة تحدق في مفتاح قديم ، ومفتاح قديم يلح على عودة ، وبيارة برتقال بين دفات عقل ، وعقل يتماثل نسائم البحر ، وبر يئن من دبيب غريب ، ويجمجم كيف يفر الغريب ، وتاريخ يتفرس في بر فيغتم وبما يرى يضيق ، وهواء يسائل طفلا وادعا أن يراه بين طياته يطير ، وورود في خيال باسمات تطل من داخل القصيدة ، وآخر مثلي على حافة الانتظار ، فترى اليهم ، وصوته يتنزل عليهم ، فكأنهم يغتسلون به ، ويستولدون ذواتهم من جديد ، ترى ذلك في امارات وجوههم ، في تعابيرها ، في حركات ايديهم ، فحالهم مع كلماته ، كما المطر يتخلل التراب في عز الشتاء ، فكأنهم مبللين بمطر من كلماته ، بينا أنا أتماثله ، فكأنه أمامي . حين كان في مكان قريب من هنا ، يلقي قصيدته ، فآنذاك ، طرقني حس ، بأنه يودع فينا وديعته ، يوحي لنا بأنه أوشك أن يتم رسالته ، وبأنه يترك فينا قصيدته ، أتملى من هيئته وجملته ، وأنا ذاهل على حافة دمعة ، يتململ في داخلي أسى وبطيئا يتنامى ، ويستولد معه موجات ، من رفض يتهيأ ليعلن ، لا .. بل أنت باق ، وأمنية ودعاء جرفاني ، الى شواطىء هواجس ومخاوف ، ألجأته الى أن يقول لنا ما يقول ، فكأني بصرخة تدوي في أعماقي : لا .. لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي ، سالت دمعتي على خدي ، وما دعتني الى اعترض سيرها بمنديل يمتصها ، تقاطرت دموعي ، وما أدري لماذا كتابه " ذاكرة النسيان " ، قد تواترت صفحاته في ذهني ، فكأني وأصداء حصار بيروت تفور بي ، وفنجان القهوة ، أمامي ، أردد كلامه : " سأشرب القهوة الآن . سأمتلىء برائحة القهوة الآن ، لأتميز عن خروف ، على الأقل ، لأعيش يوما آخر ، أو محاطا برائحة القهوة . .. فتلك ارادتي : سأذيع رائحة القهوة ، لأمتلك فجري " ، وا متدت عيناي الى القهوة ، أتأملها بينا صوته " من أنا لأخيب ظن العدم ؟ ، من أنا ؟ من أنا ؟ " ، قد تعالى بنشيج صدري ، فوجدت نفسي أجهش في بكاء ، فكأني أنوب عن هويتي في بكائه ، كانت ذاكرة الوطن ، هي التي تستعبر الحسرة والدموع .
وكان سؤاله " فمن أنا ..." ، يدوي في أعماقي ، وكأني أضمه بين رموش عيوني ، وأقول له : أنت الانسان ، وما كان للانسان في هذا الوجود ، الا أن يكون لاعب النرد ، فهو كذلك ، ولا يمكنه أن يكون غير ذلك ، فكونه انسان يقتضيه ..يحتم عليه أن يكون في صراع مع الأغيار ، فهو الصراع ، والزام ضرورة الانسان ، أن يكون الانسان هو الانسان ، وانسان الثورة أنت ، أن يصير بالثورة الى ما قامت له ، فهكذا أنت ، " فمن أنا..." ؟ هو أنت ، منذ أن كنت أنت ، أن تكون أنت هو أنت ، فهكذا كنت ، وفي حضرة الغياب ، كما اخترت أنت أن تكون أنت ، بقيت أنت هو أنت . فأنت محمود درويش ، الانسان الذي كان كما كان ، وما كان يمكنه، أن يكون ، الا كما كان . كنت أنت وما تريد ، وكانت الضرورة ، وكان الاحتمال ، فامكان ممكن ، ليس بالضرورة ، أن يجعل من الممكن هو عين ذاته الذي كان ذاك هو امكانه ، وانما يمكنه أن يكون الممكن في صيرورة ، دالة على بنيوية امكان أن يصير ، فظروف التشكل تتنافذ في الصيرورة ، فالانسان لاعب نرد ، يريد أن يصير الى ما يريد ، فامكانه أن يصير ، فأيان يرسو بامكان ، فليس بالضرورة على ممكن دل عليه امكانه ، فالاحتمال لا يعني الاستواء بكل مراد على ما يراد .. لاعب نرد .. هذا هو الانسان .. وهذا أنت ، انسان الثورة ، وما يريد ، ولا يمكنه الانسان ، بين فكره وظروفه أن يكون خارج الضرورة والاحتمال ، فلا مفر من الجدل بينه وبين الظروف ، ولا فكاك من صيرورة تصير ضمن الاحتمال ..لاعب نرد .. وليس ذاك اختيار ، وانما هي جملة الوجود .
وما تلبثت طويلا ، انفتلت ، وسارعت الى الهاتف ، أتساءل أمام أذنيها ، أين هي ، فجاءني صوتها : يا هلا ، أين أنت ، قلت : عند حافة الواجب ، في فصل دموع ، وطال بي الانتظار ، فكيف أنت ، كيف حالك ، قالت : بدءا هرأتني الامتحانات ، لكن الحاجزين ،على الطريق بيومين ، طبعا لن يخطر ببالك بأنها هدتني ، وانما أوقدتني فاستحلت شررا ، فكأني بعنفوان وطن يتطهر من قيوده ، قلت : قطعا لم يخطر على بالي استكانة وهج الحرية في مواجهة طارئين ، عابرين .. لن يمروا الى ما أرادوا اليه أن يمروا ، قالت : حتما هم عابرون في كلام عابر ، فتلك حتمية أكد عليها شاعر الهوية درويش ، قلت : عيوننا على موعد بأن تنهمر معا دمعا على قبره ، فمتى تمام الوعد ، قالت : أنا هنا بين جريحة ، وأخرى تعسرت ولادتها على الحاجز ، حيث التحدي في مواجهة قوة يتخفى خوفها وراء ساديتها ، وسوف أتدبر أمري ، وما هي الا ساعة أو ساعتين ، وأكون دامعة العين قارئة القصيد ، لكنك لم تقل لي كيف وصلت ، قلت : على حصان ، هم يلعبون لعبتهم ونحن نلعب لعبتنا ، ثمة أمور في التاريخ تفيد ، في حل مؤقت لاشكالية قائمة في واقع . قالت : قطعا تقول مزاحا ، قلت : كان ذلك هو الحل ، بأن أكون هنا ، قالت : لكن الحاجز بقي مكانه ، قلت : على الأقل أخرجته من التأثير على اختياراتي ، قالت : لكنه يؤثر علي غيرك ، يخلخل مجرى الحياة ، قلت : تفكيك القدرة الاستعمارية .. فكفكة الاستعمار ، هذه هي وظيفة الأحرار ، قالت : تريد أن تقول بأن الحاجز قضية جزئية من قضية كلية ، فلا يجوز أن نختزل القضية الكبرى بجزئية منها ، فطرد الاستعمار هو الفعل الكلي ، الذي ينصهر فيه الكل ، فكأن الكل في واحد ، في خدمة القضية الكلية ، لا أن نتشرذم فنضعف ، ولا أن نتقاصر ، فنعتبر ازالة حاجز عن طريق ، بأكثر من الظن بأنه لربما يعود غدا ، فالازالة من زال يزول زوالا ، فلا موجودية لزائل ، ولا وجود له بعد زوال . قلت : انه الاستعمار الحاجز بيننا ، وبين آمالنا في الحرية ، ومخالب الشر ليست دماغه ، والمهم أن نصنع له دماغا على مزاجنا ، فلا يكون بعد ذلك حاجزا ، فعودة اللاجئين أولا ، فهكذا ننشغل بمسألة كبرى ونحلها ، فتتتالى بعدها حلول الصغرى ، انما الانشغال بالقضايا الكبرى ، يفرخ حلولا للقضايا الصغرى . قالت : الآك ايتها الحرية المطاردة في هذا السجن الكبير .. أما مر في خاطرك ، وأنت على صهوة الحصان ، بأن حصان ، من حصن وصان ، وبأنهم أرادوه حصنا ، بلا صان ، فتركوا الحصان وحيدا . قلت : أنا صاحب الحصن ، وأنا من صان ويصون ، وأنا حصن الحصن ، فأنا حصن وصان ..حصان ، ولأني لست غيري ، فأتميز بأني الحصان ، فكيف ذاتي تترك ذاتي ، أليس هو القائل : "على هذه الأرض ما يستحق الحياة .. على هذه الأرض سيدة الأرض .. أم البدايات .. أم النهايات .. كانت تسمى فلسطين ..صارت تسمى فلسطين .. سيدتي أستحق لأنك سيدتي .. أستحق الحياة " . قالت : اني أستحق الحياة ، واني أتقلى على نيران ثلاثية الاحتلال والألم والفتنة .. كوابيس هذه الثلاثية لا تفارقني .. تقض علي مضجعي ، فهات الدواء ، وردد معي قوله : " فيا وطن الأنبياء تكامل .. ويا وطن الزارعين تكامل .. ويا وطن الشهداء تكامل .. ويا وطن الضائعين تكامل " . وأضافت على عجل قولها ، فحتى نلتقي أستودعك قصائده .

كانت الحركة في الشارع غير عادية ، الأقدام في هرولة ، وتكاد تعلن عن ميزة لها ، على السيارات التي تزحف بطيئا ، فكأنها الضفا ضع تزاحمت ، فكادت تلزم بعضها بعضا بسير أشبه بالوقوف ، كانت عيناي تدور في كل اتجاه ، فكل ما تراه يحدث عن نفسه ، بأنه مندرج في سياقات شاغل يجمع جملة الحركة ، في اتجاه تأهيل ، لظروف يتوفر في خلالها نجاح عمل ما ، وكان عقلي بين قراءة لما أرى ، وبين حيرة في استواء على الكيفية التي أنشغل بها ، في خلال وقت ، قضت ظروف شروق ، الا أن أنتظره ، حتى نلتقى فندمع دمع القصيد على قبر الحبيب .
واني لكذلك داناني طفل ، وأخرجني من اطلالتي على موج الفكر المتلاطم في رأسي ، بقوله : هل تشتري ديوانا لمحمود درويش ، فالتفت اليه ، فاذا به يحمل رزمة من ديوان " أثر الفراشة " ، وعرفت بأنه يبحث بها عن رزقه ، أعطيت الطفل المبلغ الذي أراد ، فباشرني بما ظنه دليله الى سحب اعتراف مني بذكائه ، قال : هذا الكتاب أصبح لك ، فهو أثر فراشة هي أنا ، فتراني ساعات من نهاري أطوف كما الفراشة ، بحثا عن أثر أتركه ، يتصل به ضماني معاشي ، وأنت سوف تقرأ الكتاب وتزداد حبا لمحمود درويش ، وهذا أثر فراشة آخر ، واذا عملت بما أبقى لنا ، غدوت ثائرا ، لا يبخل بحياته على وطنه وأبناء وطنه ، وهذا أثر لا قبله ولا بعده من أثر ، فهو الأثر الذي أراده الشاعر ، فهو فكر الحرية ، وأنا الفراشة التي تحمل كتابه الى العقول ، كما الورقة أحمل كلماته ، وأمتاز على الورق ، بأني فراشة تحمل أوراقه ، الى من كتب من أجلهم .
وأثنيت على الفتي بقولي له : أدهشتني ، ولم تقل لي الأسباب التي شكلت للشاعر اختياره هذا الاسم لديوانه ، فلم يحر جوابا ، قال : فأما هذا فتعرفه حين تفرغ من قراءة الديوان وفهمه ، ومن جانبي فأنا أحبه وأحب حبي له ، فهو وطني الذي ينشدني وأنشده .
لقد لاحظ الفتي بشاشة راحت تعلو محياي ، وهو يحدثني ، فأتبع كلامه قوله : يبدو بأني أفضت سرورا في نفسك ، فأول ما وقعت عيناي عليك ، كان حالك من حال أوضاعنا ، والآن أرى بعض راحة تلوح ، بين موج عاصف في وجهك .
وفجأة مر بجانبنا طاعن في السن يغني " فدائيون من حبق وحرية .. ومنذرون للجمرة .. على قرميد أغنية .. وشهوة شارع صاعد .. على أسطورة حرة ..هي الثورة .. هي الثورة .. " ، وما أبعد الصوت حتى قال الفتى : انها قصيدة محمود درويش ، فقلت : هات ما لديك منها ، فقال : " ... خنادقهم هواء البحر .. وظلهم يشق الصخر .. نشيدهم واحد : فاما النصر .. واما النصر .. ومنهم تولد الفكرة .. هي الثورة ..هي الثورة ... " ، وباشرت الفتي بسؤالي عن تعليمه وعن مدرسته ، فقال ، وقد خط الأسى حروفه في وجهه : أي تعليم وأي مدرسة ؟ !، قلت : ألا تحب محمود ، قال : بلى ، فقلت : الثورة تعني الحرية ، وتعني التعليم ، فجموحنا نحو الحرية ، يجب أن يتلازم مع مثله نحو العلم ، فثمة مدارس خاصة ، يمكنها أن تؤهل العقل وتضعه على عتبات الجامعة ، فقال وهو يتأوه : أمثالي كانوا أطفال الحجارة في الانتفاضة الأولى .. جنرالات الغضب ، وهذا أنا أمضيت ثلث عمري في غياهب السجن .. الاتهام التي به يمارس القمع علينا ، هي أننا نريد طردهم من أرضنا ، أنا قلت لهم وبندقية أحدهم تلامس رأسي ، فان لم نفعل ذلك فمن يفعله ، هل هناك من يتنازل عن وطنه لغريب ، هل تدري .. المعادلة صعبة ، لكنها هي لا غيرها ، نجعل من قوتهم عديمة الفائدة بازاء قوتنا ، فعندها سوف يتسولوننا ، لنسهل لهم دربهم الى الرحيل .
وكان الفتى يفرغ همومه ، بينا عيناه تذهب في كل اتجاه ، واذا بها تتوقف ناحية جماعة بيديها باقات من ورود ، وقد دلت عليها ملامحها بأنها من بلاد بعيدة ، فما هو الا أن صافحني ، فسألته أن أعرف اسمه ، فقال : ثائر من البروة ، فأبيت أن يذهب حتى أفهم ، فقال : هو شاعر ثورتنا ، وثورتنا على نفسها لن تدمع ، كنا في داخله أيان يذهب ، بنا ولنا كتب ، فنحن هو في الحياة نصوغها كما أحبها لنا وكتب ، وباعدته خطاه عني ، واقترب من تلك الجماعة ، وراح يبادلها الحديث ويتجه معها جهة ، بدا واضحا بأنها مؤدية الى قبر شاعرنا الكبير .
وانها لهنيهة حتى ناولتني فتاة منشورا ، ومضت في طريقها ، وما أن ضمت رموشي صفحته ، حتى تنبهت مشاعري ، لقد عرفت الآن ، بأن مهرجانا كبيرا سوف يقام ، وبأن الساحة الكبيرة المحاذية لقبره سوف يتم افتراشها بالورود ، وبطريقة فنية بحيت تسفر الكتابة بصفوف الورد ، عن لوحة فنية عملاقة تتجلى فيها صورته ، وقصيدة له ، وبأن قصائد له سوف تتم قراءتها في لغات مختلفة ، وسوف يلقيها محبوه الذين جاءوا من بقاع الأرض البعيدة .
انتشلتني الكلمات من الضيق الذي ما انفكت ظروفي ترعد به في أرجائي ، وجابني زهو حلو، فكأني بهالة فرح تضمني ، وكدت أقفز في مكاني فرحا بابداع يعانق ابداعا ، وأهتف : بخ .. بخ ، فحنيني الى وفاء الوفاء بوفاء للوفاء ، أفاء عبقا من ورد غمر أنفاسي ، فكأني الجمال تناثرت قيوده ، فلم أعد أنا ذلك الذي كنته قبل أن نثرت هالة من الصدق مع النفس حقيقتها ، أمام نفسي ، وهي لحظة فارقة في العمر ، واذا برجع صدى يتردد بين أقطاري ، متسائلا ، لماذا لا نكون دوما أنفسنا ، عند كل علاقة لنا بقضيتنا ، لماذا لا يكون الجمال الحرف والمعنى لصورتنا ، لماذا لا نحطم قيوده ، لماذا يختنق بنا جمالنا في خلال علاقة بعضنا ببعض ، وكدت أدري لماذا جابتني مرارة أرست غصة في حلقي ، فلا هالة من عبق ولا من فرح ، بقيت لي ، مرت في نفسي كشهاب أضاء لي لحظات وتلاشى ، وعدت الى حالي ، اتساءل والهم يكربني ، والغم يمضني ..كيف يغرب همي .. كيف يرفض غمي ، فلا يجوز لي أن أظل أكتوي بنار تمزقي وفقط ، أعتصر شكاة نفسي لنفسي هما يزيد في همي ، ومرارة تجري لي كالقطران في حلقي ، وانما يجب أن أبقى متنبه الحس ، فاهما يقظا بعقلية ، يتلفت بها قلقي في كل اتجاه ، بحثا عن حقائق ظروفي ، محيطا واعيا بتمزقي ، أكتشف متغيراته وأميزها ، وأستدل على ما يجمعها ، فعساني أكتشف معادلة ، أنفي بها نفيا نبش أظفاره في ذاتي فمزقني ، ولم يزل يداوم على النبش في لحمي ، ليتمم نفيه لي فلا أكون ، يجب أن أتداركه بنفيه من وجودي ، فالعقل لا بد وأن يطفىء شأفة الجنون ، فلقد قال البحر من على سفح جبل الكرمل : " الشعب الفلسطيني البطل الذي استعصى على أعدائه استئصاله ، سيعرف كيف يضع حدا لجنون أبنائه " ، وذلك يقينه ، وتلك بشارته التي تطل من أعماق وعي يتكامل لي ، بأن معادلة الفكفكة أو التفكيك للنفي المتربص بقضيتنا ، بهويتنا ، بمصيرنا ، انما هي على مرمى عقل ، فالتبديل في الظروف ، نتاج الجدل بيني وبين محيطي ، ولا بد من الاحاطة الدائمة بكل متغيرات المحيط ، في كل آن ، فهي ضرورة بحثي عن معادلتي التي بها ، استرد هيبتي ، ومكانتي ، وفاعليتي ، فخرجت من وقوفي بهرولة ناحية ، أعرف بالسؤال أن أجد مكاني والصحف كلها أمامي ، وشاشة حاسوب أطل من خلالها على كافة المواقع التي تحمل هموم القضية ، وأيضا تلك الأخرى الموظفة في حز السكين في لحم المصير ، فمعرفة ضدي ، بعض معرفتي ضروراتي ، في عملية اعادة هيكلتي لذاتي ، كي أكون ما توجبه ادارة دفة المصير ، وانتهيت الى مكان جلست فيه ، وكنت على عجلة من أمري ، فلهفة على قراءة حركة الحوادث تتسارع بي ، واللقاء في حضرة الغياب ، يتقارب بي ،
أنتقل من موقع الى آخر ، لا تستوقفني سوى أخبار جراحي وتمزقي ، فهكذا حال من لا وقت لديه ، فجراحه يأخذ منه كل وقته ، لا وقت لمشطور نصفين ، لغير خلاصه من انشطاره ، فأيان سعى شطر ترك وراءه شطره الثاني ، فهو شطره ، فلا يمكنه أن لا بدو شطرا ، فهو حبيس شطره الذي لا يوافقه و يرافقه ، فهو الهاجس الذي برغمه يلبسه ، ولو فر منه لا يتركه ولا يمكنه الا أن يكون معه ، فهو معه وليس معه ، وهو الى جانبه ولا يسانده ، نصفه الذي يعاند نصفه ، شطره الذي ينغص عليه عيشه ، وينكد عليه سيره ، فكل شطر بشطره يتعثر ، ولا شطر يحقق ذاته الا بما يصوغ لشطره فشله .

وما سقطت عيناي على خبر فحواه ايغال في الدم البرىء ، حتى تدافعت في ذهني صور جراحاتي ، فكأني بالفضاء من حولي يضج بفاجعتي ، بذكري أيام كان فيها انشطا ري ، وتراءى لي فكأنه أمامي وهو يقول :
" صحوت من الغيبوبة على علم بلون واحد يسحق علما بأربعة ألوان .. على أسرى بلباس عسكري يسوقون أسرى عراة ، فيا لنا من ضحايا في زي جلادين " .
كانت لي ذات فأصبحت نصفين ، فلس هنا وطين هناك ، ذات بلا ذات ، فكيف أجمع ذاتي ، كيف أكون أنا هو أنا وقد أصبحت غيري ، ممزق أنا ، وبعضي يأكل بعضي ، غزة استقلت بذبح في رقبة الحرية ، بتمزيق في وحدة وجودي ، كيف لي أن أفهم حرية تسفح دمي ، تشطرني نصفين ، لأصبح شتاتا ، وبدأت أتلمس ذاتي ، فثمة تصدع أرعد في أرجائي ، وجفاف جاب ريقي ، جابني حس فظيع، ساءلت نفسي تساؤله ، " هل أنا + أنا = اثنين ؟ قلت : أنت وأنت أقل من واحد !. لا أخجل من هويتي ، فهي ما زالت قيد التأليف ، ولكني أخجل من بعض ما جاء في مقدمة ابن خلدون ، أنت منذ الآن غيرك " .
كان القلق يموج بي ، والحيرة تفتق ذهني ، وما بين همي و غمي ، اسمع وجيب قلبي ، جرت كلماته على لساني ، فكأني في دهشتي من حال يرين على أنفاسي ، أستدعي مرارة أيام الفاجعة بقوله : " هل كان علينا أن نسقط من علو شاهق ، ونرى دمنا على أيدينا ، لندرك أننا لسنا ملائكة ، كما كنا نظن " .
وعي السقوط ، غير سقوط الوعي ، غير علو السقوط ، فساقط الى أعلى ، يقف بالمقلوب في أعلى فيرى الأسفل أعلى ، فلا بد من تبديل في علاقة عقله بوضعه ، لكي يدله بصره على ما لم يعيه ، في حاله المقلوب ، فانقلابه على انقلابه ، ضرورة وعي بوعي ساقط ، ليسقط الوعي الذي يبرر السقوط ، فلا بد من تأسيس منهج يتفكك به وعي تأهل به السقوط ، فانشقت به وحدة الذات ، ما يعني الكشف عن ثقافة أنتجت منهجا ، أي منطق تناول ، أفضى الى بعثرة دامية ، فاستحال اللامعقول الى معقول ، والمدنس الى مبرر ، والمقدس الى ممزق ، ثم فضح هذه الثقافة ، وذرايتها ، بثقافة تؤهل منطقا ، تتمنطق به وحدة الوجود ، بعد أن تكون ، قد استردت أنفاسها وتعافت ، وأراحتني من شقوق في ذاتي ، لم تزل تعصف بي ، وتنذر بديمومية تهافت لاوعي ، لا يزيد في غير استطالة في المسافة بيني وبين آمالي .. يجب أن أسبر أغوار تمزقي لكي أعرف كيف أمزقه ، فألاشيه ، فتمزقي ابتسامة على شفاه ضياعي ، فأو الظلام يمزقني ، أو شروق وحدتي وعناقي نهاري .
وما انتهيت من اعتصاري همومي ، حتى أخرجني من وحدتي ، تصفيق لا تخفى حرارته ، فانفتلت من مكاني فاذا كل من هم في المقهى ، يلتفتون الي ، ويجأرون بصدقي ، ويسألونني : كيف .. قل لنا كيف ؟! ، وأدركت عندها بأني كنت أكلم نفسي بصوت عال ، على غير انتباه مني ، بأن ثمة سلوكية أخلاقية تستوجب كل من يرتاد المكان ، بأن ينهج نهج الحرية ، فهي له ، ولغيره ، فلا أن يسلبها من أحد ، تحت أي سبب ، فكل اختزل لحرية الآخر مرفوض بقانون المكان ، لكن هذا ما كان مني ، ولم أعرف ماذا أقول ، غير أني استسحمت رواد المكان ، وطلبت أن يسامحوني ، فنهض أحدهم وقال : هذا مقهى الحرية .. ملتقى محمود درويش ، نلتقى هنا على حب شاعرنا ، وغالبا ما تأخذنا قضية الحرية ، الى الحوار ، فهي حريتنا التي نريدها .. ونتحاور ، فلا عليك ، فهات رأيك ، فكيف يتلاشى هذا الظلام الذي يقعد لنا بين عيوننا ، ويحفر كسكين في خاصرتنا . قلت : انه الحب .. من يحب الوطن يحب أهله . . الوطنية حب الوطن ، وحب أبناء الوطن ، فاذا انزرع الحب في النفوس ، وكان حقيقيا ، تكاملنا .. الحب شرط التكامل ، فنفس تكامل لها حب الوطن ، تملك كل مؤهلات التكامل ، مع أبناء الحرية .. أبناء الوطن ، فقال أحدهم : فكيف نستخلص نفوسا من أحقادها ، فحقدها حاجز يفتت ، ولا يجمع ، فقلت من فوري : أعطني حبا أعطيك وحدة .
ونهضت من مكاني ، وأنا أقول : أرجو أن تجدوا لي العذر ، فأنا على موعد مع دمعتي على قبر من تحبون ، ومشيت ، وأنا أحدث نفسي ، فما بالها لم تصلني بخبر منها ، فلعلها سبقتني اليه ، فهل أتصل بها أم أسبقها وأنتظرها ، فهي آتية ، وسألت ساعتي أن تنبئني بالوقت ، فاذا بقناعتي توسوس لي ، بأنها في انتظاري ، فالوقت جرى مجراه ، ولم أعره انتباها ، فهرولت ، وتراكضت أحيانا ، حتى أخبرتني عيناي بأنها ، لا بد هي ، أو تشبهها ، وما شارفت الرؤية وضوحا أراحني ، حتى تيقنت بأنها شروق ، تنظر طويلا صوب القدس ، ثم تحني قامتها ، على قبر محمود درويش ، وبين يديها باقة من الورود تضعها عليه ، ثم تتناول منديلا من ورق من جيب سترة ترتديها وتمسح دمعتها ، وما أن أصبحت بجانبها ، حتى رفعت رأسها ، فبدا لي بأن تساؤلا كبيرا تطفح به امارات وجهها ، ثم قالت والحسرة تكاد تشقها ، لماذا ؟! هل هذا ما ينقصنا ، أكثيرا علينا أن يظل بيننا ينشدنا العزيمة والأمل ، كان صوته دوما خلاصا لنا ، من دوامة اليأس والاحباط ، كانت كلماته تنتشلنا ، وتضعنا دوما على حافة الواجب وننهض . وما كادت تكمل كلامها ، حتى نشج صدرها ، وغلبتها دمعتها ، وأغرقها حزنها في بكاء ، فلم يمكنها الا أن تكون هي ، كما هي ، بكل نقاء الثورة في كيانها ، وما أمكني الا أن أكون نفسي ، فأرخيت لها ، تركتها لصدقها في حبها ، تفيض بما بها ، بلا كلمة مني ، بقيت صامتا ، بينا دمعتي تجري على خدي ، ومن دون أن أدري ، تنزل من حافة ذقني ، وتهبط على خدها ، فاذا هي تمتزج بدمعتها في مسيرة حب ، تجري على خدود الحب ، لتتندى من ذقن الحب ، بدموع الحب على الحبيب ، وانتبهت شروق لبوح الدموع ، وحنت رأسها الى أعلى ، ناحيتي ، بينا هي مكبة على قبره ، وتأملتني لحظة ، ثم باحت بقولها لي : ألا ترى الى الدموع كيف تجري موحدة في التعبير عن حبها ، أليست وحدة الدموع دليل حب راسخ في كوامن النفوس ، فحين تجد موكبا من دموع ، فاعرف بأن الحب يجرى مجراه ، ثم أدارت عينيها ناحية القبر ، وأسندت رأسها براحة يدها اليمنى ، بينا يدها اليسرى تربت على وجه القبر ، وما هي الا دقيقة أو تزيد من غيبة الكلام ، حتى راحت تقول : أواه .. أواه .. أيمكنك أن تشرح لي ، لماذا نحن بالذات دون غيرنا من الشعوب ،علينا أن نحزن .. دوما ، وذلك من أجل أن نكتشف بالحزن دربنا الى نجاتنا ، من هذا السيل الذي لا ينقطع من الأحزان ؟ ! ، لماذا أجبني ، أما كان يمكن أن يكون غير الذي كان ، وكائن ؟ ، أليست "نكون" التي تتبع "سوف" ، وتندرج على كل لسان ، انما تحتاج الى قدرة ؟ ، قلت : الجواب لدى محمود درويش فخذيه منه ، فماذا قال في مديح الظل العالي : "... سقط القناع ، لا أخوة لك يا أخي لا أصدقاء ، يا صديقي ، لا قلاع ..." ، " لولا هذه الدولة اللقيطة لم تكن بيروت ثكلى " ، ولك أنت الآن ، أن تستبدلي كلمة دولة بدول ، وكلمة بيروت بقطاع غزة ، بالضفة ، انه بعينه غدر الزمان كما قالت أمي ، فقالت شروق ، قد كان صوابا قوله ، " .. الاك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيان .. فاجعل كل متراس بلد .. لا أحد ، سقط القناع .. عربوا أطاعوا رومهم .. عرب وباعوا روحهم .. عرب وضاعوا .. سقط القناع ..." ، وأردفت تتساءل ، بوعي محيط بالسؤال وجوابه ، هل ثمة أدق من توصيفه لهرولة أعراب الى ما يفرغون به ، من كل معنى لكرامة ، فلا يعرفون منها سوى قشرة كلامية ، لا معنى بها يعني ما هو ، يتخايلون بها وينتفخون ، فالمدنس في داخل قشرة من المقدس ، فكأن الذين تراهم ، ولا صلة لهم بحرية مقدس من قبضة مدنس ، فلا حصن للحرية سواك ، ولا حرية لقطرة ماء بلاك ، فأنت هو من عناك حين قال : " الاك ... لا أحد " ، فهل أوفى من صدقه ، في تعريفه ، لحقيقة حركة الحرية في الواقع ، وهل أدق وصفا لحال نحن فيه من قوله : " أنا يوسف يا أبي .. يا أبي ، اخوتي لا يحبونني ..لا يريدونني بينهم ، يا ابي .. يعتدون علي ، ويرمونني بالحصى والكلام .. يريدونني أن أموت لكي يمدحوني .. هم سمموا عنبي يا أبي .. وهم أوقعوني في الجب ، واتهموا الذئب .. والذئب أرحم من اخوتي .." ، كيف نفهم حرية تخرج من دبابة أميركية ، بغير هويتها ، وبما هي عليه ، من حرية ذبح في مصيرنا ، كيف نفهم مشنقة لسوار وسور لأمننا القومي ، وهل ضاقت صورتنا ببريقها ، فاستدعت ما شاهت به .. كيف غزاها تمزق ، بلون خلخلة ، وتفكك يشيع في وطننا العربي ، التائه عن كنوزه ، المفكك بحيرته ، ولماذا في شوارع وعينا ، انغلاق فكري ، ومراهقة فكرية ، يتوهان بالعقل ، عن منطق تناول ، تأسس بارادة فجر ، يحمل بين طياته بشائر النهار . كيف صار الذي ذبحوا له وطنه بين يديه ، باحثا عن حرية بذبح في رقبة أخيه . كيف صار المقهور ، يؤثث بالقهر، فرصة نمو وتطور ، لمن مارس ، ولم يزل يمارس عليه القهر ، ويحتجزه في قيود ، يحجب بها عنه البر والبحر والهواء ، كيف أضاعه القهر فوظفه في قهر حرية يحلم بها . وماذا عن هويتنا ، أما زالت هي بعينها ، فاذا هي هي فلماذا لا تشرق الشمس ؟ .
وأخذت منها الكلام وقلت : ينقصنا ما كان متوفرا لاخوتنا في الجزائر ، فحين اشعلوا ثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي ، فسرعان ما تجلت ، كثورة عربية ، ضد الاستعمار ، على أرض الجزائر ، فكانت مصر ملأى بمعسكرات التدريب للثوار العرب، يأتون من كل بلد عربي ، ويتدربون ، ويلتحقون بثوار الجزائر ، كانت مصر تموج بجمع كل دعم للثوار ، وكانت نار الثورة ، توقد ضد الاستعمار، في كل مكان ، وكان العدوان الثلاثي على مصر ، ليس فقط بسبب ، من تأميم لقناة السويس ، وانما بسبب دعم ثورة الجزائر .. كانت ثورة عربية تعلن عن نفسها من مصر ، وتنفجر في وجه الغزاة الأجانب في كل مكان ، مات جمال عبد الناصر ، وهو يجمع العرب في اخماد حرب ابادة ضدنا في الأرد ن .. كان أيلون الأسود ، ثم تل الزعتر ، ثم ... ثم حصار بيروت ، فمجزرة صبرا وشاتيلا ، ثم حصار الثورة الفلسطينية على كل صعيد ، واندلعت الانتفاضة .. تحدث الطفل والحجر بحق هذا الوطن في الحرية ، ثم الانتفاضة ، ثم حصار عرفات في المقاطعة ، ولا أحد ، ثم الحرب على قطاع غزة .. حرب على فلسطينين في الحصار ، فمنافذ غزة مسورة بالنار ، برا ، بحرا ، جوا.. محاطة بالأعداء ، بينما الاخوة يتباعدون بأنفسهم ، عن موجبات حريتنا ، وهم يتألمون ، ويتفرجون ، ويمدون أياديهم الى السماء ويرجون ، وكل خير لنا يتمنون ..مقيد أخوك بعقله ، فلا عقل له ، فيأت به .. كانت حرب تأديب .. حرب كسر ارادة وبعث يأس ، وخنق أمل .
وكانت شروق تنصت لي ، وكلها آذان ، بينما امارات وجهها ، وحركات أطرافها ، تنبيء بأن موجات غضب تجتاحها ، وتقبض على ناصية جوارحها، ولم تتركني أكمل ما رغبت في قوله ، باشرتني بقولها : بدءا ببطولاته على أرض فلسطين ، وصموده في الفالوجة ، الى آخر يوم في حياته ، كان بذاته ثورة عربية ، ضد الاستعمار ، وكانت قضيتنا قضيته ، كان واحدا منا ، ولو ساوم قيد أنملة ، لما حاربوه من الداخل والخارج ، كان بذاته الكرامة العربية تتحدث عن نفسها ، أما هؤلاء الذين أشرت اليهم ، فذاك مقيد بكرسية ، وهذا سجين اتفاقيته ، فقضيته لم تعد قضيته ، غادرها الى قضيته ، وترى اليه يزهو بتفرده ، كأنما ركن أعباء انتماء ، في زاوية النسيان ، فسحة نموه وتطوره .. اغتراب غريب ، لا غرابة فيه ، سوى أنه بعينه ، ما يريده الغريب ، فالزعتر نبات الحياة.. أنت زارعه ، وأنت أهله ، مطوق بالنار ، ولا حل سوى أن تفك أسره ، وتبره وتسعده ، فقضيتك هي قضيته .
ولك أن تناجي الدنيا ، وتقل ما تشاء ، فمثل الدمعة على شرفاء هذه الأمة ، ما سطر تاريخ الدمع في عيون الشرفاء ، أين حنظلة شاهد الوعي على هذا الذي يجري ، وما جرى مثله ، الا في زمن الرذيلة والتتار ، فمن زمن زنوبيا ، والصوت في فضاء الشرق يدوي ، ينادي أضف زماني ، فالغدر في فلسطين ، في العراق ، انما كان تسهيل الطريق أمام الغرباء .. حنظلة باق ، بقاء البحر في البحر ، بقاء الربيع في السنة ، بقاء الحياة تنادي على الشرف .. فيا تلابيب الظلام تلبدي واجتمعي ما شاء لك ، وعربدي ، فشوق الحياة الى شروق ، لا يعدله سوى مجيء حنظلة بالشمس من عند الأفق .. شروق الحرية ، لغة الحياة ، ابتسامة النور .. فيا ليل تراجع ، ويا شمس اشرقي ، ويا قصيدته اصدحي ، فلا زالت الأرض تنطق بلسانه : " أنا الأرض .. يا أيها الذاهبون الى حبة القمح في مهدها ..احرثوا جسدي ! ..أيها الذاهبون الى صخرة القدس .. مروا على جسدي .. أيها العابرون على جسدي .. لن تمروا .. أنا الأرض في جسد .. لن تمروا " .
كانت موجات الظلام التي تعربد في طول البلاد وعرضها ، قد تراءت لها ، فكأنها بين رموشها ، فعصفت بها ، فأطلت الأرض بهيبتها ، بارادة التحدي ، فاستسقت شروق منها توهجها ، فكأنها تتحدث باسمها ، باسم شعب هو صاحبها ، وهي الأرض التي ما أمكني ، الا أن أترك لها كياني وترا ، تضرب عليه بأناملها ، وتغني عذاباتها ، تأخذ مني فكري تطوف به في فيافيها ، في ضياعها ، في جوعها الى حبها ، الى أطيارها ، الى سنابل القمح ، الى دغدغت الحرية تفرج عنها غمها .
وما أن تناهت فورة الأرض في الوجدان ، الى ما أتاح للعقل أن يطل على الشفاه ، بما تيسر له ، حتى أفضت بقولي : بل ذبحوا في رقابنا ، ومروا على أجسادنا ، على سنابل قمحنا ، ولكن .. لن يمروا ، قد أحالوا أحوالنا شتاتا .. لاجئين ، نبحث بكل قطرة دم ، بكل أنفاس الوعي ، عن عودتنا ، ولكن الأرض أرضنا ، ومنها حتما يفروا . . كان حال الغرباء في الجزائر كما الحال هنا ، وهذا أنا ، أمام عينيك ، انظري الي ، حدقي بي ، فتشي في أفعالي في أقوالي ، في ملامحي ، في اللهب المتقد دوما في عيوني ، فماذا كان نتاج العذاب .. الزنزانة ، السجن ، القيود ، فلقد ازددت معرفة بذاتي ، وهذه كما ترين حريتي ، طلاقتي في جمع امكانياتي ، وصرفها في تحقيق آمالنا في شروق نهار الحرية على بلادي .
السجن مشروع حبس للارادة ، بهدف قهرها وتحطيمها ، لكنه بازاء الارادة الحرة ، فسرعان ما يتكلم في وعي الحر ، فيزيده اصرارا على حريته .. في السجون ما يزيد عن عشرة آلاف فلسطيني ، فلماذا هم مطوقون بالقيد .. لأنهم ارادة حرية ، استجابت لحقها في حياة الحرية ، فسعت ببذلها الى الفوز بحرية الحياة ، لتحيا حياة الحرية .
وكانت شروق تحدق بي وأنا أقول ما أقول ، واذا بها تسائل الوطن : قل لي يا وطني ، ماذا قلت له ، فقال قصيدته ، "رد فعل" ، وراحت تنشد ، وأنا أقول معها : " وطني !، يعلمني حديد سلاسلي .. عنف النسور ، ورقة المتفائل .. ما كنت أعرف أن تحت جلودنا .. ميلاد عاصفة ، وعرس جداول .. سدوا علي النور في زنزانة .. فتوهجت في القلب ، شمس مشاعل .. كتبوا على الجدران رقم بطاقتي .. فنما على الجدران ، مرج سنابل .. رسموا على الجدران صورة قاتلي .. فمحت ملامحها ظلال جدائل .. وحفرت بالأسنان رسمك داميا .. وكتبت أغنية العذاب الراحل .. أغمدت في لحم الظلام هزيمتي .. وغرزت في شعر الشموس أناملي ..والفاتحون على سطوح منازلي .. لم يفتحوا الا وعود زلازلي ! .. لن يبصروا الا توهج جبهتي .. لن يسمعوا الا صرير سلاسلي .. فاذا احترقت على صليب عبادتي .. أصبحت قديسا ، بزي مقاتل " .
كانت الألفاظ تجري على لساني ، فتقصف رعدا ، وتبرق برقا في أرجائي ، فكأني بحر زاخر بموج هادر ، وكأني بموج الظلام الذي يتراءى لي بين رموشي ، يستنهض بي وعيا بعذابي ، وبضرورة أن لا أصابر نفسي على عصف ، بل أن أجعل من صبري ، عزيمة تشق الظلام ، فليس معقولا أن يوضع شعبي في المقلاة ومن تحتها النار ، من أجل يتفيأ بظلال بيارته غريب على تاريخ الأرض ، وانه السخط وقد تملكني راح يسألني بسؤاله : " من أين جاؤوا ؟.. وكرم اللوز سيجه ..أهلي وأهلك ..بالأشواك والكبد .. ! " .
واذا بها تقول : يا أبا سامح ، .. ناموا.. صناع التاريخ والحضارات ناموا ، فتسلل الى بساتينهم من يتلقمون على فتات موائد الحضارات ، فمن لا تاريخ له يسرق تاريخا ، يسرق لغة ، يسرق أسماء ، يخترع دينا ، يقيمه على جملة مقالات ، لا يصح بحال أن توصف ، بأكثر من كونها أدبا دينيا مشبعا بالخيال والأساطير ، لكن فضيحته لا بد لاحقة به ، فلا مفر له من أن يشرب مرها ، فمخزون الأرض سوف ينطق ..مكتبة الأرض سوف تفصح عن حقيقة تاريخها .. فعلم الآثار آت بكل دليل علمي ، على أن من لا تاريخ له ويزعمه ، فهو من ليس له ما يدعيه . وقد كان محمود لسان الحتمية التاريخية ، حين وصف هؤلاء ، بالعابرين بين الكلمات العابرة .
كانت شروق على قناعة تامة بأن الطارىء هو الطارىء ، والعابر هو العابر ، وبأن الكلمات لا يمكنها أن تكون بغير معانيها ، وبينا هي تسرد قناعاتها ، كان على بعد مترين منها رجلا ، تبدو عليه ملامح الوقار والعلم ، ولما يمضي على وصوله دقائق معدوات ، وبدا عليه بأنه يصيخ السمع بأذن تتعقل ما يردها من كلام ، وما نزلت أذناه من انصات ، لما تقوله شروق ، حتى اذا انتهت من جملتها ، أحنى هامته والتفت اليها ، فكأنه أب حنون ، يود أن يوقر في وعي ابنته أمرا ، وقال مستأذنا اياها : هل يمكني أن أقول لك شيئا ، قالت : تفضل ، قال : كلماتك قرت في أذني واستقرت في نفسي ، وهي صواب في صواب ، وتصب في صواب ، فجملتك الصواب نفسه ، قالت : أعرف هذا فالثورة صواب وأنا بنت الثورة ، ولا أقيم موقفي ، الا على صواب الفكرة وصواب الموقف ، فغير الصواب يؤثث لانفصالية بيني وبين ما أريد ، وبيني وبين ما تقوله لي قصيدته ، فالصواب صوابي .. صواب قصيدته وصواب ثورتي ، قال : انتظري فأنا ما أثني على قول لك ، بقصد الثناء ، فتظنينه قولا بصوابية صواب ، فلا حاجة لك ولا لي بذلك ، فالصواب هو الصواب ، وانما أردت أن أقول لك : بأني أولا ، باحث في تاريخ الأديان ، وعلم الآثار ، وأستطيع أن أقول لك ، بأن الأرض بالفعل ، بدأت تفصح عن اسرار تاريخها ، فالكشوف في النصف الثاني من القرن الماضي ، والى الآن ، تؤكد على صحة ما قلته أنت ، فكتاب هؤلاء يكذبه كل دليل علمي ، ويسقطه من كونه كتاب تاريخ ، فحقائق التاريخ متناقضة بالتمام مع ما جاء فيه ، واني أنصحك أن تقرائي كتب عالم عربي كبير في هذا المجال ، فكتبه علمية بحتة ، واسمه " فراس السواح " ، يكفي أن تكتبي اسمه على شبكة المعلومات لتجدي كتبه ، وخاصة منها " آرام دمشق واسرائيل في التاريخ والتاريخ التوراتي " ، وفي كتاب له " مغامرة العقل الأولي " تجدي في باب " التكوين الكنعاني " منه ، ما يبهرك ، تجدي في الثقافة الكنعانية ، الكتابة الأوغاريتية ( وهي شديدة القرب من العربية ) ، وعلى رأس قائمة الآلهة الأوغاريتية ، يقف الاله " ايل " كبير الآله ، ومن الآلهة المؤنثة الالهة " ايلات " نسبة الى " ايل" ، وهي زوجة " ايل "، ومن ألقابها سيدة البحر ، و تجدي الاله " يم " ، أي البحر الأول ، وأيضا الاله " يهوه " ، وما الى ذلك الكثير .. وكذلك اسم " أورشليم " ، وقد ورد لأول مرة في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، وذلك في نصوص فرعونية ، منقوشة على جرار فخارية ، وتدعى " بنصوص اللعنات " ، وبها تفصيل لأسماء البلاد وحكامها من المصنفين كأعداء الفرعون ، ومنها مثلا يقرب - آمو ، حاكم أورشليم وبطانته ، وغيره ، وغيره ، فلا علاقة للمارين بين الكلمات العابرة ، بالتسمية .. " أورشليم " ، بتاتا .
وأدركت شروق بأنه انما يلفت انتباهها ، ولا يرنو الى الدخول في التفاصيل ، فباشرته بالسؤال ، فماذا يكون شأن جماعات ، اذا ما أخذنا منها أسماءنا ، وأرضنا .. تبقى بلا أسماء وبلا أرض ، فأي مخلوقات هذه التي لم تعرف سوى السطو على ما ليس لها ، أمعقول هذا ، أن يكون تكوين بشري ، لم يفلح في ابداع أسماء له ، فشاعت في وجه الباحث ابتسامة ، فصافحنا ، ومضى لشأنه ، وانثنت شروق نحوي ، فوجهها في وجهي ، وهي تقول لي .. حتى أسمائهم ليست لهم .. أليس هذا يبعث على الشفقة ، هل رأيت أحدا يشفق على عدوه ، اني أكاد أحس بهذه الشفقة ، مع أن زعلا كبيرا يموج بي على أنفسنا ، اذ كيف صنعنا ضعفنا بأيدينا ، ليكون بعينه فرصتهم الى ما يريدون ، لماذا فعلنا هذا ، أمن أجل أن نحقق نصرا مبينا في المستقبل ؟! . .
وراحت شروق تحدث نفسها بصوت مسموع ، هل كان متسامحا محمود حين قال لهم : " احملوا أسماءكم وانصرفوا " ، هل أصابه ما أصابني الآن من شفقة ، أم تراه عنى أسماءهم ، فهناك الروسي ، والبولوني ، وجينات لا صلة لها بشرقنا ، ويزعمون بأنهم بني فلان ، وفلان لا صلة له بهم ، فأي تركيبة بشرية هذه ، لكن محمود أحاط بالزمان ، وامتلأ وعيا بما لنا ، وما ليس لهم ، وقال لهم : " ولنا الماضي هنا .. ولنا صوت الحياة الأول ..ولنا الحاضر ، والحاضر ، والمستقبل .. ولنا الدنيا هنا ... والآخرة ، فاخرجوا من أرضنا .. من برنا .. من بحرنا .. من قمحنا .. من ملحنا .. من جرحنا .. من كل شيء ، واخرجوا .. من مفردات الذاكرة .. ايها المارون بين الكلمات العابرة " ، فكأنه بسط بصيرته بين زمان غائر في القدم وزمان آت ، و تكلم باسم تاريخ ، لا مفر آت .
لقد استغرقني حديث الزمان وما كان ، وما هو آيل ليكون ، وكأني بتاريخ الأرض يمر موجات تلو موجات في ذاكرتي ، وما هي الا لحظة حتى أتبعت قولها قولي : اني أرى شرقنا يفيق من سباته ، يلملم جراحاته ، وحاله كمن به ارتباك ، وحيرة ، فليس هذا الذي يسود الشرق ، من ظروف ، هو وجه حقيقة انسان هذا الشرق ، ثمة تململ ، وخط فكر ، يطل من أعماق كل فرد ، بأن الذي لا مفر منه ، فلا مفر منه ، فلا بد من اعادة ترتيب الأوضاع من جديد ، على ما يجعل شروق الشرق ، شروق حضارة جديدة ، يتجدد بها هذا الشرق ، ويطل من جديد ، كمدرسة تتعلم بين يديها البشرية جمعاء ..اني أرى ذلك تماما كما كان يراه محمود ، فكم من تيارات من رياح عاتية هبت على شرقنا وعصفت باشجاره ، لكنه في كل مرة قام من سباته واغتسل من تخلفه ، وكتب على صفحة التاريخ ، حتما يكون ما قاله محمود ، فكأني بالوطن كان يحدثه ، وكأنه امتاز بحس مرهف أتاح له أن يصيخ السمع ، فيسمع ايقاع الوطن ويفهم عنه مقولاته .
وكانت شروق تفتش في ديوانه له ، بينا عيناي لا تفارقها ، وأنا أقول لها ما أقول ، واذا بها تشير بيدها ، الى أنها وجدت ما تبحث عنه ، ثم ترنو الي وتقول : ها هو في ديوانه " لا تعتذر عما فعلت " يقول : " يختارني الايقاع ، يشرق بي .. أنا رجع الكمان ، ولست عازفه .. أنا في حضرة الذكرى .. صدى الأشياء تنطق بي .. فأنطق ... كلما أصغيت للحجر استمعت الى .. هديل يمامة بيضاء .. تشهق بي : أخي ! ، أنا أختك الصغرى ، فاذرف باسمها دمع الكلام ... فيكمل الايقاع دورته .. ويشرق بي " .
وما أكملت كلامها ، حتى التفتت حواليها ، فانتبهت الى أن حقيبتها ، في الجانب الآخر من قبره ، فقامت اليها ، وهي تسألني عن رغبة في شرب فنجان قهوة ، وأجبتها من فوري ، كان محمود قال في " ذاكرة النسيان " ، القهوة مكان ... ، قالت : لقد أفضت القهوة له بسرها ، حدثته بحقيقتها ، بجوهرها ، ككينونة في وعي ثائر . وعادت واقتعدت الأرض قبالة قبرة ، وصبت لي القهوة في فنجان ، ولها مثله ، وناولتني فنجاني وقالت : هات ما تذكره ، من قوله في القهوة ، وقلت لها : انما أتذكر الآن قوله : " رائحة القهوة عودة واعادة الى الشىء الأول ، لأنها تتحدر من سلالة المكان الأول ، هي رحلة بدأت من آلاف السنين ومازالت تعود . القهوة مكان . القهوة مسام تسرب الداخل الى الخارج ، وانفصال يوحد ما لا يتوحد ، الا فيها هي رائحة القهوة . هي ضد الفطام . ثدي يرضع الرجال بعيدا . صباح مولود من مذاق مر ، حليب الرجولة . والقهوة جغرافيا .. " ، ثم قلت وارتشافي قهوتي يتخلل كلماتي : آه لو تدرين ، كم أنا مشتاق ، الى رائحة القهوة ، تعبق في أنفاس مقهى عربي ، أو سوق عربي في " البروة " ، وبدت لي آهاتي ، على أكف رائحة قهوتي ، تتساءل أمامي ، فكيف كبرياء القهوة ، تقوم بي قيامة ، أتخلص بها ، من عجز في قدرتي ، أرساه لي زمان مضى في زماني ، لماذا رائحة القهوة لم تقل لأجدادي ما تقوله لي الآن ؟ . أتراها كبرياء القهوة التي تقول لي ، أم هي قهوة الكبرياء ، فما الكبرياء سوى رائحة القهوة ، تعبق في الأنفاس ، في كل مكان من الأرض ، من البحر حتى النهر ، وتلك قهوة الكبرياء ، فالقهوة مكان ، عودة مفتاح قديم الى مكان غادره من زمان .
ومددت بصري ناحية شروق ، فما كان منها ، الا أن تساءلت بعنوان قصيدة له ، يحاور فيها لاجىء ابنه ، أيام النكبة ، قالت : " كم مرة ينتهي أمرنا " ، واستدركت ، هذا شرق ممتد في اللانهاية ، وسجل الغرباء فيه له نهاية ، في كل مرة يحسبون موتنا يطوينا ، كطي السجل للكتب ، فلا قراءة بعد ذلك في الكتاب . لكنا دوما نتجدد بموتنا ، فكل حز في رقبة فرع ، يزيد الفروع الأخرى اصرارا ، على ميلاد آخر ، و ريعانا أشد تسارعا في النماء .. فالأرض تنادي ، وليس للنماء ، الا أن يكون محكوما بدعوتها ، ويا ما أخلص الاستجابة ، ويا ما أعظم النداء .
ووجدتني استكمل معنى ذهبت اليه شروق ، بقولي : لا أزال أتذكر ذلك التحقيق الذي أجروه معي ، وكنت فيه لسان القضية ، سألت المحقق : هل كان يمكنكم ، أن تقوموا بما قمتم به ، لو كنا نحن بحالنا الذي نحن عليه الآن ، وكانت اجابته صريحة ، اذ قال : لا ، فقلت له : كان خالي أحمد ( ابوأكرم ) ، مع جماعة ابو درة ، لا يملك سوى بندقيته ، لا سيارة ولا طائرة ، كان فلاحا ، فوجىء بما حل بوطنه ، أميا ، ولم يتخرج من مدرسة عسكرية ، ولا من حرب عالمية أولى وثانية ، وكان أبي حدثني ، بأنه من أجل أن يشتري بندقية ، وصل الى أطراف غزة ، وقلت : بأن سعد الدين الشاذلي ، قائد أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر ، قال دخلنا حرب عام 48 ، ولم نكن تدربنا ، على استعمال القنبلة اليدوية ، فكل ما عرفناه عنها رسما لها بالطبشورة على اللوح .
وما انتهيت من كلامي ، وانما هي ، وبيدها ديوان " لماذا تركت الحصان وحيدا " ، آثرت أن تنبهني الى قول له جليل المعنى ، في السياق الذي نمضي فيه ، قالت : دعني أقرأ لك كلمات له ، فتعرف كيف الشاعر البديع ، يختصر بكلمات بسيطة مرحلة بحالها ، فالأب والابن وجدا نفسيهما لاجئين ، وكان هذا هو موقف شعب يتحدثان به : " ... هل تكلمني يا أبي ؟ .. عقدوا هدنة في جزيرة رودوس ، يا ابني ! .. وما شأننا نحن ، ما شأننا يا أبي ؟ .. وانتهى الأمر ...كم مرة ينتهي أمرنا ؟ ..انتهى الأمر . قاموا بواجبهم ! .. حاربوا ببنادق مكسورة طائرات العدو ... وبعنا خواتم زوجاتنا ليصيدوا العصافير يا ولدي ! .. هل سنبقى اذا ، هنا يا أبي ... هل كنت تحلم في يقظتي يا أبي ؟ .. قم سنرجع يا ولدي ! " .
ووجدتني اردد " حاربوا ببنادق مكسورة طائرات العدو " ، " قم سنرجع يا ولدي " ، هذا ما قاله لي ابي يا شروق ، فلا نحن هزمنا ولا هم انتصروا ، وقال : لاشوا العلم يا بني ، فكانت النكبة ، بالعلم يعود التاريخ سيرته الأولى ، وتغدو النكبة ذكرى ، ودليلا على ضرورة التزام العلم ، وتحقيق السبق الحضاري على كل البشرية .. بالعلم نتفوق .. وبالعلم نعيد أرضنا ، وبالعلم نحرس أمننا ، فلا غير الأرض والعلم يا ولدي .
وحنت شروق رأسها نحوي وهي تقول : وهذا الأب العقل الذي لم يجد ، في محيطه كله مدرسة ، ليتعلم القراءة والكتابة فيها .. أشاعوا الأمية ليسيطروا ، ويقال كانت خلافة عثمانية ويتبعونها ظلما للاسلام ، بكلمة اسلامية ، أليست ظروف ضياع أرضنا ، وذبحنا ، نتاج سياساتهم ، لو اهتموا بالعلم والعدل ، ما نزلت كل هذه الكوارث في أرضنا ، ولا جرؤ الغرباء على الاقتراب من برنا وبحرنا .
وما كان مني ، الا أن أقررت لها ، بعمق صدقها ، بقولي لها : ايه يا شروق ، فلا أبلغ من صيحته ، " لماذا تركت الحصان وحيدا " ، واني أود أن أقول لك ، بأني لما كنت أطوف بغلياني ، بين همس المكان في وعيه، وصراخ الجراحات في وجدانه ، انما كنت اتحول بين قصيدة والتي تليها ، الى الحريق الذي يرى بعينيه من كانوا سببا في مأساته ، وأحسست بالفعل ، بأني استحيل الى المستحيل .. الى بركان ، وأنا أقرأ في قصيدته ، " أبد الصبار " : " يا بني تذكر ! هنا صلب الانجليز .. أباك على شوك صبارة ليلتين .. ولم يعترف أبدا ، سوف تكبر يا .. ابني ، وتروي لمن يرثون بنادقهم .. سيرة الدم الذي فوق الحديد .. " ، كانت تلك كلمات أبي لي ، فلقد أطبق الجنود الانجليز على أم الفحم ، وجمعوا رجالها عند مدخل القرية ، عند حي الكينا ، وكان أبي الوحيد الذي لم يعترف بوجود سلاح معه ، فانتزعوا ملابسه عنه ، أبقوه عاريا ، وراحوا يضربونه بأعقاب البنادق ، أمام الناس كلهم ، ولم يقر بوجود سلاحه ، وظل الضرب مستمرا حتى أغمي عليه ، ثم أمر القائد الانجليزي واسمه مورتون ( قائد منطقة جنين آنذاك ) ، بحمل أبي وهو عار ومغمى عليه ، والقائه في الصبار ، وبقي أبي يومين في داخل الصبار الذي كان كثيرا في ذلك المكان ، وقد شاع في القرية أن أبي مات ، وسارع الناس ، بعد مغادرة الانجليز الى انتشال ابي ، من بين أنياب الصبار ، وما من أحد ظن ، بأنه سوف يبقى حيا ، ويطول به العمر ، وتمر عشرات السنين ، وتأتي باحثة من بريطانيا ، تبحث في حقائق سيرة الانجليز في منطقة أم الفحم ، ويحدثها أبي تفصيلا بما جرى ، وما حل به من عصف ، ويريها ظهره ويديه ، فأشواك الصبار أبقت آثارها على جلده وفي لحمه ، وعادت الباحثة الى بلادها ، على وعد منها أن تعود ، وعادت بعد شهور ، وأسمعت أبي صوتا يذكر اسمه بالانجليزية ، وضحك ، قال انه هو ، قالت نعم ولم يزل يذكر اسمك .
كانت شروق تنصت ، بتعاطف مذهل ، فكأنها هي التي حل بها ما حل بأبي ، وقالت : أنا استمعت الى ما قلته من الناس ، ولكني مصابة بالدهشة منك ، فكل ما له صلة بك ، فلا تذكره لي ، فأما ما يتصل بقضايا الوطن ، فلا يكف لسانك عن مراسلتي أو التحدث الي بها ، ألست أنت من الوطن ، ألست بذاتك ، بسيرتك بعض قصة هذا الوطن ، فلماذا لسانك لا يحدث بأفعالك وأقوالك ، تقول لي دوما ، بأنك بذلك تستوفي مطلوب الوطن ، لكني أفهم ولا أفهم ، فمن يكتب حكايتنا ؟ . وأخذت الكلام منها ، تركت لها الحاحها ، لتظل تدق به على بوابة عقلي ، وقلت لها تحضرني قصيدته " أرى شبحي قادما من بعيد " ، هل تذكرينها قالت : لا ، لست الحافظة لشعره ، وانما أنا حافظة ، وسوف يمضي وقت ، حتى أحوز على " أل التعريف " ، فماذا تذكر منها ، قلت : " تكفي .. يد امرأة في يدي .. كي أعانق حريتي .. وأن يبدأ المد والجزر في جسدي من جديد " ، فحدقت بي ثم انحسر بصرها ، ليتسمر على صورة لمحمود درويش ، وهو واقف بمحاذاة البحر ، وعلى وجه البحر كلماته " وأنت نشيد هذا البحر " ، وكانت جاءت بها شروق ، ومعها باقة من ورد مزنرة براية فلسطين ، ووضعتها على قبره ، وسارعت تقول لي : هذه الصورة لا تنزل من بين رموشي ، لا تفارقني ، فمثلها وغيرها خارطة فلسطين التاريخية ، ورسم لناجي العلي معنون بقوله : " أنا حنظلة من مخيم عين الحلوة ، أمي من فلسطين وأبي من فلسطين ، وعد شرف أن أظل مخلصا للقضية وفيا لها " ، وأنت من أهداني اياها ، هل نسيت ، فانها معلقات على جدران غرفتي ، فهي ترافقني حياتي ، وكذلك كتاباتك لي ، فهي معلقة على صدري ، ألا تراها ، انها باقية في محلها ، والى الأبد ، فضمني حياء ، ورفت نياط قلبي ، وأحنيت رأسي اكبارا لوفاء تكامل لها ، وأطلت من محياي ملامح ابتسامة ، وانسرح فكري ، فأخرجتني من انسراحي ، بقولها : ألا ترى بأن الابتسامة قرينة امتلاء ووفاء وأمل ، وهي لا مفر مشرقة ، في وجوه الأحرار ، رغما عن الأحزان وقسوتها . ثم أدارت رأسها نحو القبر وقالت : فارس الكلمة رحل وترك الحصان وحيدا ، جميل كان في المنفى ، جميل كان في الوطن ، وجميل يبدو من الجنة ، فارس سلاحه كان الكلمة الطيبة ، " كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء " . ثم وضعت رأسها بين راحتيها ، وقالت بصوت خفيض ، ألم أقل لك بأنه جاء الى حيفا ليقول وداعا ، لقد أحسست هذا ، كنت راغبة في أن أذهب لأراه وأسمعه ، لكنك وافقتني ، بأنه اللقاء مع القصيدة التي لا نريد لها أن تنتهي ، وبأن مشاهدة الاسطورة والاستماع اليها في آن واحد ، على شرفة من الكرمل قبالة البحر ، بذاته الأمنية التي في متناول الحضور ، اذ لا يمكن تحققها في حضرة الغياب ، الا بالاستعانة بالمخيلة ، فهو الخيال وحده الذي يمكنه أن يتيح لحضور في حضرة الحضور ، أن يتساوى بالصورة بالحضور ، في حضرة الغياب ، ولقد قلت بأن قدرك مع وقت اللقاء ، أن تذهب الى الخيال ، وأصررت أن اذهبي ، لا تفوتنك فرصتك ، وعدت تقول : بأن محمود أكبر من أن يغيب عنا ، أنكرت بذلك علي احساسي ، بأنه اللقاء الوداع ، لم أكن وحدي أحس ذلك ، وانما كان حسا جماعيا ، فكل من اقتربوا فهما من حالته الصحيه ، انتابهم هذا الحس الرهيب ، ومع ذلك فاني حاولت أن أراه ينشدنا شعره ، وجاءت فرصة أخرى ، أن أصل الى هنا ، فأراه في رام الله ، ولم تتيسر أموري ..
وما كانت شروق لتصمت هنا ، لولا أن خاطرا ساح بها ، في شرود أتاح لي ، أن لا أبرر غيابا عن حضور، ما كان له أن يغيب ، وانما أن أقرر أمامها ، بأن تزامنا ضاق باختياراتي ، فكان علي أن أكون في أكثر من مكان في آن واحد ، فبين الضرورة والاحتمال ، لم أكن لأعرف أي امكان يكون ممكنا ، ولا أن أعرف لممكن في خلال صيرورته ، كيف يتكامل له امكانه فيكون ممكنا .
لكن شروق عادت لتقول : انه درويش الحلم المستمر ، الحي الباقي ، الذي ربى الأمل ..مات درويش وولد فينا ، لنكون ما نريد ، وللحلم بقية . عاد الى حيفا بعد خمس وثلاثين عاما من الغربة ، لكي تمتلىء أنفاسه بهواء الكرمل وبكلمات البحر .. ماذا قال له البحر ؟ ..ماذا قالت له جبال الكرمل ؟ ، كيف التقى بقصائدة الأولى في " أوراق زيتون " و "عاشق من فلسطين" ، ماذا قال لها ، وماذا قالت له ، كان ملء المكان والزمان ، فكأن طلته دعوة للتاريخ أن يعيد سيرته الأولى ، اني أحسست ذلك ، وأنا أطل على المشهد ، الذي كان هو عنوانه ، عبر شاشة ، ولم أرى في المشهد سواه وما يمثله ، فكأني بذهني آنذاك ، أراد لي أن أرى الصورة بكل صفائها ، وحين بدأ يفوه بكلماته ، في تلك الأمسية التي أعدت بعناية ، قال " سألوني ألا تخشى على حياتك في الكرمل ؟ قلت لهم لا أتمنى نهاية أعلى وأجمل " . فكيف ترى اليه ، والموت يلاحقه حيث دبت قدماه ؟.
قلت بعد وجوم بدت ملامحه في وجهي : الموت في ذاكرة الحياة يتمايز بينه وبينه ، فهو ليس هو في كل الحالات ، فثمة أعلى وأدنى وبينهما ، فالموت موت ، لكن الموت ليس هو الموت ذاته ، عند كل النهايات ، فأسبابه تعددت ، ومنها ما اذا اجتمعت ، أنشأت بنيوية حياتية ، تبقى حياة في الحياة ، ولها وجه القداسة والخلود ، فلا أعلى ولا أجمل من موت يكون ولا يكون ، فهو الذي في حضرة الغياب حاضر ، وحي كفاعلية تتدفق حيوية في الأحياء ، فهو فوزه الذي يخشاه الأعداء ، ذلك أنه الحياة الوثابة في حياة فاعلة في الحياة ، وتظل تطاردهم مدى الحياة .
فقالت : لكنه على تكامل بسالته له طار من بين رموشنا ، وحط هنا ، فاذا كنا في حضرته ، نكون في حضرة القدس ، وحضرة حافة اليابسة .. البحر ، فنفهم ماذا يقول لنا ، ونلتزم ماذا أبقى لنا ، ونعود واياه يوما الى " البروة" ، مع عودة اللاجئين ، فليس مصادفة أن حط الحمام هنا ، فقصائدة متجذرة في الكل ، وبالكل تحركت قصائده ، فنومه لم يخرجه من الحياة ، لقد عرف يوم موته ، وكتب ذلك في قصيدته " اجازة قصيرة " في ديوانه أثر الفراشة " صدقت أني مت يوم السبت ..." ، وهو من كان قال في قصيدته " ولاء .. أوراق زيتون " ، " فان سقطت وكفي رافع علمي .. سيكتب الناس فوق القبر : لم يمت " .
ولم اتمالك نفسي وقلت : أنت تزيدين لوعتي حريقا ، واني أحيانا أحس بأني مصاب بالحزن القاتل لكي اظل مشتعلا . .وسلبت دموعي مني صوتي ، وراح صوتها هو الذي يعلو ، وأحسست بأن قلبي يكاد ينفطر ، وبأن حزني الذي انفجر في داخلي ، كأنما يشقني نصفين ، وأرحت يدي على قبره ، وبكيت بكاء مريرا ، لكن شروق وصوتها يختنق بدمعتها ، راحت تقول لي : أنظر الى القدس ، أو مد البصيرة الى البحر ، فلا زالت المهمة شاقة أمامك ، أصخ الى همس المكان الذي أنت فيه ، استمع اليه ومد البصر والبصيرة ، وأردفت قولها : هذه قصيدته " عن انسان " في " أوراق زيتون " ، يقول لك فيها : " ... يا دامي العينيين والكفين ! .. ان الليل زائل .. لا غرفة التوقيف باقية .. ولا زرد السلاسل! .. نيرون مات ، ولم تمت روما ... بعينيها تقاتل ! .. وحبوب سنبلة تموت .. ستملأ الوادي سنابل ..! " .
وما هي الا دقائق معدودات حتى اقتعدت الأرض قبالته ، وشروق تناولني منديلا من ورق تلو منديل ، حتى اذا تماسكت ، قلت لها ، أنت تلومينني ، ولا تسألين عن ملامة نفسي لنفسي ، أو لست مثلك يأخذني الندم ، فلا أدري ماذا أنا فاعل بنفسي ، حتى سألت نفسي مرة ، أو كلما مررنا بالماضي ، ولا نملك استعادة دورته ، لنعيد صياغتها كما نريد ، يتوجب علينا أن نحترق حزنا على موقف كان ، أو ليس الأجدر أن نلتفت الى ما يمكنا فعله في المستقبل ، فقصائده بعمر الأرض والزمان ، فلا نهاية لما لا نهاية له ، اللانهائي لا يكون نهائيا ، فهو الحاضر دوما فينا كما تقولين ، فلماذا عتاب يأكل من النفس مقدرتها على التفكير .. أخطأت يا سيدتي ، القيود التي لا تنفك تقيدني ، قد قيدتني ، قولي ما شئت ،
فحتى ذكرى الأربعين لم اشارك فيها ، وذهبت أنت الى هناك وشاركت ، ولم تخبريني ، فلقد خشيت على رغبتك من رأي لي لم تعرفيه ، ولم تسأليني ما هو ، فانك كنت هناك ، فهات ، قولي لي ، فماذا كان حالك والأسى ساعتها ، وكيف كان حال من كانوا هناك ، فتلك ساعة العهد الجماعي على الوفاء ، الذي يطل من تحت زخات الأسى ، وفي ظل الكلام . وتكاتفت ذراعاها على صدرها ، ورفعت رأسها ، ونظرت الي ، وبها ما يوحي بتردد ، ودهشة ، وقالت : وأنت الآن تريد مني أن أقوم بتوصيف ما كان ..على أية حال ، ومع أنك يمكنك أن تشاهد ذلك تفصيلا على شاشة ، الا أني أقول لك :
(مساء الاربعاء17/9/2008 كانت الذكرى الأربعين لمحمود درويش ، الا أنا كنا على موعد مع روحه ومع ظل كلماته هذه المرة ، في موت محمود درويش حياة أخرى ، ولادة ، فتركت عملي وجميع أموري هنا وذهبت الى الناصره بدأ الثلاثي جبران بالعزف على العود ، وللحظة انتظرت وصدقت صعود درويش الى المسرح ، حيث انتظرته أنا واخوته وعائلته وكل من أحبوه ، الا أنه لم يأت ، سمعنا صوته فقط ، كان يخاطبنا من السماء ، من الجنة حيث الأنبياء ، والشهداء ، والشعراء ، كانت روحه معنا ، وكان سعيدا لابداع الاخوة جبران ..سمير وسا م وعدنان ، الذين رافقوه أينما ذهب ، وفي نهاية الأمسية ، كل الناس ذهبوا ليعزو عائلة درويش ، أما أنا فدخلت الى الغرفة التي تواجد فيها الاخوه جبران ، فوجدت سمير الأخ الأكبر يبكي ، عزيتهم وعزيت نفسي ، وعزينا التراب ، والهواء ، والعود ، والقلم ، كانت أمسية غريبة ، بثتها قناة الجزيره ، وكان الحضور مشرفا .
وقلت : تعالي نقرأ معا قصيدة تختارينها ، فقالت اختر أنت ، قلت : بل أنت ، قالت : يطير الحمام يحط الحمام ، فهي التي قرأها مارسيل فوق رأس درويش حين وداعه له ، فماذا قولك ، فوقفنا وقرأناها معا دونما توقف ، ثم قالت : ماذا عن ديوان محمود الجديد ؟! ، فقلت : عندما تغيب الشمس ، فلن يكون نهار من دون شروق الشمس ، وأخرجت ورقة وقلما من حقيبتي ، وكتبت عليها : "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي " ، ووضعت الورقة والقلم من فوقها على قبره ، وقرأنا الفاتحة .
وما كنا وحدنا ، وانما في كل الأوقات ، كان الناس يتوافدون ، ومن كافة الأعمار ، يأتون وبيدهم الورود يضعونها على قبره ويدمعون ويذهبون ، ومنهم من يضع قصيدة أو رسالة ، ويكتب عليها " اقرأ " ، ومنهم من يضع مالا ، في مظروف ويكتب عليه ، " لمن به حاجة " ، ويمضي ، وأكثر ما شد انتباهي ، عريس وعروس جاءا يضعان باقة ورد على قبره في يوم زفافهما ، وقد قمت وشروق اليهما ، وباركنا لهما ، وسألتهما شروق ، ماذا يكون اسم المولود ، فقالت العروس ، ان كان ذكرا فمحمود ، وان انثى فحرية ، واستطيبت استدراجهما ، وقلت ، وما اسم الذي يليهما ، فقال العريس : درويش ، ثائر ، أو ثورية ، فلسطينية ، أو ما شابه ذلك ، وأردف قائلا : الثورة تحفظ أسماءها . وعندها تناولت شروق حطة فلسطينية ، من على كتفيها ، وحوطت رقبة العروس بها ، واستسمحتها بأن ترتضيها ، كهدية لها من قصيدته ، ولم يكن مني الا أن أخرجت ، من جيب في قميصي ، صورة لمحمود وسط النار في بيروت ، وقلت للعريس : قل لأبنائك ، بأن قصيدته ، انما جاءت من جوف النيران ، من قلب اصرارنا على البقاء أحرارا .
وانا لكذلك ، نوشك أن نغادر ، تناولت شروق الكاميرا ، وطلبت مني أن أصورها في مكانها ، فمرة وهي مكبة على قبر ه ، وأخرى وهي منتصبة القامة ، تستقبل قبره ومشارف القدس .
واذ ذاك ، لاحظنا قدوم أعداد كبيرة ، من الفتيان والفتيات ، وكلهم يتوشحون بالراية ، وأصواتهم تعلو فكأنها صوت واحد وهم ينشدون قصيدة لمحمود درويش ، عنوانها ( سقوط القمر ) ، وكان أنشدها مارسيل خليفة :
" في البال أغنية يا أخت ، عن بلدي ، نامي لأكتبها .. رأيت جسمك محمولا على الزرد ، وكان يرشح ألوانا ، فقلت لهم : جسمي هناك ، فسدوا ساحة البلد . كنا صغيرين ، والأشجار عالية ، وكنت أجمل من أمي ومن بلدي .. من أين جاؤوا ؟ وكرم اللوز سيجه أهلي وأهلك ، بالأشواك والكبد ..! . انا نفكر بالدنيا ، على عجل ، فلا نرى أحدا ، يبكي على أحد ، وكان جسمك مسبيا ، وكان فمي ، يلهو بقطرة شهد ، فوق وحل يدي ..! في البال أغنية ، يا أخت عن بلدي ، نامي .. لأحفرها وشما على جسدي .. " .
كان المشهد ألحان وفاء ، بشائر فجر اللانهاية ، كان اسمها فلسطين ، واسمها الآن فلسطين ، واسمها بعد الآن فلسطين ، قالتها شروق ، بينا مشاعرها تعبر جسر الأسى ، لتحط بها في استنفار يتواثب ، وسط هذه العزيمة وهذا الاصرار ، وهذه الكلمات التي تتخرج منها مواكب العزيمة ، وما أن تحلقت جموع الأمل حولنا ، حتى صعدت شروق على كرسي ، كان في المكان ، وبدأت تهتف بقصيدة لمحمود درويش ( عابرون في كلام عابر ) : " أيها المارون بين الكلمات العابرة ، احملوا أسماءكم وانصرفوا ، واسحبوا ساعاتكم من وقتنا ، وانصرفوا ... " .
وما فرغت من قراءة القصيدة ، حتى ضج الفضاء ، بصوت نبات الثورة ، في الجموع العاشقة لمحمود ، الوطن ، القصيدة : " على القدس رايحين شهداء بالملايين " .
لقد أحالت القصيدة البكاء ، الى هدير بحر نشيدة ثورة شعب ، حملتها كلماته الى العقول والقلوب ، واتجهت بها صوب غاياتها في الحرية ، وما أمكنه الوطن ، في داخلي الا أن يكونني مجسدا ، في سير حثيث الى غاياته ، حتى في اشهار الارادة عن نيتها ، في هذا الهتاف البديع .
كنت كما شروق أحوج ما أكون الى التنفس ، أن أترك وطني يحدث وطني بحبي لوطني ، وكانت شروق تحمل الراية ، وتقول : يا أحبة محمود ، من يحفظ قصيدة له ، فليسمعناها ، قد حفظ لكم الوطن في القصيدة ، فاحفظوها للوطن ولأنفسكم ، فأنتم بها للوطن ، والوطن بها لكم ، فأن نحفظ قصائده ، يعني أن يكون فينا ، وأضافت قولها : هناك في الصين ، شاعرها الكبير " بي داو " ، الذي التقى محمود درويش أكثر من مرة ، وكانت آخرها في برلين ، بادر الى تنظيم ندوة شعرية تستذكر محمود درويش وأعماله ، وكان حضرها أدباء صينيون مهتمون بأدب محمود ، وصينيون آخرون ، وكان بين الحضور شاعر مصري ، ساهم في تنظيم الندوة ، واسمه سيد جودة ، صاحب موقع " الندوة العربية " ، وألقى سيد جودة قصيدتين لمحمود هي " لاعب النرد " ، و " أنا من هناك "، وفي نهاية الندوة ، أبدى الحاضرون دهشتهم ، فكيف أنه ألقاهما عن ظهر قلب ، ولم يقرأهما من نص لهما في أوراق بين يديه ، فأجاب سيد جودة : لقد فعلت ذلك لكي أبرهن لكم ، بأن محمود درويش ، لم يزل موجودا فينا . فهكذا العربي يحمل القضية ، على أكف قصيدة الى بقاع العالم ، الى حيث جماهير صينية ، لم يخطر على بال محمود ، بأنها سوف تكون متلهفة على أدبه ، عاشقة لشعره ، ومتبينة منه وجه القضية . فليكن هذا لكم الدرب ، الى جعل القصيدة ، رسالة ثورة ، وباقة ورد ، تحملونها من هنا الى مشارق الأرض ومغاربها .

وعندها تقدمت فتاة تلبس زيا شعبيا فلسطينيا ، وعلى صدرها تتوهج صورة محمود ، وقالت : أتيت من بيتي تبللني الدموع ، أغني " أحن الى خبز أمي وقهوة أمي ، وتكبر في الطفولة ... " ، وهنا في هذا المكان ، بلغت بي الدموع سخونتها ، وسرعان ما أحسست ، بأن حرارة الدموع ، تشتعل بي ثورة ، فالعهد يا محمود ، هو العهد ، والقسم يا شاعرنا ، هو القسم .
وما لبتث هنيهة حتى احتضنتها شروق بين ذراعيها ، ثم أبقت على ذراعها الأيسر يضم الفتاة ، بينا هي بأنامل يدها اليمنى تتساءل وبلسانها تسائلها ، وهي حانية رأسها وتنظر بدفء عيونها في وجه الفتاة : كم قصيدة تحفظين لمحمود درويش ، قالت : اني أحفظ الكثير منها ، فسألتها : فما اسمك ؟ قالت : اسمي حورية ، انه اسم أم محمود يرحمهما الله ، رأيتها ، يوم جاءت الى هنا تودعه ، لقد أسماني أبي بهذا الاسم ، أملا بأن أكون أم محمود ، هكذا قال لي أبي ، كان يحب شعر محمود كثيرا ، ويشجعني على حفظه، وهنا خرجت شروق من صمتها ، وسألتها بلهفة حانية يتدلى منها الأسى : وهل تحدثت حورية الى حورية ، فقالت حورية : لم أقوى على مصابرة نفسي ، تذكرت عندها أبي وحبه لمحمود وبكيت ، فقالت شروق متسائلة : وهل تذكرين زجلا للست حورية ، قالته في موت حبيبها محمود : فقالت الفتاة ، بلى ، واني أستطيع أن أقرأه لك من صفحة في جريدة ، احتفظت بها ، ثم راحت براحة يدها اليمنى ، تتناول من حقيبة معلقة على كتفها ، ديوان شعر لمحمود ، وبأطراف أناملها ، أمسكت بصفحة الجريدة ، ووضعتها على الديوان ، و بينا كل زملائها ، يتحلقون حول قبر محمود ، راحت تقول : ما بين يدي ، مقابلة أجرتها " صابرين دياب " ، مع الست حورية ، ومن غرفة محمود درويش كتبت تقول ، بأن الست حورية قالت ، بأنها كانت تلح على ابنها محمود ، وتقول له " منيتي أشوف أولادك " ولكنه كان يرد " قصائدي يا يما أولادي ، احفظيها وشوفيهم فيها " ، وتضيف كاتبة المقال " صابرين " ، بأن الست حورية قالت : " لو علمت أن الغالي ، لن يعود ، ما تركته يذهب " ، ثم انفجرت بالبكاء وهي ترثيه بقولها : " مين صبرك يا يما ، ومين سقاك الصبر .. مين صبرك يا يما ، تنزلوني القبر .. وقولوا لأمي الله يصبرها ، وعلى فرقتي ما أقوى جبايرها .. قولوا لأمي ما تقولوا لغيرها ، بالفلفل المطحون تكحل عيونها .. " ، وتنشد الست حورية في وداعه : " نزل دمعي على خدي وحرقني .. مثل الزيت على النار حرقني .. أنا أبكي على ابني الي فارقني ..فارقني بليل ما ودع حدا " .
وما كادت الفتاة ترفع عينيها ، وقد ترقرق الدمع فيها ، لترى شروق تغالب دمعتها ، وهي تمد يدها لتربت على كتفها ، بينا عيناها أخذت تطوف ، في الوجوه الساهمة . وانها لكذلك ، تقدم فتى ، وقال ، بأن أسمه محمود وطلب أن ينشد بصوته كلمات السيدة حورية ، فأومأت شروق له برأسها بنعم ، وناولته الفتاة الورقة التي بين يديها ، وما هي الا لحظات ، حتى ارتفع في أجواء القبر ، صوت حزين تنفطر له القلوب ، يلازم الصوت أنين ناي ، بين أنامل وفم فتاة ، سارعت الى مرافقة الفتى في شدوه ، فما أتما شدوهما ، حتى كان اللحن الحزين ، قد أتم دوره ، في يقظة الدموع ، في عيون كل أذن قر فيها ، فبدا المشهد ، وكأنما الهوية الفلسطينية ، تتندى دمعا على محمود درويش .
وكانت الفتاة حورية ، لم تزل واقفة ، بجانب شروق التي عادت اليها ، تسألها عن أسرتها ، فتألقت عيناها وتسمرت في القبر ، ثم رفعت رأسها الى السماء ، فسبقتها نفسها ، الى حسرة ، أفصحت بها عن ذاتها ، ودمعة سالت على خدها ، وقالت ، بينا هي بأطراف أنامل يدها تمسح دمعتها :
: ابي شهيد ، وأختي شهيدة ، ولي أخ شهيد ، وأخ في السجن ، وأخت أصغر مني في السجن ، وبيتنا قد هدموه ، أكثر من مرة .. قصفتة طائرة ، ولم نكن في البيت ساعتها، ومرة أخرى بالجرافات ، ولست وحدي بهذا الحال ، فكل الذي ترينهم يتحلقون هنا ، حول قبر محمود ، أبناء شهداء ، ونحن نأتي الى هنا ، معا ، نرتب مجيئنا ، ونذهب أيضا الى قبر ياسر عرفات .
ولم تتمالك شروق نفسها ، فأقبلت على حوربة واحتضنتها، فكأنها تريد أن تسورها بقلبها ، ثم أرخت لها ، وخطت واياها ناحية فتيان ثلاثة ، يحمل كل منهما آلة موسيقية ( العود ) ، وسألتهم : ماذا أنتم فاعلون بهذه الآلة الموسيقية هنا ، فقالوا : نفعل ما أحبه محمود ، في ظله ننشد كلامه على ألحان العود ، كما فعل هو والثلاثي جبران .
وانسرح فكر شروق ، مر في خاطرها ، ذلك الأب الذي كان يذهب ومعه الناي الى قبر أبنه ، ويبكي هو والناي على قبره ، وحين سألته مرة عن سر قيامه بذلك ، قال : كان ابني يحب الناي ، ولما أجازت لنفسها ، فأذكرته بأنه يفعل ذلك في المقبرة ، فأجابها ، أليست الثورة قد جاءت من هنا ؟! ، فما كان منها ، الا أن سارعت الى سيارة ، كانت جاءت بها ، وأخرجت منها ، علم فلسطين ، وعادت وزرعته ، فوق القبر ، ولسانها يقول : أولئك سطور ثورتنا ، فراية فلسطين ، يجب أن ترفرف ، لتقول هنا علم من أعلامها .
ولما آبت من انسراحها ، وجدت روحية ومحمود ودرويش ، ما زالا ، بجانبها ، فهاجت بها الأسماء ، وأفضت الى تساؤلها ، بصوت مليء بحنو منساق بحدس ، ما خاب مرة في حياتها ، وسألت وعيناها تطوف في ملامح مستقبل يتشكل أمامها : فهل هنا بيننا لسان العرب ، فاذا بصوت يجيب : أنا ، وأشارت اليه أن تعالى ، فداناها ، وراح يدلل على فخره باسمه بقوله ، بأن أباه كان يعرف محمود درويش ، وكانت بينهما رابطة لغة عربية ، وكان منبهرا ، بمدى التصاق محمود بالكلمة ومعناها ، وبعودته الدائمة الى لسان العرب ، وقد أسماني بهذا الاسم لأبقى دوما قريبا من محمود درويش ، لا أفارق قصائده ، فلعلي بما أوتيت من موهبة شعرية ، أن أطرق طريقه .
وعندها تناولت الكلام وقلت : حقا اننا الشعب الأسطورة التي ليس منها جملة واحدة من خيال . ولم تتركني شروق أكمل كلامي ، سارعت الى أخذ رأي لسان العرب فيما قلته ، فقال : اننا مادة قصائدة ، فهو هويتنا ، وهي هو ، تجسدت فيه ، فهو وهي كلاهما بنفس المعنى ، وقصائدة لغة هويتنا التي عبر بها كل اللغات وكل القوميات والأمم ، فنحن بقصائدة ، بقضيتنا ، وصلنا ، وحيث لم نصل سوف نصل ، بقدرته الأدبية ، ونخاطب الانسانية في جوهرها ، ونحكي لها حكايتنا ، وبذلك اللغة العربية ، على أكف قصائدة تصل كل مكان ، وما هو الا نموذج لأدب عربي ، سوف يفتح بقصائدة اطلالة عليه ، من جانب كل من تبلغه قصائده في هذا العالم .
وانه لكذلك لسان العرب يفيض لسانه ، بكلام على الشاعر والشعر ورسالته ، واللغة والهوية ، بدت من شروق نظرات متتابعة في ساعة في معصمها الأيسر ، واذا بها تملأ صدرها من الهواء ، وهي ترفع يديها ، وتبش في من أمامها ، وتقطع كلاما يقر في أذنها ، ويغنيها ، وتقول : قد أزفت ساعة ذهابي ، فدعوني أسأل : فما الاسم الذي أكرمتم فرقتكم به ، فاذا هم صوت واحد يعلو ، في فضاء المكان ، انها فرقة فارس عودة لأدب الحرية ، وسراعا خف الى شروق فتى أسمر ، غض الايهاب ، وقال : أنا فجر الحرية ، فباشرته شروق متسائلة ، وهل هذا هو الاسم الحركي ، أم هو اسمك الحقيقي ، فأجاب ، فليس بغير أفعاله وأقواله يعرف الانسان ، انما أنا فجر يبدد بنوره ظلماء ، ويذكر بتباشير شروق للشمس وطلعة النهار ، وأردف ، لقد أحببناك ، فهلا عرفناك أكثر فأكثر .
وما أدري كيف لم أنتظر شروق لتجيب عن نفسها ، فلقد هاجت مشاعري ، ولهج لساني ، بقولي : يسألني الفجر عن بهاء طلعته وما به من سناء .. قلت يا فجر هذه شروق خلعت عليك رداء .. من عيونها أسقتك حلاوة ومن رموشها بهاء .. ومن لحاظها شربت سناء وكان بك ضياء .. فهذه أهدابها بها زهو يسكب في عينيك غناء .. ويا لرقة مبسمها وما نثرته فيك من رجاء .. وفكرتها ما أبدعها أغنتك بها على استحياء .. رائعة هذه الفتاة .. فمن
جبينها شربت اباء .. وشعرها كيف علمك السباحة في الفضاء .. استعار الذهب منه لونه واليك أهدى صفاء .. كرامة شروق وعزة نفسها وما بها من كبرياء .. وما بها من شوق الى نهار يكنس الغرباء .. وما أنار درب حياتها بكل عزم وعزة واباء .. صفت نفسها لوعي تقيل به كل عنت وعناء .. وأقبلت وطنية أبية تزرع فيك عبقرية الأداء .
وهاجت الألفاظ بلسان العرب ، فنبست شفتاه ، شروق القصيدة على الوعي ، يعني أن الوعي في ركاب الحرية ، واعراب كلمة شروق ؛ شمس رائقة في وطني قائمة ، فتحقق هذا المعنى ، يعني أن حرية أوقدتها قصيدته ، تكون استوت على غايتها ، فقصيدته مجرى فكر ، يستنهض ارادة حرية ، تجري بالتاريخ كما النهر ، لتصب في وطن الشمس الذي لا تغزوه الظلمات ، من جهة بتة .
وارتفع صوت فجر الحرية بالقول : أجمل حلم يراود الروابي والبطاح والنفوس في بلادي ، هو شروق شمس الحرية . كل نسائم البر والبحر ، اذا هبت أروت النفس الحاحا وشوقا الى شروق ، هي كلمة في فم الأشجار والسهول والجبال والأطيار ، فلا أحلى من شروق . هي شوق الحياة ، في نسائم الفجر ، في سير الحياة ، في الأرض ، فنبض الشوق شروق ، وقد تعلق خلاص الانسان من الظلماء بكلمة هي شروق ، فكل حركة الحياة تحت سحب الظلام ثقيلة ، وبها تيه وضياع وكبوات تتلاشى مع اطلالة شروق .. هذا الاسم شروق يبهرني ، انه خلاصة الأحلام والآمال ، فبين فجر ونهار ، شروق شمس النهار .
وبدت حورية مزهوة بقولها : حين أنا أنطق اسمي أو يناديني أحد به ، أسمع دوما كلمة حرية ، لا حورية ، فحورية تذكرني بالجنة ، وشتان ، فحياتنا تعصف بها الظلمات ، وحين أقرأ قصائدة أحس شروق الحرية في داخلي ، فلا غيرها ، واني أفهم بأن حرية وشروق قد تلازمتا ، فهما المبتدأ والمنتهى ، فشروق الحرية ضرورة ديمومية حياة مشرقة دوما بالحرية .. بلا شمس النهار ، لا نعرف مواطىء أقدامنا ، فكذلك الحرية فان شروقها الدائم ، انما هو فعل تحقيق الذات والسعادة في الحياة ، وهذه الغاية الانسانية ، من دعوة الحرية في قصائدة ،

وهبت شروق من توقدها ، بما يلقى على آذانها ، وقد توردت بقصائده ، وأطلت من نافذة القصيد ، وهاجت بكل طيب ، ارفعوا الرايات ، واشرقوا بقصائده ،على شروق اراداتكم ،على استولاد شروق العطر الفواح ، في أنفاس الورود العائدة بالقصيد .. الحرية الى حياة الحرية ، فأنفاس الوطن تاقت الى العطر ، في شرفات تتنفس نسائم البحر ، وانها أنفاس الحرية في كلماته ، هي التي تقول : " انا نحب الورد ، لكنا نحب القمح أكثر .. ونحب عطر الورد ، لكن السنابل منه أطهر .. فاحموا سنابلكم من الاعصار ، بالصدر المسمر .. هاتوا السياج من الصدور ... من الصدور ؛ فكيف يكسر ؟؟ .. اقبض على عنق السنابل ، مثلما عانقت خنجر ! .. الأرض ، والفلاح ، والاصرار ، قل لي كيف تقهر ... هذي الأقانيم الثلاثة ، كيف تقهر ؟ " .
كان مشهد شروق ، وقصيدته ، واطلالتها ، واطلالة المستقبل ، من نافذة معناها ، يوقد بي شعلة الحرية ، بينا كلماته تحدث نفسي قائلة : " تكلم عن الأمس ، يا صاحبي ، كي أرى صورتي في الهديل .. وأمسك طوق اليمامة ، أو أجد الناي في تينة مهملة .. حنيني يئن الى أي شيء ، حنيني يصوبني قاتلا أو قتيل .. وما زال في الدرب درب لنمشي ونمشي . الى أين تأخذني الأسئلة ؟ .. سأرمي كثيرا من الورد قبل الوصول الى وردة في الجليل " .
واذ ذاك أشرعت ذراعاي ، فكأني أحتضن كل من كانوا هناك ، وأومأت برأسي ، أن هيا ، وفهمت شروق قصدي ، واستعطفت الجميع أن يرخوا لنا ، وتحلقنا جميعا حول قبره ، وقرأنا عهدنا ، وتعاهدنا على لقاء ، وعندها ، بسطت شروق ذراعها الأيمن ، واتجهت بسبابتها صوب القدس ، صوب البحر ، وهي تصدح ، من هنا الى هنا ، ليس لكم غير هنا ، فمن هنا الى هناك ، فهناك هنا ، وليس سواكم ، أنتم نشيد بحركم ، والبحر بانتظار نشيدكم هنا .
فكأني أسمع نداء تراب بلادي يطل علي من أعماقي ، ويسألني ، فماذا أنت فاعل ، فأخذت بيد شروق ، وقد امتلأت عيناها بالدموع ، وقالت : ما أجمل ، أن تحس معنى قصيدته ، متجسدا في الأقوال والأفعال .. في الحياة ، فأن تكون المعنى ، بلا سيرورة ، وصيرورة في الحياة ، يعنى أن تظل ضمن كينونة حبرية ، بمعنى يتلهف على كينونة له في الحياة .. انه الانسان الذي بلاه لا يمكن ، أن تعبر الجسر بين هذه الكينونة وتلك ، انه الفعل والحياة ، بلاه العدم ، كيف يمكنه المعنى ، أن يكون في الحياة ، بلا الانسان ، هل يمكن هذا ؟ . الوطن انسان ، فاذا ثمة انسان ، فان للمعنى وطن ، واذا ثمة وطن في الانسان ، فالانسان له وطن ، ويصبح الانسان في الوطن ، هو نتاج الجدل بينه وبين المعنى ، فأن يكون لك معنى ، يعني أن يكون لك وطن ، وحرية المعنى في تشكلة ونموه وتطوره ، يقتضى أن تكون حرا في الوطن ، ولك حرية ارادتك ، فأنت حر في فعل ، صيرورته ضرورة معنى ، يريد أن يصير الى ما يريد ، فعبور الجسر اقتضاء معنى القصيدة ، بأن يكون ذاته في الحياة ، فلا يظل بكينونة حبرية ، في نص على الضفة الأخرى للجسر ، فأو لا تنتهي القصيدة أو تنتهي ، الجسر هو الفارق ، فاذا المعنى ليس معلقا على الجسر ، ولا هو في الجانب الآخر منه ، فالمعنى في الحياة فاعل في تشكيلها ، فمعناها من معناه ، فعندها لا تنتهي القصيدة ، تبقى وجودا تنهل منه الحياة مبانيها ومعانيها ، وغير ذلك المعنى طي تشكيلة حبرية ، منفصل عن الحياة ، فاذا أنا المعنى الذي جاء من القصيد ، فأن أكون في الحياة فاعلة ، يعني أن القصيدة لا تنتهي ، وأظنك لا تريدها أن تنتهي ، وحالك من حالي ، فكلانا جاء الى النص ، من نافذة قصيده ، فماذا أنت فاعل ، قلت : أنا المعنى الذي ما كان ليكون مستكفيا بذاته ، بكينونة حبرية ، وانما كذلك كنت ، وعبرت الجسر ، لأكون الحياة في وطني ، فأنا لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي ، قالت : اذن أنا وأنت الحياة ، فهيا بنا ، نعيد بقصيدته بناء الحياة ، ومشينا على شارع من شوارع الحياة ، وكان ذلك شارع الحرية ، وما أبعدنا أمتارا ، عن ملامح الفجر المحيطة بالقبر ، حتى ضج فضاء القبر ، بالغناء ، " حاصر حصارك ... لا مفر ، سقطت ذراعك فالتقطها ، واضرب عدوك ..لا مفر ، وسقطت قربك فالتقطني ، واضرب عدوك بي .. فأنت الآن حر ، حر ، وحر . قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة ، فاضرب بها ، اضرب عدوك .. لا مفر . أشلاؤنا أسماؤنا ، حاصر حصارك بالجنون ، وبالجنون ، وبالجنون . ذهب الذين تحبهم ذهبوا ، فأما أن تكون أو لا تكون ".


.................................................. .................................................. ......................................
astrosameh@Gmail.com
.................................................. .................................................. ......................................

غفران بصبوص 22-09-2009 23:23

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
السلام عليكم

مشكور على هذا الطرح الرائع
واتمنى ان اكون عند حسن الظن
اسفه على التأخير في الرد
اتمنى ان تتقبل اعتذاري

محمد يوسف جبارين 24-09-2009 22:18

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
بأي حزن ألقاك يا عيد

بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين

أهلا وسهلا بك يا عيد ، على الرحب والسعة ، فأبي في السجن ، وأخي مصاب بنار غدر ، وأمي وأريتها التراب البارحة.. أهلا بك ، فزيتوننا وتيننا ، قد مزقته جرفات الاحتلال ، وبيتنا تمزق بقصف مدفعي ، وأولادي تمزقوا كما زيتونهم ، أهلا بك يا عيد .. بين القبور ، فكما ترى ، كان يفترض أن تكون أسرتي في الحياة ، لكن الغدر أحالنا الى تحت التراب ، وفوق التراب ، يتأنس بدموعه ، مع من هم تحت التراب .. أهلا بك يا عيد ، فمن شهور ، ,أنا لا أعرف كيف أبيع جهدي من أجل خبزي ، أهلا بك .. على الرغم من كل غم ، ومن كل قلق ، ومن كل قهر وجوع الى الحرية ، فأنت عيد ، أتيت ، فاشرب قلقا معي ، وهموما ، فان لم ترتو ، فلدي من كل ما يشبع مقهورا ، من رغبة في الخلاص من قهره ، فهو الهم الذي يسألني ، كيف أتخلص من غمي ، وهو القلق الوجودي الذي يحاورني ، فكيف أريح نفسي من احتلال ، لا يدع لي الا كل ما يمزقني .
أريد أن تشاركني ، يا عيد فرحتي ، بأحزاني التي أطلت بي ، على مكنون ذاتي ، فوعيت ضرورة أن أظل متعلقا بحلمي ، بأملي ، باستوائي على درب خلاصي ، من بعثرتي وتفتتي ، فأحوال حالي استحالت الى ما لا طوق لي على حالي ، فشيء في داخلي يلح علي ، كفى صبرا ومصابرة ، فلا صبر أجدى نفعا ، ولا مصابرة أضافت ، غير ضيق مضاف ، الى ضيق تضيق به أحوالي ، فلا حال يطربك ، يا عيد من أحوالي ، فكل حال قبضت عليه تحولية ، راحت تحيله ، الى ما يسقني فوق اغتمامي ، مرارة ، تسيل في حلقي كل آن ، فكل تذوق أحاوله يرتد على حسي بما يمرمره ، ويشربه غثيانا ، يجوب أرجائي ، فهذه الأحوال أحوالي ، وجئتني يا عيد ، وأنت أدرى مني ، بأن اسمك مشتق ، من عين ترى ، ويد تمتد لتأخذ بيدي ، فلماذا لم تر مني غير أن تصدمني بك دفعة واحدة ، فاذا أنت أمامي ، تقول أنا عيد ، ولا يد منك جاءتني ، تقلل مما أنا به ، مما حل بي من مصائب ، فاذ لا عين لك رأت ، ولا تر ، ولا يد امتدت لي ، ولا هي عازمة ، أن تمتد لتأخذ بيدي ، فما أنت ؟ ، ألا ترى الى ، أن في نفسي حس بأنك تجاهلتني ، فاذ جئتني ، فلا أعرف ما مجيئك ، وما سره ، ولماذا ، أحقا هو أنت عيد ، يا ويلتاه كيف أنت هو أنت ، وأنا لا أعرف لك لونا ولا طعما ، ولا بي درب الى تذوق فهم لما أنت هو ، فهذه أحوالي يا عيد ، فلا هي تريحني ولا تطرب عصفورا على شجرة ، بل العكس من ذلك تسقيه ، بدلا عن جرعة من هواء طلق ، رياحا من اغتمام ، تمر بي من سجن ، الى زنزانة ، الى عذاب ، الى فقر ، الى دمعة في عيون طفل في حصار ، لا يجد له من يقول له ، أنت أبن شعبي ، فأبوه قد اغتالوه ، بسبب وجهه البشوش العاشق للحرية ، وأمه اغتالوها ، لأنها الحرية بذاتها ، وبيته زرعوا فيه القنابل ، وتطاير شظايا وبقي هو وحده ، وبقايا دالة على ماذا يفعل ، من كان أخا ، بأخيه ، حين تفارقه كل قيمة ، بغير تبعية لوجه كرسي ، يتلقى منه الأوامر ، وهذا مسجد بجانبنا ، كان الناس فيه يصلون ، ويحلمون ، ويصدحون بأمل لهم في استنساخ أمجاد خلت ، واذا بنار اخوة لهم ، يهيجون عليهم ، بكل موت ، فتحوا فوهات بنادقهم عليهم ، من كل جانب ، كانت الرصاصة تخترق المصحف ، الذي في جيب القميص ، قبل أن تدخل صدر البرىء ، وتمزق قلبه الذي يحفظ القرآن ، ويحب انتصار هذه الأمة على أعدائها ، فظيع هذا المشهد يا عيد ، نيران غزيرة ، ومن كل اتجاه ، تصفع المسجد والمصلين ، وأخرى قنابل ، متفجرات تنسف بيتا ، لجأ اليه من كان يذكر الله ، ويجأر بحلمه ، بحبه لدينه والناس ، نسفوا البيت عليهم ، ماتوا ، قتل الأخ أخاه بغير ذنب ، والقاتل يجأر بأنه ممثل الله في الأرض ، لم نسمع في ديننا ، بأن ثمة شيء من هذا مستساغ ايمانيا ، فمن يزعم هذا، يستغفل الناس ، ولا صلة لما يقوله بدين ، بل له كل صلة بسلطة ، وبتبعية تستدر مالا ، لتغذية أعمدة هذه السلطة ، أصبحت التبعية في مرتبة متقدمة على القضية ، أو أن القضية ناءت بها نفوس عاشقة للانتفاخ بزهو فارغ ، بلا أدنى قيمة تاريخية ، وأحلت محلها فضيتها النابعة من أمعائها وضيق فكرها ، فأحلت قضيتها محل القضية ، وظلت القضية في المخيال ، الوهم الذي تتخفى داخله قضية ، هي ليست في حقيقتها القضية ، فرسم درب النار ، والفتنة ، لم يأت من القضية ، فمن يعلو مراتبها تعلو به ، ويكون فارسها ، لكنها قضية ليست بالقضية ، قضت سفك دم الأبرياء ، واستباحت دم المسجد ، هل ترتضي نفس مسلم رصاصا يخترق مصحفا ، ويقتل صوتا يجأر بحب الله ، ويحلم حلم خلافة ، فالخلافة ، مشروع وحدة أمة بحالها ، ويا ليت أن العرب وتركيا يرتقون الى مراتب ارتقى اليها ، من كانوا مع صلاح الدين يتصدون للغزو الصليبي .. لعكا ويافا ، فماذا يقول ابن تيمية ، عن مذبحة أحباب له ، أحبوه وحلموا حلمه ، وآه لو يدري هذا الشيخ الجليل ، بأن القتلة هم أكثر الناس قراءة لكتبه ، فماذا أفادوا من كتبه .. لا بد الكثير ، لكن كلماته انزوت في ركن معتم ، في الذاكرة ، حين قرقرت البطون ، والتمعت هالة الكرسي بين رموش العيون ، أصبحت القضية عند هذه الطائفة ، أن تأكل بالقضية ، فلذلك التبعية نطاق نفعية ، يتاح بها ما لم يكن متاحا في الوفاء للقضية .. انكفاء وعي ، أفضى الى تحولية أحالت الذي لم يخطر على البال ، بأن يكون متحولا ، عن صدقه الى بارع في كذبه ، على نفسه ، وعلى الناس ، وعلى الله ، فبأي حزن ألقاك يا عيد ، فانظر الى التمزق الذي زرعه هذا المتحول ، من صدق الى لا صدق يصدقه ، أرهقنا بتبعية تغذيه وتردفه ، مزقتنا هذه التحولية التي أرست لنا تبعية تطلق النار على مسجد ابن تيمية . أواه يا عيد .. أواه .. من وعي غارق في التيه ، أواه من وعي مراهق ، لا يعي بأن نظام الحرية ، انما هو الأساس الذي يضمن التماسك الاجتماعي ، ويوفر السلم الاجتماعي ، ويصرف كل الطاقات ، في مواجهة مشكلات النمو والتطور ، ويقيم الأمن ، ويحفظ بالقوة حدود الحياة ، فيا ليتهم يا عيد يفقهون ، ويبدلون ، ويتبعون ما أقول ، فهي الحرية التي لا سواها ، فلتكن هي الأساس ، ومنها وبها يصاغ البناء التنظيمي للحزب ، وأيضا النظام السياسي لدولة نرنو اليها ، فلا تبعية بعد ذلك تنسجم مع حرية ، ولا سفك دم أو قهر أخ لأخيه ، يتفق له أن يكون بتألق الحرية ..نحن نحتاج الى أنفسنا ..نحتاج أن نكون أحرارا من أجل حريتنا ، فأرضنا ، ومستقبلنا عليها ، فهذا حاضرنا تموج به الجراحات ، والغرباء طامعون في كل شبر ، فلماذا نتمزق ، أمن أجل أن نريحهم من سطوتنا ، من قدرتنا على فرض ارادتنا عليهم ، أليس خروجهم من أرضنا يقتضينا ، أن نبلغ مرتبة في قدرتنا ، نستطيع بها ، أن نقول لهم ، مكانك قف ، وخلفا در ، والى خارج أرضنا سر .
حزين أنا يا عيد ، لأني أحدثك بكل مصابي ، فانظر حولي ، تجدني على أكف جراحاتي ، وهذه كعكة عيدي صنعتها من أحزاني ، ولم أجد عجوة سوى أحلامي وآمالي ، فخذ نصيبك ، مما تيسر من موج يتلاطم بي ، فأنت مسافر ، وأقبلت من نافذة الزمان ، وبكل ما أنت تعنيه من معان ، وجئت ، تقول لي بأنك عيد ، وأنا أعرف هذا الاسم ، لمثل يوم كذا ، قد قيل لي بأنه كان يمر في زمان الأجداد ، ويمر على أناس آخرين غيري ، انها كلمة عيد ، وكما يقولون ، هي كلمة جميلة ، ويظلون في انتظارها طويلا ، لكني أنا ، لم يحصل لي أن انتظرت يوما كهذا ، بكل هالة الفرح التي بها الآخرون يتكللون ، فهو الأسم الذي ، يمر في الوعي ، ولم أعرف كيف هو في مجرى أيامي ، فلا أنتظر يوما مثل هذا الذي هو أنت .. هو هو .. عيد ، فماذا يدعوني الى ذلك ، ولماذا ، هل يمكنك أن تقول لي ، فماذا يعني عندي ، هذا الذي هو أنت ، فالمصائب تتدافع بي ، وأنت الكلمة التي اقترنت براحة ، بفرح ، ببعد عن غم وهم وحزن ، فكيف أسلخ ذاتي من ظروفي ، لكي أعرف كيف أتهيأ لفهم تريدني أن أفهمه عنك ، فأعرفك أنت ، بما أنت كائنه وتكونه ، فأكون ما تريدني أن أكون ، فكيف أتذوق ما تعنيه أنت .. أنت معنى ، يمكني أن أدركه بالعقل ، وأفهمه ، ككلمة ، في القاموس ، في مجرى سلوك بشر غيري ، أما أن أدرك المعنى في سياق حياتي ، فيا ليت أحسك كمعنى ، وعلى أقل ممكن ، فكيف ؟ ويا ليت حسا كهذا يحصل في مشاعري ، فكيف تحصيله ؛ فلو يحصل ، فلن أكون خاسرا شيئا ، فلعلها استراحة مشاعر من مغالبة صعوبات ، وآلام ، فهذا وبحق رائع ، ولكن ؛ لو يحصل ، ويا ليته يحصل ، فأنا بحق أريده أن يحصل ، فتحصيله شيء جميل ، ولكن كيف يا عيد ، قل كيف .
أيامي يا عيد ، بين هم وغم وقتام ، وتواثب بارادتي ، وعقلي ،على خلاص لي من اغتمامي ، خلاصا مشتقا أبدا من مأساتي ، التي انحدرت من ضعفي الذي استهوى أضداضي ، فتكالبوا على استعمار بلادي ، فكان شتاتي ، وكانت غربتي ، وكانت مأساتي ، وأظلمت الدنيا ، وغدوت مثل فرقد في السماء متوهجا أبدا ، أشق الظلام ، بفكري ، بفعلي ، بكل قدرة أوتيتها ، فلا شاغل لي سوى هذا الظلام ، أريده أن يتلاشى ، لأرى النهار بكل نوره الوضيء في أيام وطني ، وقد عادت اليه كل القلوب ، عامرة بالآمال ، بأن تعيد بناء صرح حياة ، يتندى منها عطر الأمل في كل الأوقات .. فاذا أطل يوم عيد ، فهو مثل كل الأيام في روعتها ، الا أن به مائز يميزه ، فهو عيد ، كلمة يا طالما عرفتها في جملة في قصيدة ، أو نص ، أو سالت من لسان ، وقرت في أذني .
فكل عام والكفاح من أجل الحرية لا يفارق الأفعال ، ولا يغادر الأقوال ، بل يبقى هو الراسم الرسام النازل بالأحلام والآمال ، من نطاق الفكرة الى الحركة الفاعلة في الحياة ..فكذلك الأحرار ، بين الحرية التي لا تفارق لهم المخيال ، ينزلون بها ، بكل العقل الفاعل ، والفعل الجامح ، من مراتب الخيال الى أوراق ربيع الحياة ، حقائق وجود تتكلم ، بما يمكنها الحرية أن تفعله في تغيير مجرى الأيام .
فكل عام واللعنة على التشرذم والانقسام ، ولعنة الله على قصور الفكر والمراهقة الفكرية ، والعقلية التي تتقاصر بالقضية ، وتنزل بها من عليائها ، الى بوتقة المصالح العمياء التي توفر العماء ، وتلغي البصيرة وتوفر كل ظروف السقوط ..
كل عام وارادة الحرية بألف خير .. كل عام والعودة ، من الغربة والشتات ، الى الديار ، تعلو بالأمل ، وبحث السير بالفعل السياسي ، الى ما يجعل العودة حقيقة تاريخية ، تتلألأ في جبين الحرية .. كل عام والأقلام الحرة تأخذ دورها في اذكاء الوعي بالحرية .. لازمة الوفاء للوطن وأبناء الوطن ، الأحياء منهم والأموات .. كل عام وأرواح الشهداء توقد العزيمة اصرارا ، على تحصيل حقوقنا الوطنية ، في ربوع أرضنا .. كل عام والعزم يتنامى في حركة جماهيرية فاعلة لتحرير السجناء من سجنهم .. كل عام والحرية لأسارى الحرية صوتا يجلجل داويا في كل واد .. كل عام ولعنة الدم الفلسطيني ، تنزل غضبا ، وفضحا ، ونارا حامية على رؤوس ، من أهدروا هذا الدم العزيز الغالي .. كل عام وبريق الأمل بالحرية ، يشع من عيون أبناء الوطن .. كل عام والعهد هو العهد والقسم هو القسم ، ورحم الله ، كل من سار على درب الحرية ، حرا أبيا ساعيا ، بكل بذل ، من أجل شروق شمس الحرية .

.................................................. .................................................. ......................................

الفيزيائيPHY 28-09-2009 08:36

رد: يا الفيزيائيPHY،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
مشكوريييييين ... ونأسف ع التأخير

الفراشه999 29-09-2009 01:28

رد: يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟
 
وفقكم الله


الساعة الآن 13:31

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir