ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - ميكانيكا الكم
الموضوع: ميكانيكا الكم
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-11-2005, 01:48
الصورة الرمزية نووي1426
نووي1426
غير متواجد
فيزيائي فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2005
المشاركات: 124
افتراضي ميكانيكا الكم

ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين, ظهر اتجاه يرى أن التصورات العلمية ليست سوى (أدوات) جيدة للتعامل مع العلم وأنها لا تتسم بأي واقعية أكثر من غيرها من التصورات أو الأساطير. وهذا الرأي يمثل اتجاها أساسيا في فلسفة العلم المعاصرة يسمى (الأداتية) يتبناه علماء وفلاسفة مرموقون. ربما لا تجد في هذا التصور شيئا معقولا, ولكن إن شئت معرفة سبب نشأة ذلك الاتجاه الغريب, دعنا نتفحص معا أحد الأساطير العلمية المعاصرة, عالم العوالم المتعددة والاتصال عبر الكون والطاقة السالبة وعدم اليقين, عالم (ميكانيكا الكم).

يعتبر (الإلكترون) أشهر جسيم يعمل طبقا لقوانين ميكانيكا الكم, فهو يمثل لفظا مألوفا بالنسبة لكل إنسان, حتى الأطفال الصغار - فالأجهزة (الإلكترونية) هي جزء أساسي من الحياة المعاصرة, ونحن نتعامل معها في كل مكان تقريبا. ولكن ما هو الإلكترون على وجه التحديد? فهذا أمر لا نعرفه, و(نحن) هنا لا نعني الإنسان العادي فقط, وإنما أيضا العلماء. فالإلكترون هو أحد الجسيمات التي تتكون منها الذرة, وهو يدور حول الذرة في مدار محدد على مستوى محدد, وقد استطاع العلماء أن يحددوا بدقة كتلة الإلكترون بالنسبة لكتلة الذرة. والإلكترون يمكن أيضا أن يوجد حرا في الفضاء على هيئة إلكترونات حرة أو أشعة. والتصور الطبيعي لمثل هذا الجسيم هو أنه جسيم مادي محدد الشكل, على هيئة كرة مثلا, وأنه يتحرك طبقا للقوانين الطبيعية مثل أي جسم طبيعي آخر. فيمكننا - مثلا - أن نتنبأ أين يوجد وفي أي اتجاه يتحرك وبأي سرعة, إذا عرفنا موقعه الحالي وسرعته واتجاهه, وذلك مثل أي جسم طبيعي آخر.

ولكن الإلكترون يسلك في الواقع سلوكا مختلفا عن ذلك تماما, فإذا أطلقنا سيلا من الإلكترونات نحو حاجز به ثقب واحد وخلفه لوح حسّاس فسنجد أن هذا اللوح يضيء عند نقطة محددة تماما, كما هو متوقع, أما إذا استبدلنا ذلك الحاجز بحاجز آخر ذي ثقبين متجاورين فسنجد شيئا غريبا, وهو أن اللوح الحساس سوف يعطينا درجات من الإضاءة القوية والضعيفة فيما يعرف بظاهرة التداخل. فالإلكترونات في هذه الحال تسلك سلوك الموجات وليس سلوك الجسيمات. بل إنه إذا أسقطت الإلكترونات واحدا واحدا نجد أن نمط التداخل يظل موجودا, مما يعني أن الإلكترون الواحد قد مر خلال الثقبين في الوقت نفسه. والإلكترون يدور حول الذرة في مدارات محددة بمستويات طاقة معينة, فإذا انتقل إلى مستوى أعلى امتصّ وحدة من الطاقة (تسمى فوتونا), وهو ينتقل ما بين تلك المستويات دون أن يمر بالمسافة القائمة بينهما. والإلكترون لا يمكن معرفة مكانه وسرعته واتجاهه في الوقت نفسه. وذلك ليس بسبب عدم وجود أجهزة للقياس, وإنما بسبب أنه إذا عرفنا مكانه بدقة أصبحت سرعته غير محددة إلا بواسطة الاحتمالات, أما إذا عرفنا سرعته أصبح مكانه غير محدد, فهو يمكن أن يوجد في أكثر من مكان في الوقت نفسه.

والإلكترون في النهاية ليس جسيما وليس موجة, وإنما له الصفات المشتركة للموجة وللجسيم, ولذلك يمكنك تخيّل الإلكترون في أي هيئة تحتمل الصفتين, سحابة - مثلا - تهتز موجيا أو مجموعة من الخيوط المتراكبة التي تهتز موجيا أو غلالة تتشكل موجيا, ولن تكون تصوراتك تلك بعيدة عن تصورات العلماء. المهم هو أن يفي تصورك هذا بمتطلبات المعادلة الرياضية الموجية التي تحكم الإلكترون, والتي اكتشفها العلماء من خلال التجارب العلمية. وهذه المعادلة العلمية, والتي تسمى بمعادلة شرودنجر, هي المعادلة الأساسية في علم (ميكانيكا الكم) والتي أضيفت إليها صياغات أخرى على يد ماكس بورن وفيرنر هايزنبرج ثم بول ديراك. وتتضمن المبدأ الشهير الذي صاغه هايزنبرج والمسمى بمبدأ عدم اليقين. وهو المبدأ القائل إن موضع وكمية حركة أي شيء (سواء كان إلكترونا أو بروتونا أو نيوترونا...إلخ) لا يمكن أن يتحددا بدقة في وقت واحد, فإذا تمكنا من قياس أحدهما أصبح الثاني غير محدد إلا بصورة احتمالية.

لا أحد يفهم ميكانيكا الكم

ربما أصابتك تلك المعلومات ببعض الحيرة والارتباك, لا بأس, فهذا يعني أنك قد بدأت تفهم ماذا تعني (ميكانيكا الكم). وهذه ليست دعابة, وإنما هذا هو رأي العالم الشهير جون أرشيبالد ويلر من جامعة برنستون وأحد أكبر منظري ميكانيكا الكم وتلميذ نيلز بور. ويؤكد ذلك العالم الشهير ريتشارد فاينمان المعروف بمشاركته في صياغة نظرية المجالات (الكمية) عام 1947 وبنظريته في (حاصل جمع التواريخ) لتفسير نظرية (الكم) حيث يقول: (أظن أنني يمكنني القول بأمان إنه لا أحد يفهم (ميكانيكا الكم). وقد سبق للعالم الشهير ألبرت أينشتين المعروف بنظريته (النسبية العامة) أن اعترض بشدة على (ميكانيكا الكم), أما دانييل جرينبرج, وهو عالم مرموق من سيتي كولج في نيويورك, فيذكر أن أينشتين سبق أن قال (إنه إذا كانت ميكانيكا الكم حقيقة, فإن العالم يكون قد جن), ثم يضيف, (حسنا, أينشتين كان محقا, فالعالم هو حقا مجنون). أما أنتوني زيلينجر من جامعة إينزبروك فيقول: (بالنسبة لي الهدف الأساسي من عمل التجارب هو بيان مدى غرابة الفيزياء الكمية. ويضيف: إن معظم الفيزيائيين غاية في السذاجة لأنهم مازالوا يعتقدون في الوجود الحقيقي للموجات والجسيمات.

ولم تصدر تلك الآراء عن علماء مرموقين لأسباب خاصة برؤاهم الشخصية أو وجهات نظرهم الذاتية, وإنما صدرت بناء على ظواهر علمية حقيقية عاينوها في المعامل وأنتجوها في حساباتهم النظرية, وبالرغم من تعقيد تجارب العلماء فإن الأمر يحتاج إلى فهم مبسط لبعض تلك التجارب حتى نستطيع أن ندرك سبب اتخاذ هؤلاء العلماء هذه المواقف. ولسوف نحاول في السطور التالية تبسيط إحدى التجارب المشهورة في ميكانيكا الكم وتسمى تجربة (E.P.R) حتى يتبين لنا بصورة مباشرة مدى غرابة حركة الأجسام حسب ميكانيكا الكم.

وتجربة (E.P.R.) ليست سوى امتداد لتجربة (الثقبين) المعروفة والتي يتم فيها تمرير الضوء (أو الإلكترونات) من خلال ثقبين في حاجز وسقوطه على لوح حساس, وهي التجربة التي كان أول مَن قام بها هو توماس يونج في أوائل القرن التاسع عشر, وأثبت من خلالها أن الضوء يتكون من موجات. وقد سميت تجربة (E.P.R.) بهذا الاسم حسب الحرف الأول لأسماء ثلاثة علماء اعترافا بفضلهم, وهم: ألبرت أينشتين وبوريس بودولسكي وناثان روزن. ولكن بدلا من استخدام ثقبين لتقسيم أشعة الضوء, يتم استخدام جهاز لتقسيم الأشعة عبارة عن مرآة من الزجاج المصقول بالفضة, بحيث يعكس 50% من الأشعة بالضبط, ويمرر النصف الباقي. بالإضافة إلى ذلك, فإن أجهزة الاستقبال الحديثة يمكنها إظهار الفوتونات الفردية (وهي التي يتكون منها الضوء) حينما تسقط على الجهاز, حيث تضيء في نقطة معينة في وقت محدد مثل الجسيمات.

ولهذه التجربة مراحل عدة مصممة لبيان الظواهر الغريبة لميكانيكا الكم, ففي المرحلة الأولى مع إرسال ومضة ضوئية تنقسم الأشعة إلى قسمين وتسير بواسطة مرايا خاصة في مسارين مختلفين, ثم تلتقي عند جهاز الاستقبال مكونة درجات من الإضاءة القوية والضعيفة فيما يعرف بـ(نمط التداخل). وظهور نمط التداخل هو دليل على أن الفوتون الضوئي يتصرف على هيئة موجة, وأنه ينقسم في المسارين في الوقت نفسه, إذا تحدد مساره (وهي الحال الطبيعية) يتصرف كجسيم. أما إذا أتيحت له الفرصة لأكثر من مسار يتصرف باعتباره موجة.

وفي مرحلة ثانية, اقترح جون ويلر إضافة ما أسماه بالاختيار المتأخر, وذلك بإضافة جهاز كهربائي لأحد المسارين يمكن تشغيله متأخرا بعد مرور الفوتون الأصلي على جهاز الأشعة, بحيث يحول مسار الفوتون الجزئي إلى جهاز استقبال جانبي آخر. أي أن تشغيل الجهاز يتم في الفترة الزمنية ما بين سقوط الفوتون الأصلي على جهاز تقسيم الأشعة, ووصوله إلى جهاز الاستقبال الأول (وهي فترة زمنية ضئيلة جدا). ففي تلك الفترة يكون الفوتون قد مر على جهاز تقسيم الأشعة وتصرف على أنه موجة كما هي الحال في التجربة الأصلية, ولذلك يفترض أنه لا يمكن تغيير حالته بعد ذلك. ولكن عند إجراء التجربة وتشغيل جهاز تحويل المسار لأحد جزأي الفوتون بحيث يسقط على جهاز استقبال آخر, يتصرف الفوتون على أنه جسيم فلا ينقسم, ويذهب إما إلى المسار الأول الأصلي أو إلى المسار الثاني الجانبي, وإذا تم إيقاف جهاز التحول, متأخرًا, يعود الفوتون إلى وضع الموجة وينقسم إلى جزأين, بحيث يلتقي الجزآن مرة ثانية على جهاز الاستقبال الأصلي.

والمشكلة هي أننا نقوم بتشغيل جهاز تحويل المسار بعد أن يكون الفوتون قد مرّ على جهاز تقسيم الأشعة وتحددت طبيعته, ومع ذلك فإن الفوتون يأخذ القرار بالتصرف على هيئة الموجة أو على هيئة الجسيم متأخرا بعد تشغيل الجهاز أو إيقافه. فكيف يعرف الفوتون أننا (سوف) نقوم بتشغيل جهاز التحويل بحيث يختار الاختيار الصحيح بين التصرف كجسيم أو كموجة قبل قيامنا بتشغيل الجهاز فعلا. في هذه التجربة, يبدو أن الفوتون يتصرف كما لو كان مجرد التهديد بأننا يمكننا أن نحدد مسار كل من جزأي الفوتون, من خلال تشغيل جهاز التحويل, يؤدي إلى اتخاذ الفوتون لحالة الجسيم.

وفي مرحلة ثالثة بين فريق بقيادة ماندل من جامعة روشستر أنه يمكن إجبار فوتون ليتحول من الحال الموجية إلى الحال الجسيمية, وذلك من خلال جهاز مخفض للطاقة يمكنه أن يقسم الفوتون الواحد الذي له طاقة محددة إلى فوتونين ولكل منهما نصف الطاقة. وعند مرور الفوتون بهذا الجهاز ينقسم إلى نوعين, واحد يسمى الفوتون الإشاري والآخر يسمى الفوتون الخامل, وعندما تمر ومضة الضوء على مقسم الأشعة تنقسم إلى مسارين ثم يمر كل منهما على مخفض الطاقة, فينقسم مرة أخرى إلى إشاري وخامل, وفي النهاية يوجه كل مسارين معا بحيث يضم الإشاريين معا والخاملين معا, فينتج الفوتونان الإشاريان فقط نمط التداخل. ولكن على الرغم من الانفصال التام بين هذين المسارين في النهاية, فإنه إذا عطل العلماء مسار الفوتونات الخاملة يختفي نمط التداخل الخاص بالموجات الإشارية ويستبدل بنمط الجسيمات.

والمشكلة في هذه الحال هي أن الفوتون يجب أن يقرر اتخاذه للصورة الجسيمية أو الصورة الموجية فور سقوطه على مقسم الأشعة, فكيف يعلم بعد ذلك أننا قد عطلنا المسار الآخر والمنفضل عنه تماما حتى يقرر اتخاذ حال الجسيم. بل وأكثر من ذلك, فالمعروف أن محاولة قياس حركة الجسيم تؤثر على حالته, ولكن أثبت بعض العلماء في مرحلة تالية من هذه التجربة أنه يمكن محو آثار القياس على الجسيم فيتصرف كأنها لم تحدث بعد أن حدثت. وعلق على ذلك ادوين جاينس من جامعة واشنطن, وهو من العلماء المرموقين, في بحث له أن هذه العملية تشبه نوعا من تحضير الأرواح في القرون الوسطى.

التشابك والاتصال الآني عن بعد

ولكن عجائب ميكانيكا الكم لاتنتهي, فهناك لغز رئيسي لم يستطع أحد أن يفسّره حتى الآن, وهو ظاهرة الترابط. فهذه الظاهرة تكشف عن إمكان وجود اتصال ضمني بين أجزاء الكون عبر مسافات شاسعة من الزمان والمكان. فمن حيث المبدأ يمتلك كل فوتون زاوية استقطاب باعتباره موجة, ويمكن التأثير على الفوتون بحيث تتغير تلك الزاوية.

وفي تجربة تمت في هيئة الإشارات والرادار بإنجلترا تم إرسال زوج من الفوتونات في اتجاهين معاكسين من جهاز خاص يجعل الفوتونين مرتبطين من حيث زاوية الاستقطاب والعزم. وتم توجيه كل منهما إلى جهاز استقبال مختلف حيث يظهر على كل منهما نمط التداخل, وبإجراء القياس على أحد الفوتونين تبين أن الفوتونين يظلان مرتبطين كل منهما بالآخر بطريقة ما محيّرة تماما. وبمقتضاها فإن التأثير على زاوية الاستقطاب في أحد الفوتونين يؤثر لحظيا في قيمة تلك الزاوية عندما يجري القياس على الفوتون الآخر. والنقطة الحاسمة هي أن النتيجة الموجودة لأحد الفوتونات تحدد في الحال النتيجة التي يجب أن توجد في الفوتون الآخر, لأن نتائج القياسات على كل من الفوتونين مترابطة بصورة رياضية دقيقة. ولا يتأثر ذلك الارتباط بالمسافة بين الفوتونين. فمن الناحية النظرية سيظل ذلك التأثير قائما حتى لو أصبح أحد الفوتونين في أحد جانبي المجرة والآخر في الجانب الآخر منها. وتنطبق هذه الظاهرة هي الأخرى على أي منظومة (كمية) تخضع لقوانين ميكانيكا الكم, مثل مكونات الذرة المختلفة.

ولأن هذه التجربة تبين, من الناحية النظرية, أن التأثير على أحد الأجسام (الكمية) يؤدي إلى التأثير على الجسم الآخر (آنيا), فإن هذه الظاهرة تعد نوعا من الاتصال عبر المكان والزمان. ولأن الإشارات التلغرافية (صفر وواحد) يمكن تحويلها إلى رسائل ذات معنى, فإن هذه الظاهرة يسميها بعض العلماء بظاهرة (تليفون E.P.R).

وأكثر من ذلك فتخبرنا نظرية الكم أن ما نتصوره على أنه فضاء (خاو) في الواقع لا يمكن أن يكون خاويا بالكامل, لأن هذا سيعني أن كل المجالات, مثل مجالات الجاذبية والكهرومغناطيسية يجب أن تكون صفرا بالضبط, والمجال يحدد في ميكانيكا الكم من خلال قيمته (طاقته) ومعدل تغير تلك القيمة. وطبقا لمعادلة شرودنجر ومبدأ عدم اليقين إذا زادت دقة ما نعرفه عن أحد تلك المقادير قلت دقة ما نعرفه عن المقدار الآخر. وهكذا فإنه في الفضاء الخاوي لا يمكن للمجال أن يكون ثابتا عند الصفر بالضبط. وذلك لأنه يجب أن يكون ثمة قدر أدنى من عدم اليقين, أو تذبذبات للكم بالنسبة لقيمة المجال. ويمكن للمرء أن يتصور هذه التذبذبات كأزواج (سالبة وموجبة) من جسيمات الضوء والجاذبية تظهر معا في وقت ما وتتحرك منفصلة ثم تلتقي معا ثانية ويفني أحدهما الآخر. وهذه الجسيمات هي جسيمات تقديرية (أي حسابية فقط), ولا يمكن رصدها مباشرة بواسطة كشاف الجسيمات. ولما كان من غير الممكن استحداث الطاقة من لا شيء, فإن أحد الشريكين من أزواج الجسيمات سيكون له طاقة موجبة وللآخر طاقة سالبة.
رد مع اقتباس