السلام عليكم :
الأخ الكريم طرق2000 : حياك الله تعالى ..
قبل الإجابة على تساؤلك , أشير إلى ثلاث نقاط :
1 - كنتُ أود أن أطلع على كتاب الأستاذ هارون يحيى الذي أثار لديك تلك التساؤلات قبل هذه المشاركة لكي يكون للمناقشة ثمرة .
وإنني لآمل أن أكون قد وُفقتُ إلى فهم المعنى العام الذي ترمي إليه
والذي أحاول الإجابة على تساؤلك من خلاله , ونخرج من ذلك بنتيجة معتبرة ..
2 - أحسب أنك غير شارد عن
<< أننا أمة تعرف القائل بقوله .. ولا تعرف القول بقائله >>
فمهما ارتفعت وعَلَتْ منزلة القائل ودرجته والشهادات التي يحملها
فإن ذلك لن يكسبه مزية إضافية عن سواه , ولن يعصمه من أن يوضع قوله
تحت مجهر البحث والتدقيق العلمي المحكم ..
ومن شذ عن هذا الأصل , فلا يُعتد برأيه ..
فتحصيل العلم شيء
والحصول على الشهادات العلمية شيء آخر
ومن حصل على الأمرين معاً , فذلك خير على خير ..
3 - إن المرض العقلي هو الذي يمنع المتلبس به من الإنتاج الفكري المعتبر ..
أما المرض النفسي , إذا سلمنا بأنه
جنوح المرء في سلوك ما – أو أكثر - جهة الإفراط أو التفريط ..
فإنه لا يمنع المتلبس به من الإنتاج الفكري المعتبر عند أهل العلم والنظر
في وجه من الوجوه ..
* * *
أخي الكريم : قلتَ في مشاركتك الأولى :
(( ... موضوع هل العالم حقيقي ام افتراضي.... حيث ان الانسان عندما ينظر يعينيه فهو بالحقيقة يرى انعكاس الفوتونات والتي بدورها تنعكس ويتم ترجمتها الى اشارات كهربائية يتم التعرف عليها بالدماغ ....وهذا يعني حسب مافهمت انه لو افترضنا جهاز تم توصيله براس الانسان وله القدرة على ترجمة احداث مثل حادث سيارة الى اشارات كهربائية بدماغ الانسان ... فان شعور الانسان سيكون حقيقيا وبالتالي هي مشابهة لما يحدث لمن اصابه حادث على طريق ما... ))
وقلتَ : (( ... وبصراحه اصابني هذا بالاحباط لان كثير من قناعاتنا تنطلق من كون مادي حتى الدين يقوم على اساس مادي من كون وجود المخلوقات فاذا حدث ان مانراه هو عباره عن موجات او ذبذبات تترجم فقط بالدماغ بشكل اشارات كهربائية فهذا دليل على اننا نعيش في كون افتراضي مفهومه الكهرباء والفوتونات ... ))
أقول :
أولاً :
لننظر في المثال ( الشجرة ) الذي سقتَه عن الأستاذ هارون يحيى في مشاركتك ( 11 )
ولنفرض أن الشجرة شجرة تفاح
فإذا كان ما يصل إلينا منها عبارة عن فوتونات تترجم عبر حواسنا إلى إشارات كهربائية ليتم تصويرها في الدماغ
وعند اقترابنا منها وملامستها
نشعر بوجود جذع وأغصان وأوراق وثمار لها
وإذا كنا نشعر بالألم عندما نُشاك بشوكها
وإذا كانت تخرج من أجسادنا الدماء عندما نحتك بها بشدة وتحدث لنا جروحاً
وإذا كنا نقطف ثمارها .. ونأكلها .. و نتلذذ ونتغذى بها
وإذا كنا نأخذ ما خرج منها من بذور , ثم نغرسه في الأرض .. ونسقيه ماء .. ثم تنبت به شجرة نظيرة للأولى
..... إلخ
إذا كان كل ذلك يحدث ( أي : تبادل التأثير في الأمر المرصود )
فقد تعارف العقلاء على تسمية هذا الأمر ب ( الحقيقي أو الواقعي )
فسمِهِ أنت ما شئتَ
واقعي .. وهمي .. حقيقي .. افتراضي .. مادي .. معنوي ..
فلا مشاحّة في الاصطلاح ..
ولكن ! يبقى عليك أن تذكر التعريف كاملاً , كلما ذكرتَ المصطلح الذي ترضاه , وكان مغايراً لما تعارف عليه الناس
لكي لا تختلط الأمور , ويعلم محدثك عن أي شيء تتحدث ..
ثانياً :
في قولك : (( ... وهذا يعني حسب مافهمت انه لو افترضنا جهاز تم توصيله براس الانسان وله القدرة على ترجمة احداث مثل حادث سيارة الى اشارات كهربائية بدماغ الانسان ... فان شعور الانسان سيكون حقيقيا وبالتالي هي مشابهة لما يحدث لمن اصابه حادث على طريق ما... ))
أقول :
نعم ! أخي الكريم ..
فإن شعور الإنسان الذي يتم توصيل دماغه ....
بجهاز يحاكي بإشاراته إشارات حدث ما
إن شعوره سيكون مطابقاً لوقوع الحدث الحقيقي ( حسب التعريف السابق )
ولكن !
كم سيستمر هذا الشعور ؟
وهل سيتفاعل معه كما تفاعل مع ( مثال الشجرة ) ؟ أي : هل سيتبادلان التأثير ؟
فإذا لم يتبادلا التأثير
فهذا ما يسمى ب ( التخيل )
والتخيل ( وهو توهم وجود أشياء غير موجودة ) ينشأ إما عن خلل في الجهاز العصبي
وإما عن وجود مؤثرات خارجية ( غير تبادلية ) تحاكي مؤثرات الأمر الواقعي ( كالسراب الذي يحسبه الناظر إليه ماء )
- والخلل , أو الأمراض , التي تصيب الجهاز العصبي وتجعل صاحبه يتخيل أشياء لا وجود لها في الواقع , كثيرة –
وقد حدثنا القرآن المجيد عن شيء من المؤثرات الخارجية ( غير التبادلية ) التي تحاكي مؤثرات الشيء الحقيقي
قال الله تعالى في سورة طه :
﴿ َقالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ( 65 )
َقالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( 66 )
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ( 67 )
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ( 68 )
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ( 69 )
َفأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ( 70 ) ﴾
فقد استطاع السحرة أن يبتكروا مؤثرات تحاكي حركة الأفاعي
ويجعلوا الناظر إليها يتخيل أنها تتحرك وتكاد تصل إليهم
ولما ألقى موسى , على نبينا وعليه السلام , ما في يمينه , وأخذت تتفاعل مع ما حولها ﴿ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ﴾
أدرك السحرة أن الأمر حقيقي وليس سحراً ولا تخيلاً , فأذعنوا له , وكانوا أول من أسلم من الشاهدين ﴿ أُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾
خلاصة ما تقدم أخي الكريم :
تعارف الناس على أنه
إذا كانت المؤثرات متبادلة , فالوجود واقعي حقيقي
وإذا كانت من طرف واحد , فالأمر تخيلي .
ثالثاً :
إذا كان تحاملك على الأستاذ هارون يحيى , منشؤه هذا الأمر , فآمل أن تكون قد اتضحت لك الصورة .
أما إن كان تحاملك عليه لأمر آخر , فيبقى ذلك مرهوناً بما عندك .
ولكم تحياتي