ميكانيكا الكم من العلوم الأساسية لفهم عمل الكون وان كانت تتعارض مع منطق تفكيرنا وتقييمنا وتفسيرنا للأشياء ، فهذا العالم المخلوق لنا وفق ادراكاتنا وأحاسيسنا ولطائفنا نراه ونلمسه هو عالم كثيف مغشى بالأنوار اللطيفة ، ما أبصرتم وما لم تبصروه ، والمتابعون لتطورات العلوم على مدى الأزمان والعصور يلمس كيف تحطمت النظريات الكلاسيكية في علوم الفيزياء وكيف تفرعت علوم تدرس أعماق جزئيات الذرة وما دونها حيث بدت لهم قوانينها مختلفة ، وقد لا يعرف علماء الغرب لما هذا التغير كلما تعمقوا في دراسة المادة ، وهذا سؤال حير عقولهم وأصابتهم الدهشة ، وأبسط مثال سأذكركم به في هذا المجال العلمي حتى لا تخفى عليكم حقائق هذه الأنوار ، فالنيوترينو هو أكثر الجسيمات تحت الذرية إثارة بالنسبة لعلماء الفيزياء الذرية و ذلك لكونه أكثر مراوغة و غموضاً إذ من الصعب العثور عليه أو تطويقه و هو عصي تماماً على الإمساك به و تعجز كل المواد عن صده أو امتصاصه كما أنه متعادل كهربياً و يستمتع بتبديل هيئته ، فله ثلاث هيئات يتنقل بينها و هو ما يسمى بتذبذب النيوترينو وله أسرارلطيفة لا تفهم الا بفهم المعادلة الكبرى التي ألفت بين مكونات هذه الجسيمات المخلوقة وتفاعلاتها والتي تمثل أسس هذا النظام البديع ، وكما ذكرت سابقا أن عالمنا كثيف كلما تعمقنا وغصنا في دراسته ستتبين مثل هذه اللطائف حتى لا يبقى أثر لهذه الكثافة وننتقل بذلك مع هذه الأسرار الى أنوار من اللطائف ، والعلم الذي يظن أنه وصل الى مشارف الحقيقة فعند ذلك يبدأ جهله ، لذا فهذه حقائق تجعلنا نفقه مدلول قوله تعالى (وما أوتيتم من العلم الا قليلا ) الآية، فالعالم الغربي مهما درس وتعمق قد لا يرقي فهمه أن يفقه قول الله تعالى ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) الآية ،
وبكل بساطة سنشرح ذلك ، فالمتأمل يرى أنه مرت حضارات عديدة على هذه الأرض اتسمت بقوة ذكاءها لكن
ذلك لم ينفعها وانهارت وبادت لأنه لم يكن لها نور تهتدي به ، وهذا الكون بما فيه هو حقا مسبح لله وهذا يعني أن أسسه قائمة على نفي ما يستدعي نقصا أو حاجة مما لا يليق بساحة كماله تعالى في خلقه البديع ، والمراد بتسبيحها حقيقة هو أن لها حيا حاضرا موجداً تشهده لطائفكم منزّهاً من كل نقص متصفاً بكل كمال ، وذلك
مسطور في بناءاتها وأزواجها ونظائرها وأضدادها بكتل تساوت نسبها بانسياب محكم لأداء محكم يفوق كل التصورات والمدارك ، فهذه الزوجية المتجلية في كل شيء مخلوق ، إنما هي صفة بثها الله بوحي منه سبحانه في كيان كل مخلوق حتى تشهد المخلوقات بإفراد الوحدانية للخالق ، فالله تعالى خلق من كل شيء زوجين حتى في أقصى تراكيب الذرة وما دونها وفي ذلك سر من الأسرار عاكس لنور المكوِّن في دلالة على تفرد الخالق سبحانه بإفراد الوحدانية وكمال الأحدية له وحده، وإضفاء صفة الزوجية على كل ما سواه، حتى يشكل الكون مرجعًا تجريبيًّا لتأسيس النماذج التفسيرية الموصلة إلى فهم حقيقة الوجود، فكان من أجل ذلك أن خُتمت الآية بقوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات:49) من قوله تعالى في محكم كتابه العزيز ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) الذاريات 49