
01-03-2007, 04:04
|
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2006
المشاركات: 669
|
|
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين ج2
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين ج2
يتصور أينشتاين كعادته حالة خيالية : مصعد في إحدى ناطحات السحاب الهائلة انقطع حبله فأخذ يهوي هوياً إلى الأرض , وكان في هذا المصعد بضعة علماء فيزياء يجرون بعض التجارب ولا يرون شيئاً من أمر هذه الكارثة التي ستودي بحياتهم , فتناول أحدهم بعض الأشياء من جيبه صدفةً منديل وقلم وقطعة من النقود و ساعة ...إلخ , وكأن عارضاً وقع له فأوقعتها يده , ولشدة ما كانت دهشة الجميع أن هذه الاجسام ظلت معلقة في الهواء , فإذا كان ثمة مراقب خارجي فإنه لا يرى في الأمر أي جديد , فالمصعد بما ومن فيه يهوي إلى الأرض بسرعة واحدة كما في تجربة غاليلو , وأما العلماء فلما كانوا يجهلون حراجة حالهم فقد فسروا هذه الظاهرة العجيبة بأن عفريتاً من الجن قد نقلهم خارج مجال الجاذبية , وبأنهم مستقرون الآن في الفضاء الخالي , ولهم كل العذر في هذا الظن , فأقدامهم تكاد تلامس الأرض وجيوبهم الملأى بالمعدات العلمية انعدم ثقلها والميزان الذي يحملونه معهم لم تعد كفتاه ترجح إحداهما على الأخرى ولو وضعوا فيهما أثقالاً مختلفة , وإذا قفز أحدهم إلى أعلى فإنه يطفو قريباً من السقف , وإذا دفع بقطعة من النقود في اتجاه ما فإنها تسير في هذا الإتجاه أي في خط مستقيم بسرعة واحدة مطردة حتى تصطدم بجدارالمصعد , لقد انعدمت الجاذبية في عالم هؤلاء بتأثير تسارع مصعدهم وأصبح كل شيء فيه يسير حسب ناموس غاليلو ’ ولذلك فيسمى هذا العالم نظاماً غاليلياً , فأي شيء يُدفع فيه في اتجاه ما يظل يسير في خط مستقيم إلى أن يصطدم بالجدار .
لنفرض الآن أن مارداً عملاقاً نقل المصعد حقاً إلى الفضاء الخالي البعيد عن جاذبية الأرض ثم ربط سقفه بحبل وأخذ يجره إلى أعلى , فيرتفع المصعد متسارعاً تسارعاً ثابتاً , ولا يزال العلماء الذين فيه على جهل بحقيقة أمرهم ويجرون تجاربهم كالعادة كأن شيئاً لم يكن , عندئذٍ سيشعرون أنهم يضغطون على أرض المصعد بقدم ثابتة , وإذا قفزوا فلا يطفون قرب السقف , وإذا ألقوا بأشيائهم فإنها تقع على الأرض , وكذلك إذا دفعوا بشيء أفقياً فلا يسير بخط مستقيم بل بخط منحنٍ , ففي هذه الحالة يرجع إليهم صوابهم ويوقنون بأنهم يعيشون في الحياة العادية على سطح الأرض حيث تسيطر الجاذبية , بينما المراقب الخارجي فلا يخفى عليه أمرهم ويعلم أنهم يتصاعدون , أما هم فليس لديهم وسيلة للبت فيما إذا كانوا في المجال الجاذبي أو أنهم يصّاعدون متسارعين تسارعاً ثابتاً في أعماق الفضاء حيث لا جاذبية هناك .
إن هذه السكينة بعينها تساورهم أيضاً إذا رُبطت حجرتهم بحافة عجلة هائلة تدورفي الفضاء الخارجي , فالتصاعد في التجربة السابقة يقابله هنا فعل القوة الطاردة المركزية فيحسون أن شيئاً يشدهم إلى أرض المصعد فإذا كان هناك مراقب خارجي فلا يخفى عليه أن القوة التي تشد بهؤلاء العلماء في المصعد المزعوم هي قوة القصور الذاتي , لكن العلماء الذين هم داخل الحجرة لما كانوا يجهلون حقيقة أمرهم فإنهم يعزون هذه القوة إلى الجاذبية , لأنه إذا كانت حجرتهم فارغة لا معالم فيها فلا شيء يمكنهم من معرفة ما هو السقف وما هي الأرض , اللهم إلا القوة التي تشدهم إلى جهة دون أخرى , فما يسميه المراقب البعيد جداراً خارجياً للحجرة يسميه أصحاب هذه الحجرة أرضاً لها , حيث ليس في الفضاء الخارجي جهة ( فوق ) و ( تحت ) فما نسميه نحن على سطح الأرض ( تحت ) إنما هو اتجاه الجاذبية , كذلك العلماء الذين هم في داخل الحجرة المربوطة بالعجلة سيجدون أن جميع تجاربهم متفقة اتفاقاً تاماً مع نتيجة التجارب التي أجروها عندما كانت حجرتهم تصّاعد في الفضاء الخارجي , فأقدامهم ثابتة وأشياؤهم تسقط على الأرض كالعادة , فيعزون هذه الظاهرة إلى قوة الجاذبية , ويعتقدون أنهم ساكنون في مجال جاذبي .
يخلص معنا مما سبق أن التجاذب صنو القصور الذاتي , فكل تغيير في الحركة المطردة أو الإتجاه يصحبه انتفاضة القصور الذاتي الذي يهب لمقاومة التغيير , وهذه الإنتفاضة تشد الجسم في عكس اتجاه الحركة فينشأ عن ذلك شعور ظاهري بالجاذبية , إذن ففي كل نظام غير غاليلي ( كالحجرة الدوارة والمصعد المتسارع للأعلى الذي يرتفع بسرعة متزايدة ينتج عنها تغيرفي الحركة ) يسود مجال جاذبي , ومن شأن هذا المجال أن يؤثر في الظواهر الطبيعية حوله .
....يتبع
|