ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - فراشة في طوكيو تحدث اعصارا في نيويورك
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10-10-2005, 11:03
الصورة الرمزية غازي
غازي
غير متواجد
فيزيائي قدير
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 1,272
افتراضي مشاركة: فراشة في طوكيو تحدث اعصارا في نيويورك

السياحة (أو هكذا ظن على الأقل!). وبعد أن أفاق مُعمر من هول الصدمة, أخذ يفكر بالذي حدث ورجع بذاكرته إلى الوراء قليلاً عندما كان في شركته التي يعمل بها وكيف أحس بالجوع - على غير العادة - فقرر أن يخرج ليتناول الطعام خارج الشركة, ولكن لماذا أحس بالجوع - على غير العادة؟.. رجع قليلا إلى الوراء أيضا فتذكر أنه لم يفطر ذلك الصباح - على غير العادة أيضا - فقد استيقظ من نومه متأخرًا.. لماذا؟ لأن ابنته الصغيرة قامت في الليلة البارحة مذعورة بعد أن أحست بعضة بعوضة أيقظتها فأخذت تبكي فاستيقظ هو ولم يستطع أن ينام إلا بعد صلاة الفجر!

لعلك - أيها القارئ الفطن - قد أدركت المغزى من هذه القصة والتي - وإن كانت خيالية في صياغتها - إلا أنها واقعية جدًا في مضمونها وربما استدعت من ذاكرتك - لو تأملت قليلاً - الكثير من مثيلاتها. ولعلك أدركت أيضا وجه الشبه بين خفق الفراشة لجناحها في مكان ما وتسببها على المدى الطويل في حدوث إعصار في مكان آخر وبين عضة البعوضة التي أصابت طفلة صغيرة في بيت من البيوت لتحدث بعد تراكم آثارها وفاة لرب أسرة وتيتيمًا لأطفاله الذين ستأخذهم الأقدار إلى مستقبل آخر مختلف تمامًا عما كان يتصور أبوهم. وكما أن هذه الصورة محزنة مؤلمة فقد كان يمكن أن يكون ضحية الحادث رجلاً آخر غير هذا الأب المسكين, كان يمكن أن يكون شخصًا بغيضًا مؤذيًا, أو آخر جائرًا جبارًا شاء الله بلطيف تدبيره أن يجعل مصرعه على يد بعوضة لتستريح منه البلاد ويتخلص منه العباد: {وما يعلم جنود ربك إلا هو}(سورة المدثر, آية 31).

يتبين لنا من هذا المثال أن الإنسان كائن فوضوي (أعتذر مرة أخرى عن استخدام المصطلح - وخصوصا للقراء «المنظمين»!) لذا فلا يمكن التنبؤ بما سيحدث له في المستقبل بسبب كثرة المؤثرات التي حوله والتي تتفاعل بدورها مع إرادته التي منحه الله إياها لتصنع مستقبله. بل إن الأمر أعقد من ذلك فليست إرادته فقط هي التي تتفاعل مع الظروف المحيطة به, بل هناك إرادة غيره من البشر الذين يعرفهم أولا يعرفهم والأحداث التي تقع لهم كل ذلك يؤثر في مستقبله. وقبل هذا وبعده تأتي المشيئة الإلهية التي لا تَنِدُّ عن هيمنتها مشيئةُ مخلوق, ومحصلة القول أن العلم بمستقبل الإنسان مستحيل بشهادة العلم وبشهادة الله قبل ذلك, وأي شيء أكبر منه شهادة! وصدق الله إذ يقول: ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا وما تدري نفس بأي أرض تموت)( سورة لقمان, آية 34)

التنبؤ من مكان بعيد!
رد مع اقتباس