ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - المادة المظلمة
الموضوع: المادة المظلمة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-03-2016, 18:07
الصورة الرمزية فتحي مكي
فتحي مكي
غير متواجد
فيزيائي فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
الدولة: اليمن
المشاركات: 167
Lightbulb المادة المظلمة

المادة المظلمة :
تحتوي مجرة نموذجية على ما يزيد عن المليار نجم , و تبقى المجرات متماسكة فيما بينها بسبب الجاذبية التثاقلية بين مكوناتها , كذلك تترابط مجموعات من المجرات مع بعضها بسبب الجاذبية مكونة ما يسمى العناقيد المجرية , لاحظ الفلكي السويسري الفريد زويكي , أن الكتلة المرئية للمجرات "ممثلة في النجوم التي تساهم بالجزء الاكبر منها" لا تعطي الكتلة الكافية لإبقاء المجرات و عناقيد المجرات و حتى العناقيد الفائقة متماسكة فيما بينها , و أفترض وجود مادة غير مرئية أو مظلمة تساهم بالجزء المتبقي من تلك الكتلة .
في الحقيقة تشير الأرصاد الفلكية حسب مسبار wmap أن الكتلة المخفية أو كتلة المادة المظلمة تفوق كتلة الكون المرئي بنحو خمسة أمثال , وهو فرق هائل , فما هو الشيء الذي لا نراه و يفوق كتل كل النجوم في الكون المنظور بخمسة أضعاف , بالطبع تمثل النجوم الجزء الأكبر من كتلة المادة الباريونية في الكون و الباريونات هي البروتونات و النيوترونات التي تشكل الجزء الأكبر من كتل الذرات بينما يكون إسهام الإلكترونات أقل من ذلك و بسبب أننا مكونين من ذرات و نعيش على كوكب يتكون من ذرات و يدور حول شمس تتكون من ذرات , نعتقد بأن المادة الباريونية هي الأكثر شيوعا في الكون , و لكن في الحقيقة توجد جسيمات أكثر شيوعا من المادة الباريونية , تمثل الفوتونات و النيوترينوات أكثر الجسيمات شيوعا في الكون بحيث يوجد مقابل كل باريون مليار فوتون و نيوترينو في الكون , ففي هذه اللحظة تمر الملايين من النيوترينوات خلال جسدك و كأنك غير موجود في طريقها , بالطبع بالرغم من شيوعها لا تتفاعل النيوترينوات مع المادة الباريونية إلا من خلال الجاذبية الثقالية و القوى النووية الضعيفة و هذا يجعلها قادرة على العبور خلال جدار من الرصاص يبلغ سماكته سنة ضوئية دون أن يعترض سبيلها شيء , و هذا يجعلها شبه مظلمة و لكنها تتفاعل من خلال القوى النووية الضعيفة ما يجعل من الممكن رصدها , و بالرغم من وفرتها إلا أنها تمتلك كتل صغيرة جدا جدا بحيث لم تجرى تجربة قياس دقيقة لها حتى الآن , و بالتالي لا يمكن أن تكون هي المتسبب في تلك الكتلة المفقوده .
يعتقد البعض بأن الثقوب السوداء ربما تكون هي المسئولة عن تلك الكتلة المفقودة , و لكن قبل التسرع في طرح الأفتراضات دعنا نلقي نظرة فاحصة للمشكلة بحيث يسهل تحديد المكان الذي يجب أن نبحث فيه عن الحل.
لنأخذ مجرتنا درب التبانه على سبيل المثال , تدور مجرتنا شأنها شأن كل المجرات الحلزونية حول مركز المجرة حيث تتكثف أغلب كتلة المجرة , تدور كل نجوم المجرة حول نفس المركز , تماما كما تدور الكواكب حول الشمس و لكن مع اختلاف جوهري.
في حالة الشمس تدور الكواكب بسرعات متفاوته بحيث تزيد كلما أقترب الكوكب من الشمس , بينما في حالة المجرة بالنسبة للنجوم الموجودة خارج الإنتفاخ المركزي نجد أنها تدور كلها بنفس السرعة الخطية "بمعنى لو قيست من ناحية المسافة المقطوعة في نفس الزمن" , ففي حين تهيمن جاذبية الشمس على الكواكب مجبرة إياها بالتحرك أسرع كلما أقتربت منها يبدوا في حالة النجوم أن الجاذبية المهيمنة تنتج من كتلة منتشرة في كل مكان في أنحاء المجرة بكثافة هائلة بحيث تبدوا وكأن كل المادة في المجرة من نجوم و كواكب و سدم ...إلخ مطمورة داخل ذلك البحر من تلك الكتلة غير المرئية التي تفوق كتلتها خمسة أضعاف كتلة المادة الباريونية في كل المجرة , ما يجعل المجرة و كأنها تدور كقرص واحد , فما الذي يحدث هنا حقا؟ .
لماذا لا نرى أي أثر لهذة المادة برغم من وفرتها غير العادية في الكون , و لكن نلاحظ فقط تأثير جاذبيتها الثقالية؟ .
لو كانت المادة المظلمة عبارة عن جسيمات من نوع ما فإن تلك الجسيمات كالنيوترينو لا تتفاعل من خلال القوتين الكهرومغناطيسية و لا القوى النووية القوية و بخلاف النيوترينو فهي لا تتفاعل مع القوى النووية الضعيفة , ما يجعلها شبحية أكثر من الجسيم الشبح نفسه , بالتالي مهما ركضت خلالها فلن تتلامسا أبدا و سيمر كل منكما عبر الآخر و كأنه غير موجود , و بالتالي لا يوجد جهاز يمكن أن يصنع من المادة الباريونية "من أي مادة مكونة من ذرات" أن يكشف وجودها بطريقة مباشرة , كما يتم الكشف عن الجسيمات الأخرى .
ولكن بما أنها تظهر تأثير ثقالي فيمكن قياس تأثيرها على سلوك المجرات و العناقيد المجرية المغمورة داخلها و يبدوا أن تلك الجسيمات لو وجدت ليست فقط خاملة و لكن باردة أيضا فهي لا تتفاعل فيما بينها و تمتلك طاقات متدنية بحيث تكون كالبحيرة الراكدة "فكثافاتها تظل شبه ثابتة مع مرور الوقت".
تقدم فيزياء الجسيمات بعض المقترحات لوجود مثل تلك الجسيمات , وافتراض وجود تناظر فائق بين البوزونات و الفرميونات , فكل المادة الباريونية مكونة من فرميونات و هي جسيمات أولية تمتلك تدويم كسري كالإلكترونات و الكواركات و تخضع مثل هذه الجسيمات لمبدأ باولي للإستبعاد فعلى سبيل المثال لا يمكن لإلكترونين أن يشغلا نفس الحالة الكمية و لو تواجدا في نفس مستوى الطاقة داخل غلاف ذرة مثلا فيجب أن يكون لهما إتجاه تدويم متعاكس و لا يمكن أن يشغلا نفس المكان في نفس الوقت و لهذا لا تستطيع أن تمشي من خلال الحائط .
بينما تنتقل القوى بين الفرميونات عبر جسيمات وسيطة تسمى بوزونات تمتلك البوزونات تدويم يمثل باعداد صحيحة و بالتالي لا تخضع لمبدأ باولي و يمكن أن يشغل بوزونان نفس الحيز في نفس الوقت .
الآن تخبرنا نظرية التناظر الفائق بإنه يوجد لكل فرميون نظير فائق عبارة عن بوزون فائق و لكل بوزون نظير فائق عبارة عن فرميون فائق و يمكن لبعض تلك النظائر الفائقة أن تمتلك خواص ترشحها أن تكون هي المادة المظلمة , ولكن لا نتائج تجريبية حاسمة حتى الآن .
يعتقد البعض بأن البحث عن المادة المظلمة يكمن في تعديل قوانين الجاذبية المعروفة على مقاييس فلكية , يقول روجر بنروز أن النسبية العامة تصل حدود دقتها إلى جزء من مائة مليون مليون و هي دقة مذهلة ولكن بالنسبة لما يتعلق بالحقيقة التي ننشدها عندما نتحدث عن ما هو الكون فهي مازالت غير كافية .
تبلغ حدود دقة الميكانيكا النيوتونيه جزء من عشرة ملايين جزء و هذه الدقة رائعة في حدود حياتنا اليومية فبمكانيكا نيوتن يمكن إطلاق أقمار صناعية و صنع سيارات الفورملا , لو قمنا بعمل قياسات بدقة أكبر نستطيع رؤية إنحرافات طفيفة جدا عن التوقع النيوتوني و هذا يعني أنها تقريبية صالحة في ظروف معينة فقط , و كان عطارد لقربه من الشمس و تعرضه لقوة جذب أكبر من غيره من الكواكب يظهر إنحرافا عن التوقع النيوتوني ما جعل إينشتاين يحاول أن يوجد نظرية أكثر عمومية , وتوصل إلى نسبيتيه الخاصة و العامة و تم أختبارهما كثيرا بطرق عديدة و أظهرتا نتائج صحيحة في حدود دقة مذهلة.
فهل تكون النسبيتان حالات خاصه لنظرية أشمل ؟.
بعد إطلاق ناسا رحلتيها لمركبتين غير مأهولتين بايونير10 و بايونير11 و على خلاف الرحلات المعهودة سيكون على بايونير10 و بايونير11 الذهاب نحو المشتري و زحل ثم مغادرة المجموعة الشمسية و هي مسافات نادرا ما تصنع من أجلها مركبات فضائية كما أن المركبتين مجهزتين بنظام دقيق يقوم بعمل قياسات و حسابات حساسة جدا للبقاء في مساره و لإبقاء هوائياته موجهة دائما نحو الأرض .
بعد تجاوزهما مسافة تزيد عن ثلاثة مليارات كيلومتر بدأت تظهر بيانات الرحلتين المرسلة نحو الأرض أن المركبتين تتعرضان لقوة طفيفة جدا تعمل بإتجاه الشمس دوما تجعل المركبتان تتعرضان لتقاصر في سرعتهما بمقدار يبلغ 8.7 مضروبة في عشرة أس سالب عشرة متر لكل ثانية مربعة جاعلة المركبتان تحيدان عن نبوءات الميكانيكا النيوتونية و النسبية , بالطبع ظهرت الكثير من التفسيرات بعد ذلك وتبنت ناسا تفسير يعتمد على تأثير حراري , يعتقد البعض الآخر أنه آن الآوان لتعديل قانون القصور الذاتي ما يجعل كل الميكانيكا المعروفه بحاجة للتعديل , فتلك القوة لا تؤثر على الكواكب البعيدة كالمشتري و زحل حيث لا تظهر كواكب المجموعة الشمسية أي شذوذ عن تنبؤات النسبية العامة بخلاف مركبتا الفضاء, أغلقت ناسا القضية و لكن محبي المعرفة مازالو غير راضيين عن النتيجة , ما يجعل الموضوع اكثر غرابة هو أن قيمة ذلك التسارع نحو الشمس قريبة جدا من العجلة الناتجة عن ضرب ثابت هابل في سرعة الضوء.
فهل تحتاج النسبية العامة إلى تعميم أم أن هناك عوامل خفية مازالت مجهولة بالنسبة لنا كما تقترح فيزياء الجسيمات؟ .
لا تتسع المقالة لتفصيل مثل هذه التساؤلات ولكن يجب معرفة أن لغز المادة المظلمة مازال مفتوحا حتى اللحظة.
رد مع اقتباس