ملتقى الفيزيائيين العرب > منتديات أقسام الفيزياء > منتدى الفيزياء الكونية. | ||
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين |
الملاحظات |
مشاهدة نتائج الإستطلاع: | |||
0 | 0% | ||
المصوتون: 0. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين - ج 1 من المعلوم أن ركيزة ميكانيك نيوتن هي مبدأ القصور الذاتي , ومؤداه أن أي جسم يظل ساكناً أو يتابع حركة مطردة مستقيمة مالم تؤثر فيه قوى خارجية تحيد به عن ذلك فالقصور الذاتي هو الذي يخلق فينا الإحساس الذي نستشعره حينما تقف السيارة فجأة أو تغير اتجاهها فجأةً , فجسمنا يميل بطبعه إلى الإحتفاظ بحركته المطردة المستقيمة , لكن إذا طرأ عليه ما من شأنه أن يعكر صفو هذه الحركة فسرعان ما يهب لمقاومته كردة فعل لمنعكس عصبي فنحس بذلك الشعور أو الإحساس . ولقد أثبت هذا المبدأ غاليلو ( 1564 - 1642 ) أولاً عندما دفع بكرات على سطوح يتفاوت انحناؤها , فمثلاً إذا دفعنا بكرة على سطح أفقي مصقول صقلاً تاماً فإنها تنزلق عليه في اتجاه واحد , وتكاد تكون بسرعة واحدة لولا أن مقاومة الهواء لها واحتكاكها بالسطح يتدخلان في انزلاقها فيضطرانها إلى الوقوف في نهاية الأمر , ولو استطعنا أن نمنع هاتين المقاومتين إذن لما تزحزحت الكرة عن سيرها ولظلت منطلقة إلى الأبد في اتجاه واحد وبسرعة واحدة , وجاءت تجارب أخرى مؤيدة لهذا المبدأ , ولكنه على كل حال لم يثبت ثبوتاً قطعياً , لأن من المستحيل عملياً عزل الجسم عن كل تأثير خارجي . ثم جاء نيوتن فلم يكتفِ بتحقيق هذا المبدأ على أسس أرضية بل راح يتطلع إلى تحقيقه في عالم النجوم ، حيث قال : إننا إذا صرفنا النظر عن التأثير الجاذبي لسائر الأجرام السماوية وعلى قدر ما في وسعنا لكي نحكم على هذا الأمر , فإنه يبدو لنا أن السيارات تحتفظ باتجاهها وسرعتها بالنسبة إلى قبة السماء , لكن آينشتاين يعترض على الجملة ويرى أنها حكم مسبق على الأمور , إذ لا بد من إثبات ذلك من أجل التسليم بالأمر , حيث يفترض أينشتاين أن السيارات ( الأجرام ) لا تجري حرة طليقة من كل قيد , وأنها بالتالي مقهورة في حركتها بقوة سماها نيوتن الجاذبية الكونية , فعلى رغم كون مبدأ القصور الذاتي مبدأ تقريباً في نظر أينشتاين , فإن نيوتن يعتبره قطعياً ونهائياً , ولذلك فإنه عندما لاحظ نيوتن أن السيارات لا تسير في خط مستقيم بل تدور دوراناً استنتج أنها تخضع لقوة مركزية هي الجاذبية افترضها فرضاً مثلما كان يفرض من قبل الزمان المطلق والمكان المطلق . وفي الطبيعة ظاهرة فريدة من نوعها اكتشفها غاليلو : إذا ألقينا أجساماً مختلفة من مكان مرتفع فإنها تسقط على الأرض بسرعة واحدة مهما تكن طبيعتها , على أن يجري ذلك في وعاء مفرغ من الهواء , فالحديد والقطن يصلان إلى الأرض في وقت واحد معاً , وتبدو هذه الظاهرة خروجاً على مبدأ القصور الذاتي , فإذا كان هذا القانون صحيحاً فما بال جميع الأجسام تنتقل عمودياً ( أي تسقط ) بسرعة واحدة بغض النظر عن أحجامها وكتلها , بينما الأجسام التي تدفع أفقياً تنتقل بسرعات تختلف باختلاف كتلتها , كأن عامل القصور الذاتي لا يؤثر إلا في الإتجاه الأفقي ؟ هنا انبرى نيوتن لحل هذا اللغز فقرر في قانونه المشهور أن القوة الخفية التي يجذب بها جسم جسماً آخر تكبر بنسبة حاصل جداء كتلتيهما على مربع المسافة بينهما , فإذا كان الجسم كبيراً أو المسافة قصيرة اشتد التجاذب , أما إذا كان صغيراً والمسافة طويلة كان قصوره أو ميله لمقاومة الحركة صغيراً وكانت سيطرة الجذب عليه ضئيلة أيضاً , وبعبارة أخرى بين الجاذبية والقصور الذاتي أمر مشترك هو أنهما يشملان كل شيء , فجميع الأجسام مهما تكن طبيعتها الفيزيائية والكيميائية هي في نفس الوقت ( قاصرة ) أو عاجزة عن تحريك ذاتها بمحض ذاتها وعن تغيير سرعتها أو اتجاهها إذا كانت متحركة , أي أنها تقاوم كل قوة من شأنها زحزحتها عن حالها و ( وازنة ) أي تسقط على الأرض عندما لا يعوقها عائق , فالرقم الذي يحدد القصور الذاتي لجسم ما هونفسه الذي يحدد وزنه وثقله , وهذا الرقم هو الكتلة , فالكتلة القاصرة والكتلة الوازنة للأجسام يعبر عنهما برقم واحد بالضبط , فهناك إذن صلة بين الجاذبية والقصور الذاتي , ويبدو أن درجتها تكون دائماً على حسب ما هو ضروري للتغلب على قصور الجسم مهما تكن طبيعته , ولذلك فجميع الأجسام تسقط على الأرض بسرعة واحدة بغض النظر عن نوعها . فهذا التوافق الشديد بين التجاذب والقصور الذاتي تقبله نيوتن كما هو من غير أن يفهمه أو أن يحاول تفسيره , وظل أمره مجهولاً حتى أوائل القرن الماضي , فلما جاء أينشتاين وجد في الأمر سراًفهو أكثر من أن يكون محض صدفة أو إتفاق عارض , لقد استنتج من هذا التلازم استنتاجاً قفز بنظريته إلى مرتبة النظريات الخالدة وجعله في طليعة العظماء الذين يشح بهم التاريخ , حيث قال : إن الصفة الواحدة تتجلى تبعاً للظروف والأحوال تارةً على هيئة جاذبية وتارةً على هيئة قصورذاتي , فالجاذبية هي انتفاضة القصورالذاتي , وبعبارة أخرى إن قوانين الجاذبية إنما تعبر عن قصور المادة وسيتضح ذلك فيما بعد تباعاً . لقد نبذ أينشتاين فكرة الجاذبية من حيث أنها قوة تنتقل لحظياً عبر المسافات الهائلة , لقد بدا هذا القول لعالِمنا الفذ بأن الأرض يمكنها أن تنتفض في المكان " الفضاء " وأن تجذب إليها جسماً ما بقوة تعادل مقاومة قصور ذلك الجسم أمراً لا يمكن قبوله , وهكذا طلع علينا من هذا الإعتراض بنظرية جديدة في الجاذبية أثبتت التجربة أنها تقدم لنا صورة عن الطبيعة أدق كثيراً من نظرية نيوتن . وقبل أن نوغل في هذا المعنى , لنا ملاحظة عابرة على قانون نيوتن نحب أن نوضحها للإخوة القراء في هذا المنتدى الكريم , فكما رأينا أن الأجسام تتجاذب تجاذباً مباشراً أو طردياً بنسبة حاصل جداء كتلتي الجسمين , وتجاذباً غير مباشراً أو عكسياً بنسبة مربع المسافة بينهما , لقد لقي هذا القانون نجاحاً هائلاً وظل يتمتع بمنزلة عظيمة طوال قرنين من الزمن , وهو لا غبار عليه إذا نُظر إليه في نطاق السرعات العادية , ولكن يجب أن نتحفّظ في أمره عند تطبيقة على السرعات الكبيرة التي تقرب من سرعة الضوء , ذلك أن الكتلة لا تبقى ثابتة مع مثل هكذا سرعات هذا من جهة , ومن جهة ثانية عندما نُدخل الأرض في حسابنا فأي أرض نعني هل نعنى كتلة الأرض الصغيرة فيما إذا كان الإفتراض أنها لا تتحرك أم كتلتها الكبيرة التي تتأتى من دورانها حول الشمس , ثم إن هذا الدوران ليس له سرعة واحدة دائماً لأن الأرض تجري في مدار إهليلجي وليس في خط دائري بالضبط , فأي كتلة ندخل في الحساب استناداً للسرعة المتغيرة , وفوق ذلك أي مسافة نُدخل في اعتبارنا بين الشمس والأرض ؟ هل المسافة التي تتراءى لشخص على سطح الأرض تجره معها ويشارك في حركتها أم التي تتراءى لشخص في وسط المجرة لا يشارك في حركة الأرض , فهنا أيضاً يختلف تقدير المسافة تبعاً لسرعة العالم الذي ينتسب إليه هذا الشخص ؟ . وأنا لا أنكر أن هذه الفروق طفيفة , لكن ذلك لا يبرر إغفالها , فقانون نيوتن قانون غامض مطاط ولابد من تعديله وإعادة النظر فيه على ضوء ما جد من أبحاث . ...... يتبع . |
#2
|
|||
|
|||
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين ج2
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين ج2 يتصور أينشتاين كعادته حالة خيالية : مصعد في إحدى ناطحات السحاب الهائلة انقطع حبله فأخذ يهوي هوياً إلى الأرض , وكان في هذا المصعد بضعة علماء فيزياء يجرون بعض التجارب ولا يرون شيئاً من أمر هذه الكارثة التي ستودي بحياتهم , فتناول أحدهم بعض الأشياء من جيبه صدفةً منديل وقلم وقطعة من النقود و ساعة ...إلخ , وكأن عارضاً وقع له فأوقعتها يده , ولشدة ما كانت دهشة الجميع أن هذه الاجسام ظلت معلقة في الهواء , فإذا كان ثمة مراقب خارجي فإنه لا يرى في الأمر أي جديد , فالمصعد بما ومن فيه يهوي إلى الأرض بسرعة واحدة كما في تجربة غاليلو , وأما العلماء فلما كانوا يجهلون حراجة حالهم فقد فسروا هذه الظاهرة العجيبة بأن عفريتاً من الجن قد نقلهم خارج مجال الجاذبية , وبأنهم مستقرون الآن في الفضاء الخالي , ولهم كل العذر في هذا الظن , فأقدامهم تكاد تلامس الأرض وجيوبهم الملأى بالمعدات العلمية انعدم ثقلها والميزان الذي يحملونه معهم لم تعد كفتاه ترجح إحداهما على الأخرى ولو وضعوا فيهما أثقالاً مختلفة , وإذا قفز أحدهم إلى أعلى فإنه يطفو قريباً من السقف , وإذا دفع بقطعة من النقود في اتجاه ما فإنها تسير في هذا الإتجاه أي في خط مستقيم بسرعة واحدة مطردة حتى تصطدم بجدارالمصعد , لقد انعدمت الجاذبية في عالم هؤلاء بتأثير تسارع مصعدهم وأصبح كل شيء فيه يسير حسب ناموس غاليلو ’ ولذلك فيسمى هذا العالم نظاماً غاليلياً , فأي شيء يُدفع فيه في اتجاه ما يظل يسير في خط مستقيم إلى أن يصطدم بالجدار . لنفرض الآن أن مارداً عملاقاً نقل المصعد حقاً إلى الفضاء الخالي البعيد عن جاذبية الأرض ثم ربط سقفه بحبل وأخذ يجره إلى أعلى , فيرتفع المصعد متسارعاً تسارعاً ثابتاً , ولا يزال العلماء الذين فيه على جهل بحقيقة أمرهم ويجرون تجاربهم كالعادة كأن شيئاً لم يكن , عندئذٍ سيشعرون أنهم يضغطون على أرض المصعد بقدم ثابتة , وإذا قفزوا فلا يطفون قرب السقف , وإذا ألقوا بأشيائهم فإنها تقع على الأرض , وكذلك إذا دفعوا بشيء أفقياً فلا يسير بخط مستقيم بل بخط منحنٍ , ففي هذه الحالة يرجع إليهم صوابهم ويوقنون بأنهم يعيشون في الحياة العادية على سطح الأرض حيث تسيطر الجاذبية , بينما المراقب الخارجي فلا يخفى عليه أمرهم ويعلم أنهم يتصاعدون , أما هم فليس لديهم وسيلة للبت فيما إذا كانوا في المجال الجاذبي أو أنهم يصّاعدون متسارعين تسارعاً ثابتاً في أعماق الفضاء حيث لا جاذبية هناك . إن هذه السكينة بعينها تساورهم أيضاً إذا رُبطت حجرتهم بحافة عجلة هائلة تدورفي الفضاء الخارجي , فالتصاعد في التجربة السابقة يقابله هنا فعل القوة الطاردة المركزية فيحسون أن شيئاً يشدهم إلى أرض المصعد فإذا كان هناك مراقب خارجي فلا يخفى عليه أن القوة التي تشد بهؤلاء العلماء في المصعد المزعوم هي قوة القصور الذاتي , لكن العلماء الذين هم داخل الحجرة لما كانوا يجهلون حقيقة أمرهم فإنهم يعزون هذه القوة إلى الجاذبية , لأنه إذا كانت حجرتهم فارغة لا معالم فيها فلا شيء يمكنهم من معرفة ما هو السقف وما هي الأرض , اللهم إلا القوة التي تشدهم إلى جهة دون أخرى , فما يسميه المراقب البعيد جداراً خارجياً للحجرة يسميه أصحاب هذه الحجرة أرضاً لها , حيث ليس في الفضاء الخارجي جهة ( فوق ) و ( تحت ) فما نسميه نحن على سطح الأرض ( تحت ) إنما هو اتجاه الجاذبية , كذلك العلماء الذين هم في داخل الحجرة المربوطة بالعجلة سيجدون أن جميع تجاربهم متفقة اتفاقاً تاماً مع نتيجة التجارب التي أجروها عندما كانت حجرتهم تصّاعد في الفضاء الخارجي , فأقدامهم ثابتة وأشياؤهم تسقط على الأرض كالعادة , فيعزون هذه الظاهرة إلى قوة الجاذبية , ويعتقدون أنهم ساكنون في مجال جاذبي . يخلص معنا مما سبق أن التجاذب صنو القصور الذاتي , فكل تغيير في الحركة المطردة أو الإتجاه يصحبه انتفاضة القصور الذاتي الذي يهب لمقاومة التغيير , وهذه الإنتفاضة تشد الجسم في عكس اتجاه الحركة فينشأ عن ذلك شعور ظاهري بالجاذبية , إذن ففي كل نظام غير غاليلي ( كالحجرة الدوارة والمصعد المتسارع للأعلى الذي يرتفع بسرعة متزايدة ينتج عنها تغيرفي الحركة ) يسود مجال جاذبي , ومن شأن هذا المجال أن يؤثر في الظواهر الطبيعية حوله . ....يتبع |
#3
|
|||
|
|||
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن و أينشتاين ج3
القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن و أينشتاين ج3 إن الجاذبية لدى أينشتاين تختلف إذن اختلافاً تاماً عنها لدى نيوتن , فهي ليست " قوة " , فالقول بأن الأجسام المادية يمكنها أن " تتجاذب " إنما هو خداع منشؤه النظر إلى قوى الطبيعة نظرة ميكانيكية , لقد مضى العهد الذي كان العلماء فيه يعتقدون أن الكون آلة كبرى , فكلما تقدم العلم ثبت للعيان أن الكون ليس فيه ما يشبه الآلة , وهكذا فناموس الجاذبية لدى أينشتاين لا ينبس بكلمة " قوة " , إنه يصف سلوك الأشياء في المجال الجاذبي ( الأجرام ) مثلاً ليس باستعمال هذه الكلمة , بل بوصف المسارات التي تتّبعها , فالجاذبية في عرف أينشتاين هي صنو القصور الذاتي , فحركات النجوم والكواكب تتولد من قصورها الذاتي , والطريق الذي تسلكه تحدده خصائص المكان , وبعبارة أدق خصائص الزمكان . قد يبدو ذلك غريباً ولكن يتضح عندما ننبذ الفكرة بأن الأجسام المادية يؤثر بعضها في بعض بقوة مجهولة من مسافات شاسعة في الفضاء الخارجي تبعد ملايين الكيلومترات , فنظرية ( التأثير عن بعد ) قد أربكت العلماء كثيراً منذ نيوتن فتقبلوها على مضض , وقد نشأ عنها صعوبات جمة . إن قطعة من المغناطيس وكما يعلم جميعنا تجذب قطعة الحديد بقوة سحرية تنقل لحظياً وتؤثر عن بعد , بل يقولون أن قطعة المغناطيس ينتشر حولها حالات فيزيائية خاصة يطلقون عليها اسم ( المجال المغناطيسي ) ويؤثر هذا المجال بدوره في قطعة الحديد ويجعلها تسلك سلوكاً خاصاً يمكن رؤية آثاره بذر برادة الحديد على ورقة توضع فوق المغناطيس , إن المجال المغناطيسي حقيقة فيزيائية ثابتة , وكذلك المجال الكهربائي فكلاهما له تركيب خاص حددته معادلات مكسويل , والمجال الجاذبي هو أيضاً حقيقة فيزيائية ثابتة كالمجال الكهرطيسي سواءٌ بسواء , وله تركيب خاص حددته معادلات أينشتاين . فكما أن مكسويل وفَراداي يؤكد أن قطعة المغناطيس تخلق حولها خصائص مكانية تحيط بها , كذلك أينشتاين يقرر أن النجوم والكواكب وسائر الأجرام السماوية يُحدث كل واحد منها تغييراً في الزمكان الذي يحيط بها , وكما أن قطعة الحديد في المجال المغناطيسي يقودها تركيب هذا المجال , فكذلك الطريق الذي يسلكه جسم ما في مجال جاذبي ترسمه هندسة المجال الجاذبي , وبعبارة أخرى إن جاذبية نيوتن قد هبطت من عليائها كقوة واستحالت إلى خاصة هندسية من خصائص الزمكان , فوجود مادة في الفضاء ذات كتلة معينة من شأنه أن ينشر في هذا الفضاء انحناء معيناً يمكن حسابه , وبتعبير آخر إن خصائص الزمكان متوقفة على كمية المادة التي تحويها هذا من جهة وعلى توزيعها فيه من جهة ثانية , فتبعاً لكمية المادة في نقطة ما يكون انحناء الزمكان في هذه النقطة قليلاً أو كثيراً , ويعبر عن هذا بالقول بأنه يقوم في جوار النقطة تجاذب يتفاوت قوةً وضعفاً بحيث يؤثر فيما حوله من الأشياء , فالنجم كالشمس إذ ينشر في الفضاء هذا الإنحناء يجعل الجسم الذي يقوم في جواره يدور حوله بقوة قصوره الذاتي . إن الكون في حقيقة أمره ليس له كنه خاص وقوام ثابت تؤخذ منه قطعة من المادة وتوضع في اطار من الزمان والمكان , كلا , إن زمكان لاشكل له ولا قوام كمثل قطعة من العجين يمكن تحويرها وتغييرها , فكما أن السمكة التي تشق طريقها في البحر تثير الماء حولها , فكذلك النجم أو المذنب أو المجرة أو السديم , كل أولئك يثير الزمكان حوله ويُعمل فيه تغييراً وتحويراً , إذن فوجود النجم يغير البناء الهندسي للكون , وعلى هذا فدقيقة من المادة لا تجذب دقيقة أخرى مفصولة عنها , لأنه لا يمكن التأثير عن بعد , وإنما تتأثر هذه الدقيقة بشيء أو بصفة خاصة في الفضاء أو المتصل الزمكاني الذي يجاورها , فتسير في أهون سبيل يقتضيه طبيعة التحدب أو الإنحناء أو التقوس فيه , فكرة الجولف إذا ما تدحرجت في أرض مقوسة مثلاً فإنها تنحرف عن اتجاه حركتها المستقيمة وتنزلق بطبيعة تقوس الأرض إلى أخفض نقطة فيها . وبكلمة واحدة ( تنجذب إليها ) . ومن هنا يمكن الإستغناء عن جاذبية نيوتن فلا نقول بعد اليوم أن أثر كتلة المادة الجاذبة هو أن تصدر عنها " قوة " تتناسب مع عكس مربع المسافة التي فرضها نيوتن , وإنما نقول وجود المادة هو الذي سبب انحناء ما حولها وإن أثر هذه المادة هو أن تُحدث التواءً فيما حولها فينزلق ما يجاورها انزلاقاً حولها . إني على تمام الوفاق مع إخواني وأخواتي أعضاء وضيوف ملتقى الفيزيائيين العرب العامر , في أننا جميعاً عاجزون عن تصور انحناء الزمكان وهذا ما ظهر على الأقل في النقاشات التي دارت فيما بيننا حول هكذا مواضيع وكان لا بد لنا من حاسة سادسة لإدراك كنه مثل تلك الحقائق , ولكن الأشياء ليست طوع تصورنا , فليكن الزمكان ما طاب له أن يكون , فليس هو رهناً بمقدرتنا على تصوره أو استساغته , ولنعلم أن انحناء الزمكان متوقف على مسافة الكوكب من النجم , فالإنحناء بالنسبة لكوكب قريب من الشمس كعطارد أكبر منه بالنسبة إلى كوكب بعيد كأورانوس , بل أن الإنحناء ينعدم كلياً إذا كان البعد عن النجم كبيراً جداً , أي كان لا نهائياً , فالفضاء هنالك فضاء إقليدي , أي أن هذا الفضاء هو وحده الذي تنطبق عليه هندسة إقليدس , فخير لنا أن نسلم بانحناء الزمكان على صعوبته . ومع ذلك فمن يلح على أن تكون له صورة محسوسة عنه , بعيدة عن الحقيقة عن غير شك , ولكنها قد تعطيه فكرة قريبة إلى الأذهان , فإنني أقدم له التمثيل التقليدي لقطعة القماش المشدودة أفقياً وتمثل مكاناً ذا بعدين فيها كرة من الخشب فإنها تسير عليها في خط مستقيم , لنضع الآن في وسط قطعة القماش الآنف ذكرها كرة من الرصاص , عندها سيتجوف الوسط ثم تقع كرة الخشب في التجويف وتدور حوله دورة صغيرة بدلاً من أن تتابع سيرها في خط مستقيم , هنا يمكننا القول بأن كتلة الرصاص قد أحدثت تغييراً في المكان ( السطح ذي البعدين ) وعملت فيه انحناءً ما , وهذا الإنحناء هو المسؤول عن حركة الكرة الخشبية وجعلها تدور حول كرة الرصاص على نحو معين . إن انحناء الزمكان شيء قريب من هذا , فالنجم وليكن الشمس مثلاً " يحفر " في الزمكان الرباعي الأبعاد غوراً يتوقف عمقه أو انحناؤه على كتلة النجم , فالكواكب المشدودة إلى هذا الغور تدور في فلكه بدلاً من أن تفلت في خط مستقيم , وتنزلق بحكم تحدبه إلى أخفض نقطة فيه , لأن ذلك أهون عليها من سلوك أي طريق آخر , ويتفق أحياناً أن الجسم المتحرك يقتحم من الخارج فلك النجم بسرعة تبلغ من العِظم بحيث يشق طريقه فيخرج من فلك الغور سليماً , ولكنه على كل حال لا بد من أن ينحرف قليلاً وهو يمر به . هذا هو حال الفوتونات التي يتألف منها ضوء النجوم والتي تمس الشمس مساً خفيفاً وهي تمر بها في طريقها إلينا , وهذه ظاهرة تنبأ بها أينشتاين دون أن تخطرببال أحد , فالمعلوم أن الفوتون قذيفة ضوئية في منتهى حدود السرعة أي 300000 كم / ثا , فمهما اقترب من الشمس فإن سرعته الخاطفة تكفي لأن يخترق فلكها ويمرق فيه مروق السهم فيفلت من الغور , وهكذا يحيد عن مساره المستقيم ويتابع سيره محدثاً زاوية صغيرة جداً لها قدر معين يمكن حسابه , وقد تنبأ أينشتاين بمقدار هذه الزاوية فصدّق الرصد نبوءته , وأحدث ذلك دوياً جعل العالم أجمع يلتف حول صاحبها , وهذه الظاهرة تسمى ( ناتج أينشتاين ) يمكن التحقق منها كلما أمكن رصد الشمس والنجوم وتصويرهما فوتوغرافياً , أي في حال كسوف الشمس كسوفاً كلياً ثم تصوّر هذه المنطقة بعد عدة أشهر وتقارن الصورتان , وكانت نتيجة هذا الرصد أن ظهرت النجوم أثناء الكسوف منحرفة قليلاً عن مواقعها الأصلية بنفس المقدار الذي تنبأ به أينشتاين , وهذا الإنحراف ناشئ عن انحراف الضوء الذي تبعث به النجوم إلينا بعد مروره قرب قرص الشمس , ولقد أجريت التجربة لأول مرة أثناء الكسوف الكلي للشمس في 29 أيار سنة 1929 ثم أعيدت مثنى وثلاث ورباع في أزمنة وأمكنة مختلفة وكانت النتيجة واحدة تقريباً . وهناك ظاهرة أخرى فسرتها معادلات أينشتاين في الجاذبية بعد أن ظل أمرها سراً مستغلقاً على من قبله , فناموس نيوتن يعزو إلى الكواكب طبقاً لقانون كبلر الأول مسارات إهليلجية ( بيضوية ) ثابتة في قطاعاتها , ولكن قانون أينشتاين يعزو إليها مسارات اهليلجية غير ثابتة في قطاعاتها , ولذلك كان من الضروري التنبوء بانحراف مواقع الحضيض فيها ( وهو أقرب نقطة إلى الشمس ) , إن هذا الإنحراف طفيف للغاية ولايمكن التحقق منه إلا بالنسبة إلى عطارد , أسرع الكواكب وأقربها إلى الشمس ومساره أكثر مساراتها انفراجاً , ومقدار الإنحراف نظرياً هو 42.9 ثانية قوسية كل 100 سنة . هذا ومنذ أبحاث العالم الرياضي الفرنسي ( ليفيرييه ) الخاصة بحركة عطارد لوحظ أن موقع الحضيض لا ينطبق على نتائج ميكانيكا نيوتن , بل هو ينحرف عنه بفرق مقداره 43 ثانية قوسية كل 100 سنة , وهذا الفرق الذي استعصى تفسيره على جميع العلماء لم يعد سراً بعد ظهور النسبية العامة التي حسبت مقداره , وجاءت ملاحظات الرصد الأخرى لعطارد والتي فاقت الستة آلاف مرة منذ عام 1900 وقوبلت بملاحظات الأقدمين فأيدت نبوءة أينشتاين . مراجع البحث : - تطور الأفكار في الفيزياء من المفاهيم الأولية إلى نظريتي النسبية والكم - تأليف البرت أينشتاين وليوبولد إنفلد -أينشتاين والنظرية النسبية - للدكتور محمد عبد الرحمن مرحبا - Lincoln Barnett ( the universe and Dr. Einstein ) London 1993 - E.G.Barter ( Relativity and Reality ) London 1985 - Encarta Reference Library 2003 . |
#4
|
|||
|
|||
رد: القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين ج 1
السلام عليكم :
الأخ الكريم ماجد طه : لماذا لم تجعل كامل البحث في ملف واحد لتسهل دراسته وتدارسه ؟ أرجو أن تفعل ذلك .. ولكم تحياتي |
#5
|
|||
|
|||
رد: القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين ج 1
.
الأخ طالب حياك الله : والله ياأخي ما قصدت من ذلك إلا عدم الإطالة وما قد تتسببه من ملل للقارئ , ومع ذلك ونزولاً عند رغبتك فأرجو من المشرف العام الأستاذ الجميلي أن يتكرم ويجمع الأجزاء الثلاثة في ملف واحد إذا كان ذلك ممكناً وله منا جزيل الشكر والعرفان . . |
#6
|
||||
|
||||
رد: القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين
بارك الله فيك يا أخي الكريم ماجد
وتم دمج الأجزاء الثلاثة في موضوع واحد كما طلبت |
#7
|
|||
|
|||
رد: القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين
|
#8
|
|||
|
|||
رد: القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين
بارك الله فيك و جزاك الله خير
|
#9
|
|||
|
|||
رد: القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين
|
#10
|
|||
|
|||
رد: القصور الذاتي والجاذبية بين نيوتن وأينشتاين
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
الانتقال إلى العرض العادي |
العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|