[دلوعة البصريات]

صدق أولا تصدق .. إذا صعدت للقمر فأنت تحت الأرض !
لعل هذا أغرب عنوان تقع عليه عين انسان . اذا صعدنا فكأننا هبطنا ! وما فوقنا يبدو تحتنا ! لا . ..لا.... لابد أن في الأمر سرا !00
ذات يوم اشترى أحد المهتمين بهذا الموضوع جريدة أشارت إليه في صفحاتها الأولى ، ووجد فيها صورة أثارت لديه العجب والدهشة 0 ماذا يا ترى في الصورة ؟ لقد رأى فيها الأرض فوق القمر ! الأرض فوق القمر ؟! نعم ، وتحير حيرة شديدة إذ كيف يمكن ان يحدث ذلك ؟ إننا ندرك أن الأرض تحت القمر فعلا ولا يمكن أن يكون فوقه 0 وقرأ صاحبنا ثم قرأ ولكنه لم يجد لذلك تعليلا 0 وأخيرا جمعته الصدفة بصديق له ، فقال له والحيرة بادية عليه : هل يمكن أن تعلل لي كيف يمكن أن يلتقط رواد الفضاء وهم على القمر صورة للأرض وهي تظهر فوقهم في السماء كما نراها هنا في الجريدة ؟ فقال الصديق باستخفاف : ان الأمر بسيط ، فالذين وضعوا الصورة في الجريدة حمقى ، لأنهم وضعوها مقلوبة فظهرت الأرض فوق القمر ولو كانت في وضعها الصحيح لظهر القمر فوق الأرض !
ولكن صاحبنا لم يعجبه الكلام ، فرد على صديقه مستنكرا : ولكنك لو قرأت ما كتبوه تحت الصورة لوجدت أنها غير مقلوبة ، فرائد الفضاء يخاطب أهل الأرض وهو يخطو على سطح القمر بقوله : (أيها الكوكب الأرضي ما أبهاك وما أروعك وأنا أراك معلقا فوق رأسي في الفضاء ! )
وهنا يشيد الصديق بوجهه قائلا : ألا زلت تؤمن بما يقول هؤلاء ؟ هل يعقل أن يصعد الانسان في السماء حتى يصل الى القمر ؟ انها ولا شك أفكار استعمارية يريدون بها زلزلة عقيدتنا ، ولكن عقيدتنا – والحمد لله – راسخة رسوخ الجبال 0 ولكن صاحبنا لا يزال مرتابا فيما يقول صديقه ، ولكن الصديق يستخدم المنطق قائلا : لنفرض أننا صعدنا فوق برج القاهرة أو حتى في طائرة ونظرنا الى الأرض فاننا سنجدها تحتنا ، ولنتصور ان مصعد البرج أخذ يرتفع ويرتفع حتى وصل الى نجوم السماء . لنفرض ذلك فرضا ، عندئذ لو كنت أنت في المصعد ونظرت الى الارض فلا شك أنك ستجدها تحتك لا فوقك كما يدعي الآخرون . ولهذا فان من يصعد الى القمر في صاروخ كمن يصعد اليه في مصعد ، أليس كذلك ؟1 . ويرد صاحبنا : ليس تماما ، فانني لا أستطيع أن أتشكك فيما يقول العلماء ، ولا بد أن في الأمر سرا .
وبينما هما يتناقشان ، ويلحظ صاحبنا أحد المتخصصين فيسرع اليه ويروي له ما دار بينه وبين صديقه طالبا منه التفسير الصحيح .
وعندئذ ينظر اليه المتخصص وهو يبتسم ويقول : الواقع أنك لو ذهبت الى القمر أو الكواكب أو مهما ( صعدت ) في السماء وتجولت بين النجوم فانك لن ترى شيئا تحتك في الكون ، كل شيء فيه يبدو لك وكأنما فوقك 0 بمعنى أنه اذا كانت هناك مخلوقات عاقلة تسكن الكواكب التي تبدو لنا معلقة فوق رؤوسنا في السماء فأنهم يرون في أرضنا وهي معلقة فوق رؤوسهم أيضا لا تحتهم كما يبدو لك ، فالظاهر هنا يختلف عن الباطن . ولهذا لابد أن تعلم أن فوق وتحت مسألة نسبية ، وهي تتوقف على المكان الذي يمكن أن تتواجد فيه في هذا الكون الفسيح .
ويتشكك صاحبنا وصديقه فيما يقول المتخصص ,ويلحظ الأخير حيرتيهما فيستطرد قائلا : إن ظواهر الأمور تجعلنا نحس بأن الأرض منبسطة ومسطحة مع أنها كروية , انها أشبه بكرة دوارة في فضاء فسيح وتنتشر حولها وفي جميع الاتجاهات النجوم والكواكب والأقمار على هيئة أجسام كروية كذلك وكلها تدور في فضائها . وما دامت الأجرام السماوية – بما فيها الأرض – كرات دوارة وليست سطوحا مستوية , فان أي مخلوق يقف على أي منها سيبدو له أن كل شيء فوقه لا تحته كما نتصور .
ولكي نوضح ذلك فعلينا بأرضنا .. ان الواقف عند القطب الشمالي يقول ان رأسه الى فوق , في حين أن الواقف عند القطب الجنوبي يؤكد أن رأسه (أي رأس الجنوبي ) متجهة الى فوق كذلك وليس الى تحت بالنسبة للواقف عند القطب الشمالي . والواقع أن كلا منهما على حق , لأن فوق وتحت مسألة نسبية . ولكي تستوعبا ذلك , فعليكما أن تتصورا أننا نقف على هذه الأرض بنفس الصورة التي يمكن أن نراها في حالة كرة مثبت عليها عدد كبير من الدبابيس العمودية .