ملتقى الفيزيائيين العرب > قسم المنتديات العامة > منتدى المناسبات. | ||
يا [you]،، هل تريد تكون العضو المميز؟ |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]() شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
موفق بإذن الله ... |
#2
|
|||
|
|||
![]() قلب
بقلم : محمد يوسف جبارين( ابوسامح).. أم الفحم ..فلسطين قلب مفعم بالنور ، تنامت قواه ، تسامت وهاجت ، تدافعت وسط الأحزان ، على بحار من الأسى ، وتحت سحب تمطر هموما وشقاء .ضاجعه الهم الثقيل الكالح ، وكشر له عن أنيابه وجالسه ، فجالد الجفاف ، وما انقطع عنه الرجاء . عركته المرارة ، وعلمته كيف يحيل الضيق والمقاساة الى مكاسب انسانية ، استمرأ الصبر فصيرته المصابرة ، وسط حرارة المقلاة، تحت المطارق ، راسيا على مكنون صدره ، مثل الرواسي الجبال . يسره عسر الحال لرآفة أصارته صرخة منبثة من تحت ضلوع الفقراء . انبقرت له خبايا الدنيا ، واستمنحته بين جنبيه مكانا . داخلته الحقيقة ، فأنجبته ، اتخذت منه لها ضلعا ولسانا . مشى في بحر الأيام ، يزايل حلكة الليل عن كاهل النهار . يميس نبض فؤاده ، حياة في عروق البقاء . يداني الأمل الى أزاهير الحياة ، يتألفها على نور يضيء لها آفاقا . يملس بين القلوب املاسا ، يثري التأهب تنبها وانبعاثا ، يقول : أديل لنا لما كنا أنفسنا ، وكان لنا الحق منشأ ورباطا وأزوادا . تعالى الوفاء بالأفعال نابضا ، يثري الثرى نقاوة ، يمحو عنه قفرا بلقعا وأدرانا . نكون للصدق مرابضا ، ومن مضاء العزم السنان . فما فرح أبن أنثى بفجر ، الا اذا المحن والبلايا صقلته وأروته أنوارا . وما تهلل المجد بقلب في ساحة ، الا اذا منه سال الفجر أنهارا . وما دولة الا بنت أمل وارادة وطاقة ، اذا تلاقت ماجت الأرض أفراحا . ليس للطين في الطين حياة ، ان لم يكن الطين للطين زنادا . يا طين ، أنت نطاق فيه بركان حالم ، ان قام يقيم الدنيا وأقواما . صحوة اذا هي بك هدهدت ، شد الفجر اليك ركابا . انه فلب تخضل بالراية ، فسلخ من عمره الحياة ، وأعطاها لها أكنافا . احتوته واحتواها..كلما ضمها بين رموشه ، رفت نياط قلبه . حسها تودع في وليجة نفسه فجرا يشبه لؤلؤة تتخللها أشعة الشمس ، فتملأ بالنور اهابه . تسري بين خلجات نفسه ربيعا أخضر دافقا بشرا، وشروقا وحرارة ناعمة . ينشرح صدره وينسرح فكره . يتراءى له المستقبل صافيا يوسوس : تلك هي بشارة اللون الأبيض ، وما يلبث هنيهة حتى يتخطفه اللون الأسود .. سحب سوداء ، تسكب سموما على جلده ، تعتصر مرارة قطرانا في حلقه . يفور الرفض في أوداجه ، يحتل مزاجه . تشيع في ملامحه يقظة . تلتمع عيناه . تنشط موجات من السخط ، في بدنه . تعلو به على نفسه ، تنبهه بأنه أكبر من الظروف الموضوعية المحيطة به ، فهو حر بأن يحتمل أعباء موقفه حيالها ، انها على مخزون طاقتها السالبة ، وان شاءت تنغيصه وتركيعه وتنحيته عن موقفه ، فانه لا يأتمر بأمرها ، لأن موقفه ايجاب انتماء عنوانه الراية الى أعلى . تنبس شفتاه ، ان السالب ناقص ، عمى ، جهل وتيه حيرة ..ذبابة زرقاء ونفاية ..فكر لا يثمر ، وعمل سياسي أعمى ..أصفار زائدة ، مثل النعال البالية .. أصفار غارقة في نصفها السفلي . قنوات هضمية ، بلا قلب . قطط مسمنة . نفي النفاية نقاوة ونظافة ، طهارة ، سلامة ، نقاهة . فكرة تجوب ذهنه ، تتقلب بين جنبيه ، يستلين الذوبان في نارها ..تستنهضه الفكرة من مكانه . يتماثل دماءه تجري في نهر خالد ، يشق سواد الليل بهديره ويرغي ويزبد . تمد الراية أكنافها ، يأخذها ، تأخذه ، ينفلت من مكانه ، ينبعث مليئا بالهمة ، في نقل خطاه ميلاد البر والنهر والبحر . في أنفاسه بشائر الفجر ، في مواجهته الأسود قاتما ، في عروقه الأحمر هائجا ، في وجدانه ، في انتظاره الأخضر باسما ، لارادته هما ونية وسائقا ، في أصلابه الأبيض دافقا زرعا زارعا زرعا زروعا أشجارا ، أطفالا ، بقاء في تراب العائدين يتدلى هناءة وشروقا ، يدندن ..أنا صيرورة الزمان والمكان والحق في ركاب الفجر ..أنا أرادة الديمومة في نبض الحياة . |
#3
|
|||
|
|||
![]() ليلى
بقلم: محمد يوسف جبارين ( ابوسامح ) .. ام الفحم..فلسطين ليلى دموع شعب يبكي ذاته ، التي باتت لحما مستباحا بأنياب جنون اللاوعي الذي أصاب بعض بنيه . تصيح يا قلب ، قد مزقتك بنادق ، كانت بالأمس مرفأ الأمان تلجأ اليها ، حين كنت تريد أن تغمض العين ، ومن شدة عناء تريد أن تستريح . ما كانوا جند أحتلال ، وانما هم كانوا معك ، في مقاومة دبابات الاحتلال . حاصروك وأغرقوك بالنار وهدموا عليك بيتك . قتلوا أطفالك بقسوة حقد ، لم نشهد له أصلا ولا فصلا عندنا ، لكنها أشبه ما تكون بجرائم حزب الدعوة في بغداد. أيفعل البطل بمن كان بطلا سندا له ، وعلى أتم الاستعداد ، لأن يموت بدلا عنه ، ما تمناه دوما الاحتلال. هل السلطة تأخذ من البطل بطولته ، فيغدو من أجلها ناشطا في انتاج مشاهد لم تزل بين عينيه المشاهد التي شكلت مأساته .. تركوا الدبابات ، وقد كانوا في وجهها سدودا ، وجاؤوا بنار من سطوح المباني ، ومن تحتها ، ومن داخلها بعد احتلالها ، يريدون أن يقولوا لنا ، بأنهم أصبحوا بعينهم تلك الدبابات . كيف صلوا جماعة ، وكل واحد منهم يتفاخر بسفك دم ثائر من الثوار ، هل من سبيل الى معرفة قاتل ، وكيف أصبح الدفاع عن القاتل ماء وفاء. أي أناس هؤلاء الذين يقتلون الناس ، واذا قال قائل بأنهم قتلوا ، أو وصف بالقلم ، بالفم ، تفصيلا ما فعلوا ، انهالوا عليه بالسباب . كان آخر شيء يخطر على بال ليلى ، أن تجد نفسها وأسرتها ، في بيتها طعاما لنيران ، تطلقها جماعة ، من أبناء الوطن ، ممن كان أبوها على أختلاف معهم ، في كثير مما يتصل بسياسات ادارة الصراع ، كان يقول: هذا الوطن مثل البستان ، لا يزيده اختلاف أشجاره والورود فيه الا جمالا . لم ير بأن سما يتوارى بخضرة أعشاب ، وينتظر فرصته ليقتله . كان الأجدى له أن ينتظر في لبنان . يحلم هناك بالعودة. كان الرصاص يغزو البيت من كل جانب . كانوا بالمئات ، وبكل جنون الرغبة في الذبح . لم تفلح نداءات أبي ولا أمي . مات أخوتي بشظايا قنابل ، وأمي حطت لها قذيفة في صدرها ، وأبي أجهزوا عليه بعد أن لاحظوا بأن به بعض رمق من حياة . لا أدري ماذا حصل لي .. في البدء حسبتهم المحتلين ، وسرعان ما عرفت ، فأصابني ذعر ، فأولئك سندي ، أبناء وطني . سقطت مغشيا علي ، وتبين فيما بعد أن أكثر من اصابة امتصت مني قدرتي ، على الحركة ، كنت أحوج ما أكون لها في ذلك الوقت . كانت ليلى تبكي بكاء ، لم يحصل أن رأيته في هيئة أحد من قبل . وقد أحسست ولأول مرة ، بأن صورة الوطن ، لم تعد هي التي كانت في سلامتها ، فمأساتها أخذتها الى مناطق من ليل بدأت تخشاها ، وتحس عميقا بأنها تشوه لها صورة وطن كان دوما يزهو لها . كانت دموعها تكوي مني كبدي ، تسيل ولسانها يشتعل فكرا، وهي تقول : أنا لا أبكي أهلي وحدهم ، بل أبكي حالنا ، فمشاهد الذبح هذه أراحت اسرائيل ، وأعطت ما تفعله ضدنا بعض مصداقية ، وأصبحنا أمام العالم بحال يستدر الاستخفاف والرثاء. كان حلم العودة يملك علينا حياتنا ، كان كل كلام أبي غزلا في تراب فلسطين ، حتى أن أمي قالت له مرة ، يا ليت أنك تحبني كما تحبها ، وكان يضحك ويقول : عندما نعود سوف نجعلها جنة ، ولما عدنا مع ياسر عرفات ، كان يقبل الأرض ويبكي . لم يكن يعرف بأن مصرعه سوف يكون بأيدي من بذل عمره من أجلهم . كان باديا بأن كل شيء بات يضج في داخل ليلى ، فثمة شيء ما من أبيها ، راح يصعد لها في داخلها ويعلو بها فوق أحزانها . سألتني وأنا معها في المقبرة ، هل تعرف لماذا أسمى أبي أختي شروق . كان يقول شروق تنزل الليل من كرسيه وتجلس النهار ، وكان يداعبها يا ربة النهار متى يزول الليل . فباشرتها بتساؤلات ، كان والدها يرددها ، أين هو الأمل الذي لم تتثاقل به الأنفاس . أين هو الحلم الذي لم تتفصده النار ، لتجعله أشلاء أشلاء . فطافت ببصرها في أرجاء المقبرة ، فكأنها تسلم على كل ساكن قبر فيها ، وتساءلت بأفصح وعي ، كيف يصح أن تكون حروف الثقافة والوعي أنيابا تنهش لحم المصير . كيف يمكن لحرية أن تطلق النار على حرية ، فاذا أطلقت النار ، فلا تكون هي ، فلا بد وأنها خلعت عنها معانيها ، ثم راحت ، وقد استحالت مفرغة ، من كونها حرية ، تطلق النار على معاني الحرية . فكيف اذا عادت من جنونها ، وأرادت أن تستعيد وجودها كحرية ، فهل حقا تكون حرية ، وماذا تفعل بذاكرة ذاتها ، التي تقول لها ، بأن على يديها دماء حرية. وماذا تفعل بازاء الذاكرة الجماعية التي تتحلق في سمائها مشاهد تنذر بالحذر . وهب بأنك شاهدت حرية تطلق النار على حرية ، فكيف تعرف بأنها حرية .. فمن تكون هي الحرية . هل تقول لنفسك بأن ما تراه صراعا على سلطة ، وبأنك أمام تراجع الحوار وتقدم النار . فثمة موقف يطلق مدافعه على آخر ، ليتراجع من أمامه ، فهذه عملية تركيع واخضاع ، وتأثيث لاستفراد واستبداد. فأين الشورى ، وأين هي الديمقراطية ، فالنار في حقيقتها تقصف الحوار ، وتقصف الديمقراطية . فكيف يتفاهم الناس بينهم . كيف يتفقون على طريق ، فاذا غاب الحوار ، فمن له رأي فليبتلعه ، أو قد تلتهمه النار ، فتزيد في مساحات المقابر ، بدلا من أن تزيد في مساحات العمران ، وتزيد في احتجاز مساحات من الأرض لسجون ومعتقلات ، بدلا عن مراكز الأبحاث والمصانع . فمن يذبح يمتلك .. يبدو بأن على عيد الأضحى ، أن يفتش عن العدل ، ويحاسب أناسا كثيرين ، فكل ما تعلموه منه ، أن يذبحوا ليأكلوا . فمن يذبح خروفا يسهل عليه أكله ، ومن يذبح ليطغى ، يقهر ويستبد ، ومن يذبح شعبا يسهل عليه استيطان جغرافيته ، فالذبح آلية استفراد وسيطرة ، وليست بحال آلية شورى أو ديمقراطية. وأخذت من ليلى كلامها ، فهي على ماعرفته عنها، نبات الحرية في بلادي ، واستتبعته باضافة ، بعد أن لاحظت بأن مأساتها هيأت لها تراب الفكرة التي تستنبتها ، وقلت : فأول ما تستوطنه النار الكلمات ، ثم تتحرك بها البنادق ، ويجب أن ننتبه الى أن الثقافات تنشيء الجماعات ، وشيء رائع أن ينتظم المجتمع ، ولأمر طبيعي أن يأخذ الصراع الاجتماعي مجراه ، فيضج المجتمع بالحوار، ويتنامى الوعي الصحيح ، ولكن الخطر يأتي من ثقافة يتشكل بها وعي جماعة ، فكل من ليس معها فهو عدوها ، وليس فقط مختلفا معها وبينه وبينها حوار ، وتنزع الى حسم هذا الصراع لصالحها ، حتى ولو كان ذلك بأرخص ما يوجد في اللغة من كلمات .. قلة حياء ، اذ كيف يستطيع من يرى نفسه بطلا ، وتراه جماعته قائدا لها ، أن يصف بطلا حقيقيا ، بالتبعية والتآمر ، وما شابه من ألفاظ .. أما يكفي بطلا ، قبرا يتراءى له كل يوم بين عينيه ، حتى ينهض له ، من هو، من لحمه ودمه ليصنع له قبرا معنويا آخر في الحياة ، فهذه بذاءة من ظلام ثقافة ، واذا لم تجد من يوقفها عند حدها ، فهي في طريقها لتصير نارا ، كمساهمة منها في تدمير الذات . وهنا اختطفت ليلى مني سياقي ، لم تدعني أكمل كلامي ، وبذكاء لماح ، وبلسان وضاح ، ارتفع صوتها ، يا أبتي ، لقد أكتشف ياسر لب الجريمة ، عرف القاتل الحقيقي . لم يكونوا بشرا الذين قتلوك يا أبت بل هي ثقافة . هكذا ياسر يرى ، فمن سواد هذه ، جاء خراب بيتنا ، وأصبحت يتيمة . ثم دمعت عيناها ، وبكت بكاء مرا ، أحالني بغمضة عين الى دامع الطرف الذي يتماسك ، وبرغمه يتنفس له حزنه بدموع تتندى من بين رموشه . ثم انخلع قلبي من مكانه ، فنشيج صدر ليلى ، وهي تشهق بالبكاء ، وتنتفض من ضربات الحزن في أرجاء نفسها ، قد سلبني صبري ، وبدأت أغلي ، وعلى غير ارادة مني ، دنوت من ليلى وطوقتها بذراعي ، وملت بها على صدري ، بحنان ما عرفته في نفسي من قبل ، وبرقة لم أتذوقها في حياتي ، وبحس واجب ، جمع لي الرجولة كلها دفعة واحدة في كياني . فخالجني شعور بأن الحياة تنادينا ، فراودني المعنى الكامن في ثمار هذه الأشجار النابتة في المقبرة ، التي تتدلى ، ولا تمتد يد انسان اليها ، فلا بد وأن فيها اشارة ، الى شيء ما في الانسان يتحرك ، فيأبى عليه ، أن تمتد يده اليها ، ليأكلها ، فهي من تراب في حقيقته ، قد يكون بقايا أنسان . وتذكرت قول والد ليلى ، حين كنت معه نجمع أشلاء أخوة لنا في خلال التصدي للاحتلال .. كانت ملحمة ، ذهب فيها كثيرون ، فاذ ذاك ، قال لي عمي محمد ، والدموع تملأ عينيه ، أنظر يا ياسر ، الى هذه الأشلاء ، كانوا مختلفين في الحياة ، والآن سوف يلتقون في القبر . أيكون التلاقي في القبر ممكنا ، ولا يكون ممكنا في الحياة.. كيف ، أنحتاج الى عقل يعمل بالمقلوب لكي نفهم . فتراءى لي ياسر عرفات ، فكأنه أمامي ، بين عيني ، فأطل الوطن من داخلي يسألني ، أين أحلامنا ؟، وهاج بي عزم يقبض على الجمر ويلح ، لن نتركه يضيع . وفجأة علت زقزقة عصافير ، من على أفنان شجرة دانية الثمار ، فكأنها جاءت تقول لحياة يشقها الأسى ، على من خرجوا من الحياة بالموت ، بأن ثمة أملا لا ينقطع بالموت . وأذا بليلى تأخذ بجماع نفسها وتتمالك وتسألني ، لمن هذه الأطيار تغني ، يا ياسر ..تخيل وطنا بهذا الحال الذي نحن فيه ، اللاعقل يغني ، والعقل يبكي ، والآخرون موتى ، تحت التراب كانوا أو فوق التراب . فأمتد بصري الى وجه ليلى ، وقد غسلته الدموع ، فبدا أجمل من ورد يبلله الندى ، فناولتها منديلا ، استخرجته من جيبي ، واستأذنتها ، أن هيا .. وما كدنا نبتعد خطوة أو أثنتين ، عن قبور الأسرة ، حتى قالت : أنا يا ياسر ، هو كل ما تبقى من الأسرة في الحياة ، أنا ترابها الوحيد الذي يمشي على قدمين ، فأرفقت قولها بقولي ..هذا التراب مادة بستان نبذر فيه بذورنا ، فتشب رياحين وأشجار تصون الوطن وتحميه ، فمدت يدها نحوي ، فأمسكتها برفق ، بينما هي تقول : وحدتنا ، يا ياسر ، ضرورة استمرارنا وسيطرتنا على المصير . |
#4
|
|||
|
|||
![]() وردة
بقلم محمد يوسف جبارين( أبوسامح) .. أم الفحم..فلسطين وردة يانعة ، رائعة ، ما أجملها ، تنتعش الصدور لمرآها . تبدو عند الصباح ، وقد افترشتها قطرات الندى ، وزاورتها أشعة الشمس ، ريانة ، فرحانة ، مرصعة باللالىء ، تتمايل بها النسائم الناعمة ، تلاعبها فترقصها ، فتبهر الأنفاس ، تأسر النفوس ، تخلب الألباب ، انها آية من الجمال الآسر، فسبحان من خلق الجمال فسواه نعمة وهناءة وسرورا . وردة بيضاء أوراقها خضراء ريحانة شماء أريجها ضياء تحيا في خميلة غناء ، وارفة الظلال ، يأتيها الاطفال ، كل نهار ، يتحلقون حول الوردة الجميلة ، يتأملون ، يرقصون ، يتغنون يصدحون : نغني للحياة ، نقرأ الحياة ، نفهم الحياة. تحيا القراءة نبتسم للحياة ، بنا الحياة تبتسم . نبني الحياة ، بنا الحياة ترتسم . أقرأ الحياة ، تفهم الحياة ، تحب الحياة. تحب الابتسامة. وفي يوم من الايام ، بينما النهار يتثاءب ، جاء الى الخميلة طفل غرير ، وأسمه سامح ، رأى الوردة الجميلة ، فطابت نفسه لمرآها ، اشتم عطرها ، فانتعش صدره ، جرت في وجهه بشاشة ، رسمت شفتاه ابتسامة ، غناها أغنية الزهور . وسوست له نفسه ، اقتلعها من موضعها ، خذها ، ازرعها عندك ، تبقى لك وحدك دون غيرك ، تراها ، تهنأ بشذاها في كل الأوقات . طابت له الفكرة ، مد يديه الى الوردة ، نبش التراب من حول جذورها ، اجتثها ، احتملها بين راحتيه ، وخف بها الى داره ، وهناك زرعها في تراب آخر ، واهتم بها كثيرا . ويوما بعد يوم ، راح الذبول يعتريها ، وشذاها ينضمر ، فارتاع من ذلك ، وطفق حائرا مدهوشا ، لا تلمع في وجهه بارقة ابتسام . وانه لكذلك ، اذ لمحه ابوه ، فسأله عما ينغصه ، فقال سامح ، وهو حائر النظرات ، مشتت الذهن ، تعلو جبينه سحابة من الكآبة والحزن ؛ يا أبتي ، انها وردتي تذبل على عظيم اهتمامي بها ، وانني أذوب في حبها ، أحب لها الحياة . ردد أبوه نظره في وجهه هنيهة ، وقال ورنة الحكمة في صوته ، يا بني ، لا تزرع نبتة في غير ترابها فكل نبات وله تراب . توترت أعصاب سامح ، وأرسلت عينه دمعة ساخنة ، ثم أخفى وجهه في راحتيه وبكى بكاء مريرا ، فالتاع ابوه لحاله ، فاجتذبه من قميصه ، احتضنه الى صدره ، وقال والحنو يشيع في محياه ، لو كنت سألتني ، وأخذت رائي ما ندت عينك دمعة واحدة ، على شيء تعلقت نفسك به ، ولو أنك ترهف السمع ، تسمعني وتطيعني فيما أنصحك فيه ، لتمنيت عليك أن توافقني الرأي ، تنهض الآن فتعيد النبتة الى ترابها ، فما زالت أوراقها خضراء ، فيها الحياة ، لم يفترشها اصفرار ، وان مسها ذبول ، فلعلها تزهر وتثمر وتطرح بذورها في ترابها ، فتضمن استمرارها في الزمان . رفع سامح رأسه ، ومسح دمعته بأنامله ، وسأل بلهفة ، أحقا تحيا ، ان أنا عدت بها الى ترابها وأجوائها الجميلة في الخميلة ؟! . قال أبوه نعم ، هيا ، قم ولا تتبلد . وما تلبث سامح لحظة ، انطلق من فوره ، وهو يقول في نفسه ، لقد ارتكبت خطأ فظيعا حين أرغمت النبتة على الحياة في الغربة والشتات ، كيف فعلت ذلك ؟!. تبا للانانية ، انها هي السبب ، أنا مفارق الانانية – بعد الآن- الى الأبد ، فهي التي باعدت بيني وبين أصدقائي ، وكادت تقتل الوردة فأبكتني .. بعد دقائق معدودات تكون الوردة في ترابها فتحيا ، فنفرح بها جميعا ، أنا وغيري .. لكي أفرح ، لا يجب أن أسترق الفرح من عيون الآخرين . |
#5
|
|||
|
|||
![]() القدس ..عروس المدائن
بقلم : محمد يوسف جبارين( أبوسامح)..أم الفحم ..فلسطين منذ أن هدأت الأرض ، وبدأت تنفلق فيها بذور الحياة ، كانت نواة وجودي تتململ في تراب القدس ، تنفلق ، تضرب جذورها ، تحرك التراب ، تباعده ، تفتش فيه ، ويأخذ عودها الأخضر طريقه الى الهواء ، يعانق الشمس ، ويملأ الروابي جنائن للحياة . فما تنفس نهار في مجرى الزمان ، أو ضم رموشه وأغمض عينيه ، سامحا للفكر لكي يحرث في زينة السماء ، أو تكاثفت الغيوم وهطلت الأمطار ، فأنزلت بشارة الرخاء في الوجدان ، أو أطل شروق يتوعك ، تلوح في قسماته أمائر امتعاض وألم . أو مشى الجفاف ، أو بعضه في السهول والجبال والوديان ، وكادت تتصدع الصخور والحجارة من قلة الماء . أو دوى أنين الناي في الروابي . أو صاحت الديكة وشدت الأطيار من وداعة وامتلاء ، أو مرت ظروف تتقلب بين هذا وذاك ، فما كفت يداي ، عن نبش ترابها ، وتقليب حجارتها وشق صخورها ، ولا عرف الزمان فاصلة ، في سيولة بذلي ، ودأبي على استنبات ربيعها ، واستخراج مقومات وجودي ، من وجودها . فأنا بذرة الحياة الدائمة الوجود في زمانها . فيا من بيده العلم ، وقد ناخ له كل ادراك وفهم ، وعرف كيف يفتش في التراب ، ويعرف كيف يقرأ ، كل علامة دالة على الوجود ، الذي رسم وجودها . هيا ، قم من فورك ، وأسأل ترابها ، استعمل كل أدواتك وعقلك ، ودعها تتكلم عن نفسها ، دع القدس تتحدث عن الدماء التي سالت ، مثل الأمطار ، في عز الشتاء . اسأل التراب عن الذين تحولت لحومهم وعظامهم ، الى هوية للتراب .. الى لغة يتكلم بها التراب .. دع التراب يتكلم ، دعه يروي حكايته ، وأصخ السمع ، واترك الصخور ، والعلامات عليها ، تشهدعلى الأنامل والأظافر وقد برت ، حتى ضاء للقدس ضياؤها ، ولمع سناها ، فأسرت الألباب ، وهوت اليها أفئدة البرية من كل واد . دعها .. دع عروس المدائن ، تخترق بك حاجب الزمان ، فتعرف ما كان ، فتدلك على ما هو آت ، وانتبه الى قولها ، وهي تبث طمأنينة وتبعث أملا بقولها ، بأنه ما نزل فيها غبار ، حملته الرياح العاتية الآتية ، من الأصقاع البعيدة ، وحط صيبا أو وباء في أنفاس الحياة ، أو رجسا تمادى ، وراح يقلب عينيه في عينيها ، أو يزرع سكينا في نحرها ، الا وقعد له القلق ، مثل الجمر ما بين جانحيه ، حتى اذا ما نام ، فر به الفزع من نومه ، أو اذا استراح أراحته الهواجس من راحته ، أو اذا ركب ومشى احتواه الرعب ، وظن الموت ينتظره ، في كل ركن يدانيه أو يركن اليه . فلا تجد له فهما ، لخلاصه مما هو فيه ، سوى استغراقه في اللعب بالنار ، وفي المزيد من جرائمه ، وما دري ، ولن يدري ، بأن كل قوة لو اجتمعت للغريب ، ما لها أن تخلصه ، من احساسه بغربته ، فما استراح قلب لنزف دمه ، ولا استكان كريم لهدم بيته ، ولا لاقتلاع زيتونه ، ولا لاهتراء ثيابه ، وقتل أطفاله وخلانه ، ولا لسحب الأرض من تحت أقدامه ، ولا تناهى ترتيب الأمور الى جمال يبهر النفوس ويجتذبها ، اذا ما وضع كل أمر في غير موضعه ، وذلك لأن للجمال بهاء ، لا يكتمل له ، الا بعودة كل أمر الى موضعه ، وما قام اللاعقل بتأسيس نظام ، الا وكان هو بعينه اللانظام قياسا على العقل ، ولا صفا للصفاء صفاؤه ، اذا ما دارت غيمة سوداء في سمائه ، أو حط غبار على خده ، ولا نبت وهم في حقيقة ، ولا تخرجت حقيقة من كذب ، ولا أقال الكذب صاحب الحق من حقه ، ولا استولد الكذب حقا، لمن هو ليس من أهله ، ولا ارتقى الكذب بحال ، الى حال ليس من حاله . تراب الصفاء صفاء ، وصفاء التراب تراب . لا يمكنه عابر سبيل أن يبدل ، في هوية تراب ، فهوية التراب تراب ، فلا يصح تعريف ترابي ، من دون أن يقال فيه ، بأنه هو ذاتي . ذات القدس ذاتي ..أمي ، أبي ، جدي ، جدتي ، دمائي ، لحمي وعظامي ، في مجرى الزمان . لست طارئا على ذاتي ، ولا مرت أو تمر ذاتي ، في سماء ذاتي ، كما يمر السحاب ، ولا ضاقت ذاتي بذاتي ، ولا تمنت ذاتي ، أن تخرج من ذاتي . هي أنا ، حتى لو لم أجد حفنة من تراب ، أقف عليها ، في طريق عودتي الى ذاتي . فمن أول ما جرت ، في ربوع القدس حياة ، وأنا في فيافيها ، أشرب من ضرعها ، حليب الحياة . فأنا بذرة الحياة الأولى ، أول من شرب من ماء عيونها ، وأول من ملأ أنفاسه من هوائها ، ومتع ناظريه بنجوم سمائها ، وأوقد نارا وشوى اللحم ، وطبخ وعجن ، ورعى الخراف والماعز والأبقار ، وساس الخيل فيها ، وأول من سلك الماء في بساتينها ، وجمع حجارتها ، ورفع مأوى لحياة الانسان ، وأول من صلى ورفع بناء لعبادة خالق الخلق فيها . أنفاسي في أحشاء روائعها ، ما تزال تحكي حكاياتي ، وتقص قصة ابداعي . ابتسامتها من طين ابتساماتي ، وأناتها تتكلم بآهاتي ، وما حزنها سوى أحزان ، تموج ما بين أقطاري . فهي يبوس ، أورسالم ( مدينة سالم ) ، القدس ، الاسم الذي رسمته ، أبدعته ، فعرفته الدنيا من لساني . هي عين الوجود ، وماء الهوية ، وراسم اتجاه الحرص على الذات . هي البدايات والنهايات في تاريخ عروبة ، ما استتب لها أمن ، في كل وقت ، كانت القدس فيه تئن من الآلام . ما كنت وهما ولا سرابا ، ولا ريشة ، في جناح طير يفر ، من مناخ الى مناخ . ولا كنت نباتا في قوارة ، تباع في الأسواق ، لتذبل في وقت ، من الأوقات في الشرفات . ولا أرقت دما من أجل قروش ، أو كساء أو طعام تلوكه عضلات قلبي ، فتستعيد به بعض الدماء ، ولا خطر على بالي يوما ، أن أحمل عصاي ، وأشق بها فرح الآخرين ، حين كانوا نياما ، أو في شواغلهم ، أو في حفل عرس أو ميلاد . ولا استوى لي ضمير ، على راحة ، كلما وقعت عيناي ، على مرارة تموج ، في وجه انسان . ولا عربدت قوة بيدي ، ولا أفرغني غرور ، من عدل ومن حياء . حكايتي في الزمان ، عدل سابح في مجرى الحياة ، وما ارتخى لي عود ، في أحلك ظرف ، مررت به تحت السماء . وما انفرط لي عقد محبة ، ولا تخللني شك ، في وجوب استواء العدل ، على مشارب الحياة . لو كنت وهما ما ضجت آهاتي ، ولا ضمني ألم ، ولا سبحت النار في أحشائي ، ولا تناهت الى مسامع الدنيا أناتي .. أضعت في مرحلة من الزمان نفسي ، وتلك كانت فرصة الغرباء ، للرقص على جراحي . تلك أسوار القدس ، وروائع التاريخ تساورها ، تحكي قصة العقل الفاعل والابداع ، وتقول بأن العقل ، حين كان فاعلا ، فلم يبزه أحد ، في دنيا الأنام ، وبأن جفون القدس ما تشققت ، ولا التراب بكى على التراب ، الا بعد أن تم اقصاء العقل ، عن ارتياده صنعة الابداع . لن تجف الدموع ، وتعلو البشاشة أسوار القدس ، وتضحك باحات الأقصى ، اذا لم يحترف العقل ، صنعة الحرية في صيرورتها ، في الزمان ، ولن تطل اشراقة ابتسامة ، على مداخل الأقصى ، من تأقلم وتخندق في أسوار الحصار والانتظار . يعود العقل بعد اقصاء له عن دوره . يعود الى ابداعاته ، ويتربع سيدا لكل ابداع . وتعود ابتسامة القدس ، زغرودة النهار ، على لسان البشارة ، بزوال الحصار والانتظار ، من جغرافية مواطىء أقدام الانبياء . |
#6
|
|||
|
|||
![]() وهات شروقا
بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين هات أسقني من شفاه الحرية وجودا لعلي على أجنحة الوطن أليك اطيرا فأنا في العذاب تائه أتوق لكي أثورا وأرى شروق الوعي يبدل بي أمورا أنا الشقاءالذي يتمنى أن يرى شروقا كيف يا شروق أرى نهاري مسرورا فهذا الليل دامس بحرف القهرمكتوبا فأو أزول أو أكون عبدا تافها مخبولا لا يا ليل فعلى عتباتك أحسها شروقا وقع أقدام حرية تدق وأحسها عطورا في نور النجوم أرى الشروق مكفولا سائل شروق تقل الليل حتما يزولا لا مفر من زوال يعانق قهرا ملعونا بيدها قلم يلامس النهار بحرفه فيكونا وفكرها حرية تشرب الكائنات نورا ومن عينها بريق يحيل الليل مدحورا وفي قلبها وطن بالحب بالعز مصونا تزرع في تراب الفقر ورودا وحبورا تطعم الفقر من كل وعي مثابر ثبورا أواه أيتها الكرامة يا وطنا ملؤه نخيلا هات أسقني من حرية أغدو بها جميلا هات يدا وأدحري ليلي وهات شروقا |
#7
|
|||
|
|||
![]() مأخوذ أنا بسحر عينيك
بقلم محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم ..فلسطين مأخوذ أنا بسحر عينيك وحلاوة رسمك أحبك و قلبي ونبضه يخفق بحروف أسمك عيوني كيفما دارت ترى الاشياء بلون حبك كلما رف صوت هفا بي الشوق الى صوتك وما أحتلني مثل عطر معطر بحلاوة ثغرك شفتاك شهوة تسلبني عقلي فأظل أهذي أحبك سناء ضياء يأسرني وأهيم الى منابته في خدك أنفاسي مبللة بمرءاك بهمسات عينيك وعطرك وأكتافي وما عليها من ذكريات كتبتها بشعرك وكلماتي وما فيها من رحيق شربته من قدك فاتنتي عمري حياة حياتي يا حياتي أحبك أنا ظمآن وقد سبيتني بخطفة برق من عينك فأنا ما عرفت الحب يا حبيبتي قبلك ولا بعدك ولا رفت أجنحة روحي ولا قلبي طربا بغيرك فدعيني أبوس الأرض التي أنبتت زهرة مثلك أصبح لي وطن أنت سناه من ساعة ما عرفتك في قلبي أنت وأبحث عن عز يضنمي ويضمك الوطن أنت شروقه حريتة ونهاره ينطق أحبك شروق الحرية نهار تقول الشفاه فيه أنا مجدك الحب ماء الوجود جوهرة الحرية تسكن وطنك هذا العيد جاء والظلم ما زال يتكاثف في أرضك غزة في الحصار والضفة يلتهمها الغزاة فما قولك وأكباد في القيد تئن من عذابات وقهر فهات ردك سألت الحرية فقالت بأنها الحياة وحبك وثوبك ونظرت فيك فاذا قولك بأن حرية الوطن مهرك عجبت للقاء في زمن لا أدريه وتهت في أمرك كيف يكون السبيل الى شد أزر الحرية وأزرك هل بغير وطن يسند وطنا تكون الحرية لحبك لولا شروق النهار على الدنيا ما عرفت ظلك ظلك في النهار يعني أنك موجودة على أرضك كيف نستخرج ظل الوطن فينا من دون حملك أنت الشاطيءحين موج البحر يضرب رملك وأنت التراب وبذرة الحياة تنفلق في جوفك تضرب جذورها وتشرب الحرية من جذعك وأنت النماء أمل الحياة في البذور في رحمك رائعتي أنت كما الارض بدء الحياة من جوفك تعانقين البذور ترعين نموها تسقينها من لحمك الوطن أنسان تلدينه تسقينه الحرية من نبضك الحرية وطن يولد تشبعينه رضاعة من ثديك الحب يا حبيبتي وطن حرية تنير بالعز وجهك بدء الحياة حب شروق نهار العزة على وطنك مواسم البذار حياة في شروق يضاء بها زمنك كل عام وأنت شروق وطن راياته تشد أزرك تسقين الوطن زنودا تزيدك فخراعلى فخرك وتشرقين مزنرة بالراية والحرية تكلل رأسك وتأمرين و تهمسين أكتب لي وأنا طوع أمرك |
#8
|
|||
|
|||
![]() شروق
بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم..فلسطين شروق ريحانه ثقافة ووعي، يتعطّر بها الوطن، وبروائحها ، يود لو يجعل حياته خضراء، مثل بساط الربيع في نيسان، وبيضاء في صفاتها مثل بشائر الأمل في ثقافة الأحرار. فقد عصفت موجات ظلام سوداء بالوطن، وما زالت رياحينه تعاركها، فتسيل من عروقها دماء حمراء، فتتجلى مثل شفق أحمر بين طياته شروق، يسبق ميلاد النهار. ما جعل شروق أحلى كلمة، وأعذب لحن في فم كل حر أجهدته مهماته ، ويهيم به الشوق الى ما يتوجب فعله، فقد طال انتظار شروق الحرية وابتسامة نهارها في الحياة.. شبت في ظروف، لم يبق فيها شبر من الارض، الا وقد حطّ عليه نير احتلال، وضاقت المساحة تحت أقدام العيش، فلاح العلم كطريق من مأزق المعاش. فعرفت شروق طريقها، وأقبلت على العلم وأليه ، تزيد في ثقافتها ووعيها، ترقب حركة الحوادث، ترى وتسمع وتبني موقفا، الى أن اصبحت غايتها أن يتم سحب كل شبر أرض من تحت أقدام الاحتلال. شربت شروق من حركة الحوادث ما جعل لها بصيرة نافذة تحيط وتدقق في أدق التفاصيل، وتعرف الأسباب ثم تبني موقفا. انتهت الى أن من مقتضيات الحرية، أن تتغذى وتنمو – لا أن يتم اختزالها بقوى تضعفها أو تنفيها. ما دعاها الى المجاهرة بالمناداة بلزوم التفريق بين الثقافة ، وبين ثقافة هي أحوج ما تكون الى الاعتقال، أي الى مصانع تنقية تزيل ما التاثت به، وله خطورة على ضرورات الوطن. فعلى حد تعبير شروق، فحاجتنا الى العقل، أن يعقل الظروف صحيحا، وأن يقدر الموقف صوابا، فعلى ذلك يترتب فعل ارادة، وما يليه من ردود فعل، فتنقية ما تضر فئات ان تدعوها ثقافة، انما هو ضرورة واستقامة عقل واداء ارادة، في السير بالوطن صحيحا الى الامام. ولعل أول كلمات حطّت من فم شروق على جوارحي، قد جاءتني، مثل خطفة البرق لتضيء لي جانبا من شخصية هذه الفتاة، وصفحة من وعيها وثقافتها وما لها من صياغات لتفاعلاتها بقضايا الوطن، وكانت فرصتي هذه قد حلت في وقت كانت النيران فيها قد تراجعت، تاركة وراءها أشلاء ودماء وبيوتا ممزقة، وجمعا يغمر المكان . فإذ ذاك لفتت انتباهي فتاة فارعة الطول، شقراء، رومية المحيّا، مزنّرة بالحطة الفلسطينية ومعصوبة الرأس بالراية وعلى ثيابها دماء كما على يديها، فدانيتها مشدودا اليها بقوة انفعالها بمشهد غاب عن الأنظار بقوة الدمار، واقتربت حتى أصبحت أمامي، فتراءى لي بأنها بانفعالها وكلماتها تلد وطنا. وقلت آنذاك في نفسي، بأن وطنا فيه هذه الفتاة لا يمكن له أن ينكسر. وعلى غير انتظار مني أحسست بأن هذا الاسم، شق أحزاني بزهرة فرح، رحت أحرص عليها أن تتغذى وتنمو في مستقبل أيامي. وبينما انا تحت وقع انفعال جارف بما حل بالمكان، وبأصوات ملؤها مرارة وغضب، وأين انتم يا عرب.. استوقفني قول شروق بكل غضب تسعه الكلمات.. ليست دبابات الاحتلال وحدها تمزقنا وتردينا اشلاء، اشلاء، او اذلاء، اذلاء، لا والف لا.. هنالك من وقعوا في مصائد تخلّف ورجعية متحالفة مع الاستعمار، واصبحوا بثقافة داخلها السم يتوهمون بأنهم يقيمون اعمدة مستقبل، ولكنهم في شوارع الوطن يفعلون الآن ما تفعله دبابات وطائرات الاحتلال.. فكلها أحقاد وكلها نيران تلتقي في صدورنا. وبين اول شروق لشروق على نافذة عقلي، وشروق جاء بعده، هدرت في ارجاء الوطن عواصف هدم، وتلاحقت كما تفعل جرافة ببيت عربي في القدس، لا تترك عملها حتى لا تدع وراءها أي اثر يدل على ان عربيا كان في بيت هناك. ما يدل على ان صراع الوجود ينطوي على صراع، على الدلالات، فمحو الدلالة بفم جرافة يسقط به حق الوجود. وتنسى الجرافة بأنها تكتب زيفا، وبان القوة يمكنها ان تكتب فصلا داميا، وبان تبرره بأصلف زيف. ولكنها تبقى عابرة، ولكنها تبقى عابرة، زيفا داميا، فصلا في كتاب شرق طالما كساه الليل.. فكان الشروق، وكان النهار. وتقلبت شروق على أكف عذابات الوطن وآماله، بين فعل تريد ان توقف به زحف جرافة تهجم على بيت او على زيتونة، او على دلالة، وبين فعل تريد به ان توقف تقدم نيران، لا تهنأ بغير دماء تنسكب واشلاء تتطاير مثل شظايا قنابلها عند الانفجار، هكذا هي شروق، فالوطن اولا، فاذا لا أمن لوجود، فهذا الوجود بين انياب الطامعين. وتراها وهي ترى الموت، ولا عقال له، تهب صائحة، ذلك الموت جاء يعلن ميلاد الحياة. وحين رجت الارض من وقع الظلام في بيت حانون، انتصبت قامتها، وهاجت بما بها من فهم لمجرى موجات الظلام في النهار، وصاحت، لا يبدد الظلام سوى علو قامات الضياء. وتنظر اليها، فتراها مثل لبوءة تنقل خطاها وهي قابضة على ان تلغي جوعها بانيابها، فاصداء مشاهد الاشلاء في وعيها تضج بالنداء.. تنادي عليها، خذي مكاني، فأنا أم، وأنا طفولة، وأنا في مهد احلامي، وانا الحلم والتاريخ، فخذيني واشرقي صبحا يخط على الارض ربيع احلامي. خذيني الى الوعي واكتبيني نخيلا، شروقا يفيض شمسا في انفاس بلادي. إرميني نعناعا في شاي يسر به قلب استراح من عناء مشوار، اراح به الاشجار، من اشواك تقض المضاجع. اذكريني دماء كتبت على الليل تراجعا، في مهرجان شروق يعبق ببشائر النهار. تزرع شروق الآمال في صفحات الآلام، وترفرف بشوق الى كسر كل قيد يكبل زند حرية، وترسم الابتسامة في عيون معذبة بانتظارها عودة حبيب. وكلما اجتمع لها وقت،تبحث في خريطة القرى المدمرة، وتطير لترى اين كانت مواطئ اقدام، ارغمتها القوة على الغربة بعيدا عن الوطن في مخيمات اللاجئين، ويا لحصاد ذهولها مما يجتمع لها بين جفونها، وبين عيون عقلها من المأساة. فكأن غيوم الاحزان تتلبد في نفسها لتمطر من عيونها دموعا، تكلم التراب حين تقبّله بأنها حيث لا مفر، تعود حياة فارقت مكانها مكرهة، فهي على موعد مع نفسها ان تعود. ولو سألت شروق، عن الصبر والى اين امتداده، لقالت هو بامتداد اللانهاية. لا نهاية لصبر على العودة حتى تأتي. وما هو الصبر؟ انه ممانعة العزة، وآلية الاستقواء التي بها ينبلج صبح ابداع واستواء على مادة رد الفعل، واستذراء بها الى مرتبة عندها تتبدل الادوار، فمن جاء يدوس الكرامة، ويريد لها ان تنسلخ من دورها، يجد هذه الكرامة تقدم له، ما هو به يرتدع، ويرتد الى الوراء وبطريقة لم تخطر له على بال. سقاها الوطن صبرا، وثّاب التحدي على كل جرح، وسقاها الغناء بمعنى التحدي، فثمة زغرودة من قلب حزن، علامة قول لا، واصرار على التحدي. تضم ام الشهيد وتقول: هيه في الغناء.. غني، وأَسمِعي الدنيا فرحتك بشهادة أعز نفس اليك في الحياة. وأتذكر بان حظي رقص لي، في لقاءات عديدة التقيتها فيها، ما ساعدني ان اعرف عنها كل ما سعيت اليه. وكانت اول مرة اتحدث فيها مباشرة معها، قد سبقت التحاقها بالجامعة بعامين. فعلى غير ميعاد التقى نظري بها، وكانت بين اكوام من بقايا دار انزلتها صواريخ طائرة من طولها. وقد كانت تفتش في البقايا، فدانيتها وبوجع رفض لما آلت اليه هذه الدار، وبألم لا يختلف عن مثله في نفوس اهل الدار، سألتها ماذا تفعلين، قالت: ابحث عن كتبي ودفاتري، فلعلي اجد بعضها. قلت: ما اسمك، قالت والابتسامة تعلو محياها. الا يكفي ان تعرفني بأني شروق.. اسمي وقت ميلادي، فدى، اعطوني للوطن، بقراءة من عيون رأت أمامها مستقبلا ينتظر هذه التي لا تزال في المهد صغيرة. قلت: هل تكتبين شيئا مما يمر بك، قالت وقد وضعت راحتيها على خاصرتيها، ورفعت رأسها الى السماء، وملأت صدرها بالهواء، ثم تنهدت وفاهت، لولا هذه الذاكرة التي تساعدني على كتبي ووظائفي، لما عرفت كيف اجد سبيلي الى علم اريد تحصيله، على اية حال، مثلي يفعل والخير في امثالك، فانتم اقلام الحركة البانية لحرية هذا الشعب. سألتني عن اسمي، فهذا الاسم ربطني بالشمس، فحازت على اهتمامي تلك البقع السوداء، فبرغم ظهورها المتتالي على سطح الشمس وعلى اختلاف عددها، تظل الشمس تملأ الدنيا اشراقة وضياء. لكن المجتمعات، بكثرة البقع السوداء فيها. لا يمكنها ان تضيء. تنشغل بصراعاتها الداخلية، وتتطاحن، ولا ادري، ان كنت تلاحظ الخطر الذي بدأ يلوح في مجتمعنا من جراء كتلة سوداء هنا واخرى ربما تظهر غدا. انا اريد ان اقوم باجراء بحث عن هذه البقع، فهل تساعدني؟ فقلت: فهذا شاغلي الذي يشقيني ويبعث في داخلي مخاوفي. ثم قامت من مقعدها، وراحت تدور في غرفتي التي تغطت جدرانها برفوف كتب، تجمعت وتكدست بمرور السنين، فتارة تمر برموشها على اسياد كتب، وتارة اخرى تقلب بأناملها في صفحات كتاب، بينما انا والصمت يلفني في مكاني، افكر بما اشغلت به بالي. حتى اخرجتني من انسراحي ودهشتني بقولها، وبيدها كتاب عنوانه ناجي العلي، لو ان كل قلم بصفاء ريشة هذا، لما كنا بحاجة الى الفهم متأخرا، بان يافطة يجب ان توضع امام كل مكتبة او كتاب، وعليها حاذر من ان تصطادك ثقافة الظلام. وخطت شروق خطوتين، واذا هي بجانب خريطة القرى المدمرة الممتدة على احد احواط مكتبتي، ادارت رأسها، وزرعت عيونها فيها وأطالت، ثم عادت وحددت البصر نحوي، فاذا بها شحوب، هو ما أبقت اصداء النكبة في وجهها، بعد ان مرت عليها برموشها. وشاع صمت في الغرفة. لا يلحظ العقل فيه سوى نظرات في الواقع تُسائل نظرات في النكبة. ثم شقّت شروق الصمت بتساؤلاتها، لماذا هم عرفوا كيف يصنعون لنا مأساتنا، ولماذا نحن لم نعرف كيف نحفظ أمننا في ديارنا. لماذا هم برغم التباين في عروقهم وثقافاتهم والتراكيب الاجتماعية التي انحدروا منها، عرفوا كيف يأتون من كل بقاع الدنيا، وعرفوا كيف يخرجوننا من بيوتنا، ويقيمون دولة كانت الفكرة وكانت الثروة، وكانت العلاقات مع العالم، يؤتقون بها الى ما يريدون، وكانت الدولة. كانت القوة تقابل ضعفنا، وحلّت المأساة. لماذا هم يتبادلون السلطة، ودخان حواراتهم ملء أ سماع الدنيا، ولا حوار بالنار على رأي ولا على موقف.. حوار وفقط حوار. فماذا تفعل النيران في شوارعنا، تتصيّد رأيا، موقفا، لحما.. لماذا أصبح في شوارعنا، الآخر يخاف السلاح بيد أخيه. كيف تكون دولة، والنار بيد رأي تأكل من لحم صاحب الرأي الآخر!! هل دماء موقف يجب ان تسيل من اجل ان يستبد ويطغى موقف آخر؟!! فماذا يكون حال الانسان وكيف يكون حال الوعي والثقافة؟!! يصبحا مقيدين وأسيرين بيد بندقية، ويصبح لدينا أسرى بيد احتلال وأسرى بيد وعي وثقافة، تطل من عيونهم النار علينا. والى هنا راح يتلبد الحزن في وجه شروق، فقد شقها ألم شديد، وهي تقول: دمروا العراق بعد شموخ البناء.. سقط الامن القومي تحت اقدام الامريكان. وفي شوارعنا، ناسنا تائهون، خائفون، حيارى بين ألسنة النيران، فهذا يأكل بالنار من لحم هذا، كيف يتأتى لقلب قتل طفل، كيف تحاصر مئات البنادق بيتا وتقتل الرجل وأطفاله.. تفعل ما يفعله الاحتلال.. هل هي رخيصة الى هذا الحد هذه الدماء؟؟ هل هذا هو وعي يقيم صرح بناء؟!! وندت من عينها دمعة، ونشج صدرها، ثم اجهشت بالبكاء وتاهت بي حيرتي وتململتُ في مكاني، وقد كان بودي ان أقوم من مكاني، وأن اضمّها الى صدري في عناق بين جيلين، اجتمعا على حب يجددان به حاضرا ، يرسمان به قبلة على أبتسامة شروق شمس الحرية. ملاحظة : هذا نص مختصر لمقال شروق ،قد خطه الكاتب بقلمه ليسهل للقارىء قراءة هذه السيرة الرائعة لهذه العبقرية الوطنية شروق ، ومن يرغب بالسيرة بنصها الكامل فعليه ، أن ينتظر نشرها ، فالكاتب في اكباب على اعادة صياغة لها بسبب من اضافات تثريها ، وتقلل من كونها كائن حبري لتغدو كما هي في الواقع |
#9
|
|||
|
|||
![]() الى اخي محمد جبارين ( ابو سامح ) مشكوووووووور على الكلمات الرائعة الجميلة وان شاء الله اكون عند حسن ظنكم
اعطوني شوية وقت لاني مشغول كثير هذه الفترة |
#10
|
|||
|
|||
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|