ملتقى الفيزيائيين العرب > منتديات أقسام الفيزياء > منتدى الفيزياء الكونية. | ||
الثقوب السوداء ومفارقة المعلومات |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الثقوب السوداء ومفارقة المعلومات
[B]بسم الله الرحمن الرحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيم[/ B] الثقوب السوداء ومفارقة المعلومات ماذا يحدث للمعلومات في مادة دمّرها ثقب أسود؟ للإجابةعن هذا السؤال، يتوجه الفيزيائيون نحو نظرية كمومية للثقالة. هذا الموضوع منقول عن مجله العلوم الامريكيه كاتب الموضوع:- L. سَسْكِند في مكان ما في الفضاء الخارجي خرَّب كبسولة الأستاذ ويندباگ الزمنية خصمُه الماكر الأستاذ گولاش. تحتوي الكبسولة على النسخة الوحيدة لصيغة رياضياتية في غاية الأهمية ستستخدمها الأجيال القادمة. لكن مخطط گولاش الشيطاني في وضع قنبلة هيدروجينية على متن الكبسولة قد نجح... انفجار! فقد تبخرت الصيغة وتحولت إلى سحابة من الإلكترونات والنكليونات والبروتونات وربما نيوترينو أيضا. لقد ذُهل ويندباگ؛ فالصيغة ليست مسجلة لديه وهو لا يتذكر كيفية استخراجها. وفيما بعد، في المحكمة، يتهم ويندباگ خصمه گولاش بأنه ارتكب إثما لا يغتفر: «إن ما فعله هذا الأحمق لاعكوسا irreversible. لماذا، لأن الشيطان دمَّر صيغتي وينبغي أن يدفع الثمن. تبا له ولمنصبه.» يبدو سطح الثقب الأسود لويندباگ (في سفينة الفضاء) مثل غشاء كروي يدعى الأفق. إن ويندباگ يرى گولاش، الذي يسقط في الثقب الأسود، كما لو أنه يتباطأ ويتسطح عند الأفق؛ ووفقا لنظرية الأوتار يبدو گولاش أيضا أنه ينتشر على الأفق كله. وهكذا فإن ويندباگ، الذي يمثل المراقب الخارجي، يرى كما لو أن المعلومات المحتواة في كل ما يسقط في الثقب الأسود، تتوقف عند السطح. لكن گولاش يجد نفسه يسقط مجتازا السطح نحو مركز الثقب الأسود حيث ينسحق. فيجيبه گولاش بهدوء: «هراء! فالمعلومات لا يمكن أبدا أن تدمَّر. والمسألة كلها في كَسلِكَ يا ويندباگ. صحيح إنني خلطت الأشياء قليلا، لكن ما عليك القيام به هو أن تذهب وتجد كل جسيم في الحطام وتعكس حركته. وبما أن قوانين الطبيعة متناظرة بالنسبة للزمن، لذلك إذا عكستَ كل شيء فستجد صيغتك الغبية قد أعيد تركيبها من جديد. وهذا يبرهن، بما لا يدع مجالا للشك، بأنه ما كان بإمكاني أبدا أن أدمّر معلوماتك الثمينة». ويربح گولاش القضية. لكن انتقام ويندباگ كان شيطانيا أيضا. ففي حين كان گولاش خارج المدينة، سُرق حاسوبه مع جميع ملفاته بما في ذلك وصفات الطبخ. ولكي يتيقن ويندباگ بأن گولاش لن يتمكن مطلقا من الاستمتاع بأكلته المفضلة يقوم بإطلاق الحاسوب إلى الفضاء الخارجي مباشرة إلى داخل ثقب أسود قريب. وأثناء محاكمة ويندباگ كان گولاش مضطربا: «لقد بالغتَ كثيرا هذه المرة يا ويندباگ، فما من وسيلة لاسترداد ملفاتي لأنها داخل الثقب الأسود، وإذا دخلتُ إلى هناك لأخذها فسأسحق لا محالة. لقد دمرتَ المعلومات حقا، وستدفع الثمن غاليا.» هنا يهبّ ويندباگ واقفا: «أعترض يا حضرة القاضي، فالجميع يعلم أن الثقوب السوداء تتبخر في النهاية. انتظر فترة طويلة وسيشع الثقب الأسود كامل كتلته ويحوِّلها إلى فوتونات وجسيمات أخرى تصدر عنه. صحيح إن هذا قد يستغرق 1070 سنة، لكن ما يهم هو المبدأ. والأمر هنا لا يختلف في الواقع عن القنبلة. وكل ما على گولاش أن يقوم به هو أن يعكس مسارات الحطام وسيعود حاسوبه طائرا إليه من الثقب الأسود.» «ليس الأمر هكذا!» يصيح گولاش. «فالوضع هنا مختلف. لقد ضاعت وصفتي خلف حدود الثقب الأسود، خلف أفقه. وحين يتخطى شيء ما الأفق لا يستطيع أبدا الخروج ما لم تتجاوز سرعته سرعة الضوء. وقد علّمنا آينشتاين أنه ما من شيء على الإطلاق يمكنه تجاوز هذه السرعة. لذا لا يمكن بحال من الأحوال لنواتج التبخر التي تأتي من خارج الأفق، أن تحوي وصفاتي الضائعة حتى ولو بصورة مشوشة.. إنه مُذْنِب يا حضرة القاضي.» هنا تشوش القاضي: «يلزمنا بعض الشهود من ذوي الخبرة، فماذا تقول يا أستاذ هوكنگ؟» يتقدم ستيفن هوكنگ(1) (الأستاذ في جامعة كامبردج) من المنصة: «إن گولاش على حق. ففي معظم الحالات تتشوش المعلومات، وفي المعنى العلمي تضيع. فلو أننا، على سبيل المثال، قذفنا في الهواء مجموعة جديدة من أوراق اللعب لاختفى الترتيب الأصلي لهذه الأوراق. ولكن من الممكن، من حيث المبدأ، أن يُعاد هذا الترتيب إذا كنا نعرف التفاصيل الدقيقة للكيفية التي قُذفت بها الأوراق. وهذا ما يدعى بالعكوسية الصِّغرية (المكروية) microreversibility. ولكنني بيّنتُ في مقالتي المنشورة عام 1976 أن مبدأ العكوسية الصغرية، الذي يبقى دوما صحيحا في كل من الفيزياء التقليدية والكمومية، لا يصح في حالة الثقوب السوداء. فالثقوب السوداء هي مصدر أساسي جديد للاعكوسية في الطبيعة؛ لأن المعلومات لا يمكن أن تفلت من خلف أفقها.» يلتفت القاضي هنا إلى ويندباگ «بماذا ترد على هذا؟» فيستدعي ويندباگ <G. هوفت> الأستاذ في جامعة أوترخت. يستهل هوفت كلامه بالقول: «إن هوكنگ مخطئ»، ويتابع قوله: «باعتقادي لا ينبغي أن تؤدي الثقوب السوداء إلى خرق قوانين الميكانيك الكمومي المعتادة، وإلا لما أصبح للنظرية من ضابط. فنحن لا نستطيع أن نقوّض اللاعكوسية الصغرية من دون أن ندمّر انحفاظ الطاقة. فلو كان هوكنگ على حق لسخن الكون حتى بلغت درجة حرارته 1031 درجة في جزء صغير من الثانية. ومادام هذا لم يحدث فلابد إذًا من وجود طريق للخروج من هذه المعضلة.» ثم يُستدعى إلى المنصة عشرون فيزيائيا نظريا شهيرا آخرون. وكل ما يتضح بالنتيجة هو أنه ليس باستطاعتهم أن يتفقوا. مفارقة المعلومات(2) إن ويندباگ وگولاش هما بالطبع شخصيتان وهميتان، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى هوكنگ وهوفت، ولا بالنسبة إلى الحوار حول ما يحدث للمعلومات التي تسقط داخل ثقب أسود. إن ادعاء هوكنگ بأن الثقب الأسود يستهلك المعلومات قد لفت الانتباه إلى خلاف حقيقي قد يقع بين الميكانيك الكمومي ونظرية النسبية العامة. وتُعرف هذه المسألة باسم مفارقة المعلومات(3). في هذا التشبيه يُمثَّل الأفق غير المرئي كخط في نهر، فإلى يمين هذا الخط يجري الماء بسرعة أكبر من السرعة التي يستطيع أن يسبح بها «سمك الضوء». فإذا حدث وانساقت سمكة ضوء خلف هذا الخط، فلن تستطيع العودة أبدا بعكس التيار، ومحكوم عليها إذًا أن تُسحق في الشلال. لكن السمك لا يلاحظ شيئا خاصا عند الخط. وبالمثل، فإن شعاعا ضوئيا، أو شخصا داخل الأفق لا يتمكن أبدا من الخروج منه، ولا بد أن يسقط الجسم في التفرد singularity في مركز الثقب الأسود، ولكن من دون أن يلاحظ أي شيء خاص فيما يتعلق بالأفق. حين يسقط شيء ما في ثقب أسود، فلا يمكن أن نتوقع مطلقا أن يعود منه. وحسب هوكنگ فإن المعلومات المكوَّدة(4) في خواص ذراته المكوِّنة له يستحيل أن تُسترد. لقد سبق لآينشتاين أن رفض الميكانيك الكمومي قائلا: «إن الإله لا يلعب النرد». لكن هوكنگ يقول إن: «الإله لا يلعب النرد فحسب بل ويرميه أحيانا حيث لا يمكن أن يُرى» ـ يرميه في ثقب أسود. ويشير هوفت إلى أن القضية هي في أنه إذا كانت المعلومات تضيع حقا فإن الميكانيك الكمومي ينهار. إذ على الرغم من لاحتمية(5) الميكانيك الكمومي الشهيرة فإنه يضبط سلوك الجسيمات بطريقة نوعية جدا: فهو عَكوس(6). فحين يتفاعل جسيم مع آخر، فهو إما أن يُمتص أو ينعكس أو ربما يتفكك إلى جسيمات أخرى؛ لكن بوسع المرء دوما أن يعيد بناء تشكيلة الجسيمات انطلاقا من النواتج النهائية. فإذا ما حطمت الثقوب السوداء هذه القاعدة أمكن أن تنتج الطاقة [من لا شيء] أو أن تُدمَّر، مهددة بذلك إحدى أهم دعامات الفيزياء الأساسية. فالذي يضمن انحفاظ الطاقة هو البنية الرياضياتية للميكانيك الكمومي، وهي التي تضمن كذلك العكوسية؛ وفقدان إحداهما يعني فقدان الأخرى. وكما بيّنت عام 1980 مع كل من <T. بانكس> و <M. بِسكين> في جامعة ستانفورد، فإن فقدان المعلومات في ثقب أسود يؤدي إلى توليد كميات هائلة من الطاقة. ولذلك يعتقد هوفت، وأنا أيضا، أن المعلومات التي تسقط في ثقب أسود يجب أن تصبح بطريقة ما، متاحة للعالم الخارجي. يشعر بعض الفيزيائيين أن مسألة ما يحدث في ثقب أسود هي مسألة أكاديمية، أو حتى لاهوتية، مثلها مثل عدّ الملائكة على رؤوس الدبابيس. لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق: فالقواعد المستقبلية للفيزياء مرهونة بالتقادير. أمّا العمليات التي تجري داخل ثقب أسود فهي ليست سوى أمثلة حدية للتفاعلات بين الجسيمات الأولية. فعند الطاقات التي يمكن أن تبلغها الجسيمات في أكبر المسرّعات (المعجّلات) الحالية (نحو 1012 إلكترون ڤلط) يكون التجاذب التثاقلي بين هذه الجسيمات مُهْمَلا. أما إذا اكتسبت الجسيمات «طاقة پلانك»، البالغة نحو 1028 إلكترون ڤلط، أصبحت هناك طاقة ـ وإذًا كتلة ـ كبيرة جدا مركّزة في حجم صغير جدا بحيث تفوق عندئذ القوى التثاقلية جميع القوى الأخرى. وحينئذ تشمل التصادمات الناتجة كلا من الميكانيك الكمومي ونظرية النسبية العامة بصورة متساوية. وعلينا أن نتوجه إلى المسرعات الپلانكية Planckian لا غير من أجل الاهتداء إلى بناء النظريات المستقبلية للفيزياء. لكن، للأسف، يستنتج <S. نوسينوف>، أن حجم مسرِّع كهذا سيكون على الأقل بحجم الكون المعروف كله. وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكن اكتشاف الفيزياء عند طاقات پلانك بفضل الخواص المعروفة للمادة. فللجسيمات الأولية تشكيلة من الصفات المميزة قادت الفيزيائيين إلى الظن بأن هذه الجسيمات ليست في نهاية المطاف أولية تماما؛ إذ ينبغي أن يكون لها في الواقع قدر كبير من الآليات الداخلية غير المكتشفة والتي تعينها الفيزياء عند طاقات پلانك. وسنقدر ملاءمة الاندماج بين النسبية العامة والفيزياء الكمومية ـ أو الثقالة الكمومية ـ تبعا لمقدرته (الاندماج) على تفسير الخواص القابلة للقياس للإلكترونات أو الفوتونات أو الكواركات أو النيوترينوهات. لا نعرف معرفة مطلقة أكيدة إلا القليل جدا حول التصادمات ذات الطاقة الأعلى من طاقة پلانك، لكن ثمة تخمينات جيدة تدل على البراعة. فالتصادمات الجبهية عند مثل هذه الطاقات تشتمل على مقدار كبير جدا من الكتلة مركّز في حجم صغير جدا هو الذي سيشكله الثقب الأسود ثم يتبخر فيما بعد. ولذلك فإن تخيُّل ما إذا كانت الثقوب السوداء تخرق قواعد الميكانيك الكمومي أم لا، هو أمر أساسي بالنسبة لحل لغز البنية النهائية للجسيمات. يولد ثقب أسود حين يتجمع مقدار كبير جدا من الكتلة أو الطاقة في حجم صغير لدرجة أن قوى التثاقل تفوق جميع القوى الأخرى فينهار كل شيء تحت ثقله الخاص به. وتنضغط المادة حتى تحتل منطقة يصعب تخيل صغرها تدعى تفرّدًا (أو شذوذا) singularity. وفي داخلها تكون الكثافة جوهريا لانهائية. لكن التفرد ليس بحد ذاته هو الذي سيكون محور اهتمامنا. يحيط بالتفرد سطح تخيلي يدعى الأفق horizon. ويكون الأفق، بالنسبة لثقب أسود كتلته كتلة مجرّة، على بعد 1011 كيلومتر من المركز ـ أي على بعد مساوٍ لبعد أبعد كواكب المنظومة الشمسية عن الشمس. أما بالنسبة لثقب أسود كتلته تساوي كتلة الشمس، فلا يبعد الأفق سوى ما يقرب من كيلومتر واحد، وبالنسبة لثقب أسود كتلته كتلة جبل صغير، فإن بُعد أفقه يساوي عندئذ 13-10 سنتيمتر، أي ما يعادل تقريبا قطر البروتون. يقسِم الأفق الفضاءَ إلى منطقتين يمكننا أن نتخيل أنهما داخل الثقب الأسود وخارجه. ولنفترض أن گولاش، الذي يبحث عن حاسوبه بالقرب من الثقب الأسود، يطلق جسيما في الاتجاه الذي يبتعد عن المركز. فلو كان غير قريب جدا وكانت سرعة الجسيم عظيمة لأمكن للجسيم أن يتغلب على الجذب التثاقلي نحو الثقب الأسود ويطير بعيدا عنه. فإذا كانت سرعة إطلاقه أعظمية، أي مساوية لسرعة الضوء، فثمة احتمال كبير لأن يفلت. ولكن لو أن گولاش كان قريبا جدا من التفرد لكانت قوة التثاقل عظيمة حتى أن شعاع الضوء سيبتلع. فالأفق هو المكان الذي توجد فيه إشارة التحذير (الافتراضية) التالية: نقطة اللاعودة. فما من جسيم، أو إشارة من أي نوع، يمكنه أن يعبره من الداخل إلى الخارج. عند الأفق هناك تشبيه للثقوب السوداء مستلهم من أحد رواد الميكانيك الكمومي، وهو <G .W. أونرو> من جامعة كولومبيا البريطانية، يساعد على شرح مغزى الأفق. تخيل نهرا يصبح أسرع فأسرع في اتجاه جريانه، ومن بين الأسماك التي تعيش فيه فإن «سمك الضوء» lightfish هو أسرعها جميعا، ومع ذلك فعند نقطة معينة تكون سرعة جريان النهر هي سرعة السمك العظمى. ومن الواضح أنه لا يمكن أبدا لأية سمكة ضوء تجاوزت هذه النقطة أن تعود. لقد حُكِم عليها أن تُسحق على الصخور في أسفل شلالات التفرد الواقعة بعد هذه النقطة باتجاه الجريان. وبالنسبة لسمكة الضوء التي لا تشك في شيء فإن تجاوز نقطة اللاعودة لا يمثل حَدَثا مهما؛ إذ لا تيارات ولا أمواج صدم تحذرها من تجاوز هذه النقطة. تصف مخاريط الضوء مسار الأشعة الضوئية المنبعثة من نقطة. تتجه المخاريط خارج الأفق إلى الأعلى ـ أي في الاتجاه الأمامي زمنيا. أما في الداخل فتتجه المخاريط بحيث يسقط الضوء مباشرة في مركز الثقب الأسود. فماذا يحدث لگولاش الذي يقترب، في لحظة غفلة، أكثر مما ينبغي من أفق الثقب الأسود؟ إنه مثل السمكة المنقادة بحرية لا يشعر بأي شيء خاص، فلا قوى عظيمة ولا هزات أو ومضات ضوئية. يقيس نبضه مستخدما ساعة يده فيجده طبيعيا ويتأكد من سرعة تنفسه فيجدها طبيعية كذلك، فالأفق بالنسبة إليه كأي مكان آخر تماما. لكن ويندباگ الذي يراقب گولاش من سفينة فضاء من مكان آمن خارج الأفق يراه يتصرف بصورة غريبة. ولكي يراقبه بصورة أدق فقد جعل كابلا يتدلى نحو الأفق ووضع في نهايته آلة تصوير ڤيديو ومجسّات أخرى. فلدى سقوط گولاش باتجاه الثقب الأسود تزداد سرعته حتى تقترب من سرعة الضوء. وكان آينشتاين قد وجد أنه إذا تحرك شخصان، أحدهما بالنسبة إلى الآخر، فإن كل واحد منهما يرى ميقاتية الآخر تتباطأ. كما وجد أن الميقاتية القريبة من جسم عظيم الكتلة تكون أبطأ من تلك التي تكون في الفضاء الخالي. إن ويندباگ يرى گولاش كسولا بطيئا بصورة غريبة. وتبدو حركته أكثر فأكثر تباطؤا، وعند الأفق يرى ويندباگ حركة گولاش تتباطأ حتى تتوقف. وعلى الرغم من أن گولاش يسقط عبر الأفق فإن ويندباگ لا يراه قط يصل تماما إلى هناك. وفي الحقيقة لا يبدو گولاش أنه يتباطأ فحسب وإنما يبدو وكأن جسمه انهرس فصار طبقة رقيقة. لقد بيَّن آينشتاين كذلك أنه إذا تحرك شخصان، أحدهما بالنسبة إلى الآخر، فسيرى كل منهما الآخر كما لو أنه تسطّح في الاتجاه الذي يتحرك فيه. والأغرب من ذلك أن ويندباگ ينبغي أن يرى المادة التي سبق أن سقطت في وقت ما في الثقب الأسود، بما في ذلك المادة الأصلية المكوِّنة للثقب الأسود نفسه ـ وحاسوب گولاش ـ قد تسطحت وتجمدت عند الأفق. وبالنسبة إلى مراقب خارجي تعاني كل تلك المادة تمددا نسبويا للزمن. وبالنسبة إلى ويندباگ، ليس الثقب الأسود سوى باحة خردة هائلة من المادة المسطحة عند أفق هذا الثقب. أما گولاش فلا يرى شيئا غير عادي إلا حين يصل، بعد ذلك بكثير، إلى التفرد حيث تسحقه هناك قوى هائلة. لقد اكتشف نظريو الثقوب السوداء على مرّ السنين أنه يمكن وصف خواص الثقب الأسود، من الخارج، بوساطة غشاء رياضياتي فوق الأفق. ولهذه الطبقة صفات فيزيائية عديدة، مثل الموصلية (الناقلية) الكهربائية واللزوجة. وربما كانت أغرب صفاتها هي تلك التي افترضها في بداية السبعينات <هوكنگ> وآخرون. لقد وجدوا أنه نتيجة للميكانيك الكمومي، فإن الثقب الأسود ـ وأفقه بشكل خاص ـ يسلك كما لو أنه يحوي حرارة. فالأفق هو طبقة من مادة حارة من نوع ما. ولا تعتمد درجة حرارة الأفق إلا على المكان الذي تقاس فيه. افترض أن أحد المجسات التي ربطها ويندباگ بكابله هو ميزان حرارة، فإنه سيجد عندئذ أن درجة الحرارة، بعيدا عن الأفق، تتناسب عكسيا مع كتلة الثقب الأسود. فبالنسبة إلى ثقب أسود كتلته تساوي كتلة الشمس، فإن «درجة حرارة هوكنگ» هذه تبلغ نحو 8-10 درجة، أي أبرد بكثير من الفضاء بين المجرّات. أما حين يقترب ميزان حرارة ويندباگ من الأفق، فإنه يسجل درجات حرارة أعلى. فعلى بعد سنتيمتر واحد يقيس نحو ألف درجة. وتصبح الحرارة في النهاية مرتفعة إلى حدّ أنه ليس باستطاعة أي ميزان حرارة مهما بلغ حجمه أن يقيسها. إن للأجسام الحارة فوضى disorder خاصة بها تدعى الأنتروبية entropy. وهي تتعلق بمقدار المعلومات التي يمكن للجملة أن تحملها. لنتخيل شبكة بلورية فيها N موقعًا، كل واحد منها يمكن أن يحوي ذرة واحدة أو لا يحوي شيئا على الإطلاق. وعلى هذا فإن كل موقع يحمل بتّة bit واحدة من المعلومات تقابل وجود الذرة في هذا الموقع أو عدم وجودها؛ ولذلك فإن للشبكة كلها N من مثل هذه البتّات، ويمكن أن تحوي N وحدة معلومات. وبما أنه يوجد خياران لكل موقع، وتوجد N طريقة لتركيب هذه الخيارات، فإن الجملة كلها يمكن أن تكون في واحدة من 2N حالة (كل منها تقابل نمطا مختلفا من الذرات). وتعرَّف الأنتروبية (أو الفوضى) بأنها لُغاريتم عدد الحالات الممكنة، وهو يساوي بالتقريب N ، أي يساوي العدد نفسه الذي يعبِّر عن سعة الجملة لاحتواء المعلومات. لقد وجد بنكشتاين أن أنتروبية الجسم الأسود تتناسب مع مساحة أفقه. أمّا الصيغة الدقيقة التي استخرجها هوكنگ فتتنبأ بأنتروبية تساوي 3.2x1064 لكل سنتيمتر مربع من مساحة الأفق. وإن أية جملة فيزيائية تحمل بتّات المعلومات عند الأفق، ينبغي أن تكون صغيرة إلى أبعد حد وأن تكون متوزعة بصورة كثيفة: يجب أن تكون أبعاد البتات الخطية 1020/1 من قدّ البروتون. وينبغي كذلك أن تكون خاصة جدا لكي يغفلها گولاش تماما لدى مروره. إن اكتشاف أنتروبية الثقوب السوداء وخواصها الترموديناميكية الأخرى قاد هوكنگ إلى استنتاج طريف جدا وهو أن الثقب الأسود، مثله مثل الأجسام الحارة الأخرى، ينبغي أن يشعّ طاقة وجسيمات إلى الفضاء المحيط. ويأتي الإشعاع من منطقة الأفق وهو لا يخرق القاعدة القائلة إنه ما من شيء يمكن أن يفلت من الداخل، لكنه يتسبب في فقدان الثقب الأسود للطاقة والكتلة. وعلى مرّ الزمن يشع الثقب الأسود المعزول كل كتلته ويزول. لقد كان كل ما سبق، على الرغم من غرابته، معروفا للنسبويين relativists منذ عدة عقود. أمّا التناقضات الحقيقية فتبرز حين نبحث، متتبعين خُطا هوكنگ، عن مصير المعلومات التي تسقط في الجسم الأسود أثناء تشكله وبَعْده. وبصورة خاصة، هل يمكن لنواتج التبخر أن تحمل معها هذه المعلومات ـ حتى ولو بشكل مشوش جدا ـ أم أنها تُفقد إلى الأبد خلف الأفق؟ سيؤكد گولاش، الذي لحق بحاسوبه إلى داخل الثقب الأسود، أن محتوياته تخطت الأفق إلى ما وراءه ففُقدت بالنسبة إلى العالم الخارجي، وهذه باختصار هي حجة هوكنگ. أمّا وجهة النظر المعارضة، فيمكن عرضها على لسان ويندباگ: «لقد رأيت الحاسوب يسقط باتجاه الأفق ولكنني لم أره قط يتجاوزه. وقد تزايدت درجة الحرارة والإشعاع وبلغتا حدا عظيما جعلني أفقد أثره: وباعتقادي أن الحاسوب قد تبخر. وقد خرَجَت فيما بعد طاقة وكتلة على صورة إشعاع حراري. ويتطلب اتساق الميكانيك الكمومي أن تحمل هذه الطاقة المتبخرة جميع المعلومات التي كانت في الحاسوب». وهذا هو الموقف الذي يتبناه هوفت وأنا أيضا. تكاملية الثقب الأسود هل يمكن أن يكون گولاش وويندباگ كلاهما على صواب من وجه ما؟ هل يمكن أن تكون مشاهدات ويندباگ بالفعل متسقة مع فرضية أن گولاش وحاسوبه تبخرا حراريا وأُشعّا إلى الفضاء قبل أن يبلغا الأفق على الرغم من أن گولاش لا يكتشف شيئا غير عادي قبل انقضاء وقت طويل على ذلك، عندما يلاقي التفرد؟ لقد كنت مع <L. ثورلاسيوس> و <J. أوگلوم> أول من اقترح فكرة أن هذه ليست سيناريوهات متناقضة بل متكاملة، وكنا حينذاك في ستانفورد. ونجد كذلك أفكارا مشابهة جدا في عمل هوفت. إن تكاملية الثقب الأسود هي مبدأ جديد في النسبية. ففي نظرية النسبية الخاصة نجد أنه على الرغم من أن المراقبين observers المختلفين لا يتفقون فيما بينهم على أطوال المجالات الزمانية والمكانية، فإن الأحداث تقع في مواقع محددة في الزمكان(7). ولكن حتى هذا تنسفه تكاملية الثقب الأسود. يتضح كيف يأخذ هذا المبدأ مجراه بصورة أفضل حين يطبق على بنية الجسيمات ما دون الذرية(8). لنفترض أن ويندباگ، الذي جهَّز كابله بمجهر قوي، يراقب سقوط ذرة باتجاه الأفق. في البداية يرى الذرة نواة محاطة بسحابة من الشحنة السالبة. وتتحرك الإلكترونات في السحابة بسرعة لدرجة أنها تشكل ما يشبه الضباب، ولكن ما إن تقترب الذرة من الثقب الأسود حتى تبدو الحركات في داخلها أبطأ وتصبح الإلكترونات مرئية. أمّا البروتونات والنيوترونات في النواة فتظل تتحرك بسرعة لدرجة أن بنية النواة تبقى غير واضحة. ولكن بعد قليل تتجمد الإلكترونات وتبدأ البروتونات والنيوترونات بالظهور. وفيما بعد تنكشف الكواركات المكوِّنة لهذه الجسيمات (أمّا گولاش الذي يسقط مع الذرة فلا يرى أي تغيير). تتباطأ سلسلة الاهتزازات في الوتر وتصبح مرئية حين يسقط هذا الوتر في ثقب أسود. إن الأوتار صغيرة لدرجة تكفي لتكويد encode جميع المعلومات التي سقطت في أي وقت في ثقب أسود، وهي توفر مخرجا لمفارقة المعلومات. يعتقد كثير من الفيزيائيين أن الجسيمات الأولية مؤلفة من مكوِّنات أصغر منها. ومع أنه لا توجد نظرية نهائية لهذا التصور فإن المرشح الأكثر قبولا هو نظرية الأوتار string theory. ففي هذه النظرية لا يشبه الجسيم الأولي نقطة بل هو أشبه ما يكون بشريط مطاطي دقيق يمكن أن يهتز وفق منوالات modes عديدة. ويكون تواتر منوال الأساسي هو الأكثر انخفاضا، وهناك توافقيات (مدروجات) harmonics أعلى يمكن أن يتراكب أحدها فوق الآخر. يوجد إذًا عدد لانهائي من مثل هذه المنوالات كل منها يقابل جسيما أوليا مختلفا. وإليكم تشبيها آخر يمكن أن يساعد على توضيح الفكرة. لا يمكن للمرء أن يرى جناحي الطائر الطنّان وهو يرفرف بهما؛ لأنهما يخفقان بسرعة كبيرة. ولكن يمكنه أن يراهما في صورة التقطت بسرعة كبيرة، فيبدو الطائر عندئذ أكبر. فلو راح هذا الطائر يسقط في الثقب الأسود لرأى ويندباگ أن شكلَيْ جناحيه يظهران مع اقترابه من الأفق، وأن خفقانهما يبدو أبطأ، وأن الطائر يبدو وكأنه يكبر. والآن لنفترض أن للجناحين ريشا يخفق بسرعة أكبر من سرعة خفقانهما، فهو سرعان ما يظهر بدوره كذلك للعيان مضيفا زيادة إلى حجم الطائر الظاهري. إن ويندباگ يرى الطائر الطنّان يكبر باستمرار، أما گولاش الذي يسقط مع الطائر فإنه لا يشاهد مثل هذا النمو الغريب. إن اهتزازات الوتر، مثلها مثل جناحي الطائر الطنّان، هي عادة أسرع من أن يمكن كشفها. فالوتر هو شيء دقيق جدا لا يتجاوز قدّه1020/1 من قدّ البروتون، ولكن اهتزازاته تتباطأ مع سقوطه في ثقب أسود ويصبح الكثير منها مرئيا. ولقد بينت الدراسات الرياضياتية، التي أجريتها في ستانفورد مع كل من <A. بيت> و<ثورلاسيوس> و <A. ميجلوميان>، سلوك الوتر حين تتجمد منوالاته العليا. إذ ينبسط الوتر ويكبر تماما كما لو كان يُقذف بالجسيمات والإشعاع في وسط حار جدا. وفي وقت قصير نسبيا يُفرش الوتر وجميع ما يحوي من معلومات على كامل الأفق. تطبَّق هذه الصورة على جميع المواد التي سقطت في وقت ما في الثقب الأسود لأن كل شيء، تبعا لنظرية الأوتار، مؤلف في نهاية الأمر من أوتار. وينتشر كل وتر أولي ويتراكب مع جميع الأوتار الأخرى حتى تغطي الأفق كتلة متشابكة كثيفة. ويقوم كل قطاع صغير من الوتر، قياسه 33-10 سنتيمتر، بدور بتّة bit. وهكذا توفر الأوتار لسطح الثقب الأسود وسيلة لكي يحمل كمية المعلومات الهائلة التي سقطت فيه منذ ولادته وبعدها. نظرية الأوتار يبدو إذًا أن الأفق مؤلف من كل المادة التي في الثقب الأسود بعد أن تحللت إلى كتلة متشابكة من الأوتار. فالمعلومات، بالنسبة إلى مراقب خارجي، لم تسقط قط في الثقب الأسود وإنما توقفت عند الأفق؛ ثم أُشعّت فيما بعد إلى الخارج. وتقدم نظرية الأوتار تجسيدا ملموسا لتكاملية الثقب الأسود وبالتالي طريقة للخروج من مفارقة المعلومات. فبالنسبة إلى المراقبين الخارجيين ـ الذين هم نحن ـ لا تُفقد المعلومات أبدا. والأهم من ذلك أنه يبدو أن البتات عند الأفق هي قطع segments صغيرة من الوتر. إن تتبع تطور ثقب أسود من البداية حتى النهاية، يتجاوز إلى حد بعيد نطاق التقانات المتاحة حاليا لنظريي الأوتار. لكن بعض النتائج الجديدة المثيرة تعطي مغزى كميا لهذه الأفكار الغامضة. إن أكثر الثقوب السوداء قابلية للمعالجة من الناحية الرياضياتية هي الثقوب السوداء «الحدية» extremal. ففي حين أن الثقوب السوداء التي لا تحوي شحنة كهربائية، تتبخر إلى أن تشع جميع كتلتها، فإن الثقوب السوداء التي تحوي شحنة كهربائية أو (نظريا) شحنة مغنطيسية لا تستطيع ذلك، لأن تبخرها يتوقف حين يعادل التجاذبُ التثاقلي التنافر الكهرساكني electrostatic أو المغنطيساكني magnetostatic لجميع ما هو موجود داخل الثقب الأسود. ويدعى الجسم المستقر المتبقي ثقبا أسود حديا. وفي عام 1995 بيّن <A. سين> (من معهد تاتا للبحوث الأساسية) متتبعا اقتراحات سابقة لي، أن عدد البتّات الذي تتنبأ به نظرية الأوتار يفسر بالضبط الأنتروبية المقاسة بمساحة الأفق، وذلك بالنسبة إلى ثقوب سوداء حدية معينة ذات شحنة كهربائية. لقد كان هذا التوافق أول دليل قوي على أن الثقوب السوداء متسقة مع الأوتار الميكانيكية الكمومية. إن ثقوب <سين> السوداء كانت على أية حال، مِكروية (مجهرية). وحديثا، قام كل من <A. سترومنگر> (من جامعة كاليفورنيا) و <C. ڤافا> (من جامعة هارڤارد) وبعدهما بقليل <G .C. كالان> و <J. مالداسينا> (من جامعة برنستون)، بتعميم هذا التحليل ليشمل ثقوبا سوداء تحوي شحنة كهربائية ومغنطيسية. وبخلاف ثقوب <سين> السوداء الدقيقة، فإن هذه الثقوب السوداء الجديدة يمكن أن تكون كبيرة لدرجة تكفي لأن يسقط فيها گولاش من دون أذى. ومرة أخرى يجد النظريون هنا أيضا اتساقا تاما. لقد قامت مجموعتان من الباحثين بإجراء حسابات جديدة لإشعاع هوكنگ أكثر إثارة من سابقتها. وقد درس هؤلاء الباحثون السيرورة التي يشع بها ثقب أسود حدي بعض ما لديه من طاقة أو كتلة فائضة. وقد فَسَّرت نظرية الأوتار بصورة كاملة تبخر هوكنگ الذي حدث. وتماما مثلما يصف الميكانيك الكمومي إشعاع الذرة بأن يبين كيف يقفز الإلكترون من حالة «مثارة» طاقتها عالية إلى حالة «دنيا» طاقتها أخفض، فإنه يبدو أن الأوتار الكمومية تفسر طيف الإشعاع من ثقب أسود مثار. وأعتقد أنه على أغلب الظن سيتبين أن الميكانيك الكمومي متسق مع نظرية التثاقل، وأن اتجاهيْ الفيزياء الكبيرين هذين سيندمجان معا في نظرية كمومية للثقالة مبنية على نظرية الأوتار. وقد قامت مفارقة المعلومات، التي يبدو أنها في طريقها للحل، بدور غير عادي في هذه الثورة القائمة حاليا في الفيزياء. ومع أن گولاش لن يوافق أبدا، فإن من المحتمل أنه سيتبين أن ويندباگ على صواب: فوصفة أكلة گولاش المفضلة لم يفقدها العالم للأبد. ________________________________________ المؤلف Leonard Susskind هو أحد مبتكري نظرية الأوتار الأوائل. حصل على الدكتوراه من جامعة كورنل، ويشغل منذ عام 1978 منصب أستاذ في جامعة ستانفورد. له إسهامات كثيرة في فيزياء الجسيمات الأولية وفي نظرية الحقل الكمومية وفي الكوسمولوجيا. وقد أسهم مؤخرا في نظرية الثقوب السوداء. وقادته دراساته الحالية في التثاقل إلى أن يقترح أن المعلومات يمكن أن تُضغط إلى ما هو أقل ببعد واحد، وهو مفهوم يسميه الكون الهولوغرافي. |
#2
|
||||
|
||||
رد: الثقوب السوداء ومفارقة المعلومات
بآرك الله في جُهودك ~ |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي |
الانتقال إلى العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|