ملتقى الفيزيائيين العرب > منتديات أقسام الفيزياء > منتدى الفيزياء الكونية. | ||
لغز الانفجار العظيم |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
لغز الانفجار العظيم
--------------------------------------------------------------------------------
إشكالية الإنفجار الكبير ماذا كان هناك قبل الانفجار الكبير؟ لا شيء ... ببساطة ، فأنا لم أكن هناك !! ملاحظة: وضعت هذا المقال "كتعليق" في فترة المنتدى التجريبي الأولى على موضوع كان مقترحاً بنفس العنوان ، و ها أنا أضعه مرة ثانية -معدلاً- كموضوع للنقاش ، أرجو أن تجدوا وقتاً لتضيعوه في قراءته .... بانتظار ردكم و تعليقاتكم. أخيراً وجدت ما سأشغل به تفكري خلال الأربعين سنة القادمة من حياتي ( ماذا كان هناك قبل الإنفجار الكبير؟ ) لأني لا أظن أنه يمكن إجابة مثل هكذا سؤال في فترة أقل!! دعوني أفكر بصوت عالٍِ كيف أعاين هذا السؤال ، فأني قبل كل شيء غير معني بالإجابة نهائياً ؛ قيل مرة أن رفيف جناح فراشة في أحد جبال البرازيل قد يكون سبباً لإعصار يحدث في الصين ، إن محاولة إجابة هذا السؤال تبدو لي أشبه بطلب إلقاء القبض على تلك الفراشة. حسناً ... لم أخبركم بما أثار استغرابي: فهم يريدون بعد إلقاء القبض عليها إجراء تحليل الـ DNA الخاص بها بحثاً عن دليل يفيد في توضيح فيما إذا كانت محاولة إثارتها للإعصار هي محاولة مبيتة جينياً أم لا !! لعله من نافل القول أن أصف السؤال بأنه صعب ، نحن مطالبون هنا بتوخي أقصى درجات الدقة و سعة الرؤية . إننا في محاولة الإجابة على هذا السؤال ، أشبه بمجوعة ركاب على متن طائرة ، كلهم يعون بدقة ما يفعلون ، لكن مع تفصيل واحد مهم ، و هو أن لا أحد يعرف تماماً إلى أين الرحلة ! مبتعداً بنفسي عن الإجابات التي تشبه الحلقات العودية الفارغة Empty Loops في برنامج كومبيوتر ... كالقول بأن بداية كوننا هي نهاية كون آخر ، معتمدين على بعض التوصيفات العبثية حيناً و التعسفية حيناً و الانفعالية حيناً آخر لأننا في هذه الحالة لا نسعى نحو إجابة ، بل نكرر حلقة فارغة بهروب متكرر من السؤال ، فإذا كان كوننا الحالي هو نهاية لكون سابق ، فالسؤال إذن يتحول ببساطة إلى "ماذا كان قبل هذا الكون السابق للكون الحالي؟ " ... الآن نعيد الكرّة عدة مرات على نفس المنوال ... قد نخلص إلى أن هناك حلقة أكوان ... حسناً مرة أخرى ، ماذا كان قبل هذه الحلقة من الأكوان ؟؟ أعتقد أننا لم نتحرك أي خطوة بهذه الطريقة ، الحلقات العودية الفارغة تفيد عادة في شيء واحد : هدر الطاقة! قد لا يكون الوقت مناسباً لذلك ، و لكني أهيب بكافة المهتمين بمداولة هذه المسألة بالتوقف أولاً عن تصور "الكون" على أنه كرة كبيرة تحتوي كل شيء ممكن ، ننظر إليها من مسافة كونية افتراضية ، فنراها تضيء بسطوع معتدل وسط ظلام دامس يمثل الـ "و لا شيء" المحيط بكوننا . و أهيب قبلاً بالتوقف عن الاعتقاد -ملء عقولنا- بأن الجسيمات الأولية ( كالإلكترونات و البروتونات ، و الكواركات مثلاً ) هي عبارة عن كرات صغيرة ، لقد قمنا برسمها ملايين المرات على صفحات الكتب و ألواح المحاضرات حتى باتت في مخيلتنا أنها هي نفسها ... لأننا – و باستمرارنا بهذا التصور – نكون أشبه بالطفل الذي تسأله أمه: قل لي يا حبيبي : ما مجموع 3 برتقالات و 5 برتقالات؟ فيرد حائراً: و لكن يا أمي ، نحن في المدرسة نجمع التفاح فقط ! لندخل درجة في الموضوع : أنوه إلى حالة موروثة فكرياً لدينا : يصعب علينا إدراك أن الوجود "بالمطلق" (الكون ) قد انبثق عن عدمٍ مطلق . يُصار إلى إزاحة هذا الهم التصوري ( أو القصور الإدراكي ) بطرائق مختلفة ( كلها ببساطة تشبه تناول قرص باراسيتامول من أجل تهدئة –إدراكية- مؤقتة! )، فتارة نفترض تدخل قوة إلهية ، و تارة نميل للاعتقاد بوجود لحظة حدية مبهمة التصور ، أو بافتراض دورية تكرارية بلا بداية و لا نهاية ، لست بصدد إدانة أو تأييد أي فرض مما ذكر ، فالعلم معني بالإجابة أكثر مني ،و على كل حال فقد أخذ ذلك ممن سبقونا ردحاً معتبراً من الزمن ، و تداولوه فيما بينهم على أرض قريبة و بعيدة من هنا ، و لن أعيد اكتشاف العجلة بأي حال ، غاية اهتمامي أن أشير فقط إلى أصالة هذا القصور في التصور ، أعبّر بكلام آخر فأقول : لا يمكن أن نقبل - إلا على مضض و بإدخال ألف حيلة و تبرير – أن الكون صدر – هكذا – عن عدمٍ مطلق ، و ليس ما دفعي باتجاه تأصيل هذا القصور ، و إبدائه و تمثله ، من أجل ذاته! بل لأشير إلى قصور آخر يعادله في استعصائه على الإدراك ، و هو ببساطة : تصور العدم المطلق! هل يمكن لأي أحد ادعاء أنه يستطيع تصور الـ لا-شيء؟ هل نستطيع تصور كونٍ فارغٍ تماماً؟ هل بإمكاني تصور شيء عن العدم المطلق أقل سذاجة من مساحةٍ ، أو لنقل فراغاً ، أسود ، ممتد في كل اتجاه ... ألا فليقل لي أحد لم هو أسود؟ ... أهو شفاف إذن ؟ حسناً... عن ماذا سيشف؟ عن لون أسود ، ما هذه المأساة! بل و أكثر من ذلك ، من فرَدَ في هذا العدم كل هذه المساحة و من وضعني فيه لأتصوره ؟!... ياإلهي! كم يعج هذا (العدم) بمتاع لا نعرف لمن ! حسناً ، لا أنكر مشروعية "الاتفاق" على تصور ما من أجل قطع خطوة إلى الأمام ، إن غموض المفاهيم الأساسية في العلم لم يكن يوماً سبباً لإيقاف تقدمه ، و لكن "أحيانا" علينا أن نعي أن ما نراه على خشبة المسرح ، ليس الحياة ، بل عرض مسرحي و حسب ! لنبتعد قليلاً من أجل أن نقترب: أين يمكن أن نجد جواباً لمثل هكذا أسئلة ؟ في العلوم الأساسية بأقانيمها الثلاثة التقليدية : الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء . في الفلسفة . علم النفس . الموسيقى . الفن . اللغة ....؟ أقترح هنا سؤالاً – و بكل تواضع - : ماذا عن إعادة النظر في اللغة المتداولة في الحقل العلمي التجريبي ؟! يدعي متداولوا الحقل العلمي المحكم أن الكلمة الفصل فيه هي للرياضيات. عظيم جداً: لكن الرياضيات لغة غير قابلة للتداول الإنساني ، قد يبدو ذلك مبالغاً ، و لكني لا أقول ذلك من دافع إنفعالي ، و لكن ، فيما ما يختص باللغة ، اعتدنا نحن – أبناء الجنس البشري – أن نبقي على مسافة أمان ( ضرورية لبقائنا أصحاء عقلياً [لا أمزح!]) ما بين اللغة و الواقع ، ولطالما شعرنا بارتياح حميم لذلك المجال المتاح للغة من النوسان ( التذبذب ) الكمومي الطابع حول معنى مفترض لها ، بينما تبدو الرياضيات أكثر قرباً من سببية أينشتاين ، مُحكمةٌ على نحوٍ لا يحتمل و لا يطاق. أستحضرُ التشبيه لاستيضاح ما أرمي إليه : في بلاد اليونان القديمة ، عاش على جبل الأولمب هناك مجمعٌ من الآلهة ، كانوا يتداولون لغة خاصة بهم ، لغتهم تلك كانت أشبه بالرياضيات الحقيقية ، لم تكن هذه اللغة قابلة للتداول لدي شعب اليونان في السهوب ، الذين استهوتهم أكثر الأساطير و الحكايا ، صحيح أنهم رسموا المثلثات و الدوائر بكثرة ، و عرفوا نسب المربع الذهبي ( لا أعرف لماذا يدعونه مربعاً مع أنه مستطيل ) ، و لكن باستطاعتي أن أقول واثقاُ ، أن " الدراما " كلها بدأت عندما حاول أولئك في مجمع جبل الأولمب بمحاولة تفاعل مع أولئك الذين يعيشون على الأرض ، و هنا - فيما أعتقد - حصل سوء تفاهم عميق : بعض الأرضيين أعجبوا بلغة الأولمبيين ، تكلموا مثلهم ، فهم كانوا قد سئموا اللغة الفارغة التي كانت متداولة في محيطهم ، ( كان بعضهم مستعداً لمقايضة ألف بيت من الإلياذة بقانون واحد في المثلث القائم! )، في الوقت الذي لم يخفي فيه أهل الأولمب فتنتهم بلغة الأرضيين ، و لا عجب ، فقد ملوا اللغة الرصينة ، و ملوا الكلمات النافذة التي لا مجال فيها لاحتمالات المعاني ( سمعتُ عن أحد آلهة اليونان الذي لم يُعرف عنه سوى نطقه بجملة واحدة منذ مئة ألف سنة أولمبية! ) ، و شعروا بحنين للتكلم مثل الأرضيين ، (و بل و حتى لارتكاب الأخطاء مثلهم ، و إلا ماذا نقول عن مولد هراكيلوس !؟) ، ما الذي حدث بالتنيجة؟ ، هل استطاعوا صياغة لغة مشتركة ؟ الجواب ببساطة ، لا . ما توصلنا إليه –باعتقادي- كارثة فكرية مشتركة ، ما نزال نعايشها إلى اليوم ، و إلا هل يمكن أن يقول لي أحد ، كيف تحولت معادلات التفاعل النووي إلى قنابل نووية؟ أهذا ما جنيناه من العلم ؟ أسأل و بكل تحديد : هل كتب أينشتاين أصلاً معادلات القصد منها قتل الناس ؟، من حول الموجات الراديوية إلى مسلسلات و برامج تنشر الغباء يميناً و يساراً و بالمجان؟ و من جيّر بعض النظريات العلمية لصالح إثبات معجزات غيبية غير موجودة سوى في رأس من يتكلم عنها ... حسناً ، مالذي يمكن فعله الآن ، هل يمكن إعادة كلٍ إلى مكانه ؟ هل يمكن ان نرسم حدوداً واضحة لكل من لغة العلم و لغة الشاعر ، ناهيك عن لغة العامي و لغة المتصوف و لغة التاجر ....؟ لا أعتقد ، فلغة العلم على سبيل المثال تتطلب معايير خاصة تجعل من متكلمها –بالضرورة- جزءً منها ، إنها بشكل ما مغلقة على نفسها على نحو يبدو عنصرياً ، بينما – على النقيض الاسوأ - نجد لغة العامي قادرة على " بلعمة " أي منطقٍ استغرق بناؤه سنوات و سنوات في دقائق... هل يمكن لفرقة أوركيسترا سيمفونية أن تعزف في سوق الخضرة ، أو في ملهى ليلي؟! هل تجاوز أحدهم هذه الحدود المعرفية في مكان ما و لم يخبرني ؟! . إن كل ما يمكن لنا أن نفعله هو أن لا نكف عن السعي نحو لإيجاد لغة فهمٍ مشتركة . هل سننجح؟ مرة ثانية: لا أعتقد لنبدأ بتحليل السؤال معاً: ماذا - كان - يوجد - قبل - الانفجار الكبير - ؟ - ماذا: تختزل هذه المفردة لغوياً حالة " التوق إلى المعرفة " و التي تصاغ بمصطلح الإدراك - ( هل يمكن تعريف الإدراك على أنه التوق الإنساني لإنتاج المعرفة ؟) – يتصل السؤال الأساسي و بشكل مباشر بأعلى درجات الإدراك البشري ، و إن أي محاولة "للإجابة" على مثل هكذا سؤال لا تأخذ بعين الاعتبار المعايير الأولية لفهمنا للموضوعات Subjects قيد التداول هي محاولة محكوم عليها سلفاً بـ .... اللاجدوى . إذن فمداولة هذا السؤال تحتاج – و بشكل قبلي – إلى الوصول إلى حالة من "التفاهم" حول الموضوعات الداخلة فيه ، كالانفجار الكبير ، الكون ، المادة ، الزمن ، العدم ... ، و إني و باستثناء الموضوع الأول منها ( و أستثنيه خجلاً !) فإني أكثر عجزاً من طفل صغير في إعطاء أي "تفسير" حاسم له ، يفرع أمامي هذا السؤال فروعاً معرفية أشبه باحتمالات افتتاحيات الشطرنج ، تحمل هذه الفروع تساؤلات من قبيل : ما هو الكون ؟ ما هي طبيعة الانفجار الكبير ؟ و ما هي المادة ؟ و كيف يمكن لنا فهم المادة في تلك المرحلة الحرجة من "مراهقة" الكون الفتي – ( تدفع المقاربة الأخيرة إلى ذهني سؤالاً عرضياً لا يخلو من الجدية: هل كان الكون حينئذٍ "يعي" ما يفعل ؟ ) – الفارق الوحيد أن هذه التفرعات الآنفة الذكر و غيرها هي تفرعات "جذرية"(قبلية) للموضوع عوضاً عن أن تكون تفرعات "غصنية" (بعدية). كان: حسناً ... هو مجرد ضرورة لغوية اعتيادية لصياغة بنية الجملة . و لكن أظن أنه يمكن أن يمدنا بشأنٍ ما بصدد "مشروع" الإجابة: يُحسب الفعل ( كان ) على الزمن الماضي... حسناً سأشير مباشرة إلى مكمن خللٍ هنا : لا يمكننا و الحال هذه أن نقوم - و بكل تعسف – أن نستخدم المُصاغ اللغوي "كان" للتعبير عن كل ما هو ماضٍ ، إن تصورنا الذهني لكل ما حدث "قبلاً" أنه ماضٍ و كفى هي مسألة تحتاج للمراجعة ، ما حدث في ماضٍ شديد القدم ( يقترب في بعده من حدود لانهايةٍ زمنيةٍ ) من غير الجائز النظر إليه على أنه مجرد "ماضٍ" بنفس الطريقة المألوفة ، يخطر إلى ذهني الآن كلمتان تستخدمان للدلالة على الماضي الشديد القدم ، و المستقبل شديد البعدً ، و هما الأزل و الأبد ، و بتأمل هاتين الكلمتين التين تحددان لانهايتين زمنيتين ، نجد أننا لا نصف فعلاً قط قد حدث "في الأزل " ، بل "منذ الأزل " و لا نقول أبداً أن شيئاً سوف يحدث " في الأبد " بل هناك دوما " إلى الأبد " ، و كأن تصور اللانهاية كان حاضراً في " وعيينا اللغوي الجمعي " كنقطة يمكن تصورها و لكن لا يمكن أن ننسب حدثاً إليها ، أعود سريعاً إلى مركز الإشكالية : كيف لنا أن نتداول حدثاً يبدو لي زمنياً لا نهائي البعد ؟ أستطرد: إن الحديث عن لحظة الانفجار الكبير هو حديث يقع على تخوم اللانهاية . إن عالَم أينشتاين الذي تتحرك فيه الأجسام بسرعة قريبة من سرعة الضوء هو عالم شديد الغرابة ، هو ليس عبثياً على كل حال ، هو فقط ، غير مألوف ، لنا . هل شاهدت أليس في بلاد العجائب؟ ، الشخصيات هناك لا تهذي ، بل هي تتكلم بجدية ، خلاصة القول هنا أن لحظة الانفجار الكبير تبدو لي لانهائية البعد ، و بالتالي هنا نؤسس للإشكالية القادمة : إلى أي معنى نتطلع عند الحديث عن ما قبل "لحظة لانهائية"؟؟!!. في الرياضيات لا تعامل اللانهائيات بنفس طريقة الكميات المنتهية ، و الأهم أن تصورنا لمفهوم اللانهاية يختلف عن تصورنا لمفهوم الكميات المنتهية – و إن كبُرت – ( مما أعرفه عن اللانهاية أنها تقسم على اثنين و تبقى لانهاية ، هل هناك ما هو أكثر مدعاة للغرابة من ذلك ! ) ، إذن و بصدد الإجابة على هذا السؤال ، هناك سؤال قبْلي : هل يجدر بنا أن نعتبر "لحظة" الانفجار الكبير ذات بُعد زمني لانهائي عن آننا الحالي؟ ... إن أي رقم يقدَّم لي من قبل أي دارس مختص عن الفترة التي تفصلنا عن تلك الحظة لن يكون مجدياً في شيء فأنا مازلت في ريبة كبيرة ، فالأرقام الكبيرة جداً تسبب لي نوعاً من الشواش في إدراكها ، و هذا ليس نتيجة تكاسل فكري في التصور ، بل هو أشبه بالريبة الناتجة عن قياس الكميات البالغة الدقة أو الضآلة . أسوق هنا المحاورة التالية في إشكالية اللانهاية - لطالما استعان سقراط بحوارات مع العامة لعرض أفكاره ... لكن للأسف ، في زماننا ليس ثمة سقراط ، و " أحد العامة " ليس لديه وقت يضيعه في مثل هكذا أسئلة ، هو على العكس سيطرح عليك أسئلة حول الجهة التي تعمل لصالحها ، لذلك ، و الحال هذه ، فإن المحاورة بشخصياتها المعاصرة ستكون بين A ( الأستاذ الذي يدعي أنه يعرف كل شيء ) و B ( الطالب الذي لا يفقه شيئاً ) ، و M ( مدير المدرسة الذي يعرف ما عليه أن يفعل ) هذا يبدو أكثر واقعية على كل حال : A – حسناً ... و ما هو سؤالك أيها الطالب الذي لا يفقه شيئاً ؟ B – ما هو أكبر رقم يا الأستاذ ... و يكمل على هيئة تمتمة: الذي يدعي أنه يعرف كل شيء ... ؟ A – ألف مليون ، الآن اذهب إلى البيت! ( طبعاً يجب أن نقدر هنا أن الأستاذ يساوره الملل و التعب في نهاية الدوام ) B – و إذا أضفنا إليه واحد ؟ A – اسمع !!! عندك ... أعرف هذه القصة من قبل ، و ليس لدي وقت لتتسلى بإضافة واحد إلى كل رقم نصل إليه ، فدعني أخبرك شيئاً ، خذ نفساً عميقاً جداً ، و حاول أن يكون أعمق نفس أخذته في حياتك ، ثم ابدأ و بأقصى سرعة بذكر أكبر الأرقام التي يمكن أن تتخيلها من ملايين و مليارات ، بليارات ، ترليونات ، غووغلز ، فروغلز تيررا بيتا غيغا ... ... إلخ إلخ ، و سنفترض سلفاً أن ما تذكره من أرقام مضروب ببعضه البعض ، أو ، لا ، سنفترض أن كل رقم هو أس للرقم السابق ... حسناً الناتج هو أكبر رقم ! B- هل هو اللانهاية ؟ A – نعم هو اللانهاية. الآن اذهب إلى البيت . B – و لكن يا أستاذ ، ماذا لو أضفنا له واحد ؟ A – يبقى لانهاية. B – يبقى لانهاية!!! ...ممممم ... حسناً أستاذ ،آسف جداً ، أعلم أني قد أخرتك كثيراً ... و لكن كن مطمئناً ، لن أخبر أحداً ، لا أبي و لا أمي و لا أصدقائي و لا حتى مدير المدرسة ، بخصوص إجابتك الأخيرة! . صباحاً و في اليوم التالي ، دار حوار بين A الأستاذ و M مدير المدرسة ، و كان كالتالي: M – لقد وضعتنا في موقف محرج يا أستاذ ، كيف نقنع الطلاب و أهلهم الآن بالموضوع ، إننا مدانون أخلاقياً الآن ... إذ كيف يمكن أن ندعي أن مقداراً ما يبقى كما هو رغم إضافة واحد ؟! A – ممممم ..... أظن أنه لدي حل . M – و ما هو ؟ A – سنمنع أي طالب من إضافة 1 إلى اللانهاية ! M – جيد... و هكذا سنوجه نفس الإدانة ، بشكل استباقي – على الطريقة الأمريكية - لكل من يحاول إضافة أي شيء للانهاية ، أي أننا سنفترض أن الإجابة غير المشروعة كانت بسبب عملية غير مشروعة أصلاً ، و بالتالي لا يمكن أن يحكموا على نتيجة ما بانها ( مشروعة أو غير مشروعة ) طالما أنها أصلاً مبنية على عملية غير مشروعة ! A – نعم ، تماماً ، و الحال هذه نكون إما كلانا على حق أو كلانا يرتكب الأخطاء و لكن لا مجال للإدانة . و من يقوم بطرح سؤال غير اعتيادي يجب أن يقبل بإجابة غير اعتيادية . M – سأفكر بالأمر ... على كل حال إن فكرة تحويل المدرسة إلى مطعم وجبات سريعة مازالت قائمة !! ما نستنتجه من هذه المحاورة – لحسن الحظ - هو شيء واحد فقط : اللانهاية موضوع صعب!. و في رأيي هناك ثلاث طرق لمداولة اللانهاية : الطريق "السهلة"! : و هي طريقة الرياضياتيين ، في توصيفهم اللانهاية عبر معادلات لا تكاد تنتهي. ( بالمناسبة: الرياضياتيين هم الفئة من الناس الذين يشتغلون بالرياضيات ، الرياضيين هم الفئة من الناس الذين لا يشتغلون أبداً بالرياضيات! ) الطريق "الصعبة" : و تكون "بفهم " و تصور ( إدراك ) ما ترمي إليه معادلات الرياضياتيين ... الطريق "التي لا تفضي إلى نتيجة" : و تعرف أيضاً بطريق الندامة! و هي تكون بمداولة اللانهاية على طريقة الكرات و التفاحات و التلاعب بالألفاظ ... يوجد: سأحاول الاختصار هنا ، و لكني – أيضاً – لا أعد أني سأنجح! إن تناول مفردات السؤال كل على حدا ، ليس محاولة للتهرب من المعنى الإجمالي له . لنعِد ترتيب أشيائنا مرة أخرى : هناك الانفجار الكبير ، و هو النقطة الحدية . و ما بعده : و هو كوننا الظريف .و هناك "ما قبله" : و هو غاية السؤال . يجمع بينها جميعاً رابط لغوي هو "ماذا؟" الذي يشبه وجوده في الجملة وجود البطارية في الدارة الكهربائية ، ( بالمناسبة تولّد كلمات مثل ماذا ، لماذا ، كيف ، و متى ... فرق كمون معرفي ، تتناسب شدة التيار المعرفي الناتج مع طبيعة المادة : العقول ذات الممانعة العالية ستولد تياراً بطيئاً جداً ، العقول ذات الناقلية الصرفة ، تصاب غالباً بارتفاع خطير بالحرارة !! ) على كل حال ماذا تفعل ( يوجد ) هنا على وجه التحديد ؟ دعونا نخوض قليلاً هنا في مقارنة لغوية بسيطة جداً ، كيف نترجم العبارة Here is my book. إلى العربية؟ هل نقبل بـ ( هنا كتابي. ) حسناً تبدو الترجمة مقبولة ، أنا لا أسعى لتعقيد الأمور على كل حال ، يفيدنا اللغويون أن ثمة ما حُذف من الجملة في صيغتها العربية ، فهي قد كانت ذات يوم ( هنا كتابي موجود ) ، يذهب منطق اللغة العربية إلى أن تصريف الفعل "كائن" أو "موجود" هو موجود دوماً ، و بالتالي لا مانع من إضماره بدلاً من تكراره ، بيمنا يذهب منطق لغات أخرى إلى وجوب إظهاره ليستقيم نحو الجملة ، على كل حال فالمسألة معروفة لدى من خبروا أولى بديهيات الترجمة ، و إن هي إلا إعادة رؤية أكثر تأنياً لما اعتدنا بداهته . حسناً ، ما الذي أريده من وراء هذا التركيز على فعل ورد في الجملة ؟ ببساطة : كيف لنا أن ندعو "يوجد" على أنه فعل ؟؟!! يقتضي التصور الفيزيائي للفعل ( العمل ) صرف طاقة ، حسناً ، هل يتطلب "فعل الوجود" طاقة ما ؟ إذا كان الجواب لا ، فلم يسمى على أنه "فعل" ؟ بكلام آخر ، لا يمكن لشيء ما – و لا لشخص ما بالمناسبة – أن يقال عنه أنه يقوم بفعل ما لمجرد أنه موجود . حسناً ... ما أخلص إليه هو أن أفعالاً من قبيل الفعل "يوجد" هي ... لنسمها "أفعالاً لطيفة" لا تتطلب أكثر من وجود الفاعل لكي تتحقق( و هنا لا أستطيع إلا أن أبتسم مستغرباً ) ! إن كوننا ، ببساطة ، موجود ، قابل للتصور ، و هو حيّ ( يملك طاقة ) ...أما ما قبل كوننا: فهو عديم الاتصاف ، إذ لا يمكن أن يكون العدم ، و لا حتى ، موجوداً ( رغم أنني حاولت أن أبين مقدار اللطافة التي يتمتع بها الفعل "يوجد" ) ، إن العدم متفلت من التصور بأي شكل ، و القول بأن العدم كان موجوداً قبل الكون ، هو عملياً تحميل للعدم ، ما لا يستطيع حمله ... لنتخيل حديثاً يدور بين اثنين من الجسيمات الأولية ( ربما هي كواركات ) كانت على وشك الانطلاق في أحد المسرعات : -" ما بك؟ ، تقدم ، كل ما في الأمر أن هؤلاء الفيزيائيين الظرفاء يريدون أن.... يرونك!" الكوراك يغمى عليه من الخوف ... ( بالنسبة للكوارك مثلاً فإن الحديث عن أن "يُرى" يشبه عندنا الحديث عن قصف هيروشيما... )) إن أفعالاً تبدوا مألوفة "لطيفة" بالنسبة لموضوعات معينة ، هي غير واردة بالنسبة لموضوعات أخرى . حسناً ... و هل نواجه هنا – في سؤالنا - حالة تشبه ما سبق ، للأسف ، نعم ! لندقق قي السؤال: إننا نسأل – أو بكلام آخر نوجه تفكيرنا – نحو ماذا كان "يوجد" قبل الانفجار الكبير ، فبفرض أنه كان العدم أو أي شيء مغاير للكون ، فهو لا يحتمل معنى أن "يوجد" ! و أكثر من ذلك فإن السؤال يعاني أزمة مشابهة في موضع ثانٍ ، و هو استعمال الرابط اللغوي "قبل" على نحو غير شرعي ، إطلاقاً ! إذ كيف يمكن الربط بتراتبية زمنية بين شيئين ، يُدرك أولهما على نحو فلسفي ( أو بالأصح يعاني من مشكلة إدراك على نحو فلسفي ) و يدرك ثانيهما على نحو فيزيائي مادي قابل للتصور بشكل ما . إن هذا السؤال ، يُفهم ، حصرياً ، على نحو فلسفي-تأملي عميق ، و عملياً على مستوى رياضياتي بحت ... و إن أي محاولة لفهم السؤال على نحو أقل عمقاً يحيله إلى سؤال أشبه بـ : " هل كان باستطاعة أحد أن يسمع صوت الانفجار الكبير لحظة حدوثة ؟! " ... طبعاً من الواضح أن الجواب هنا هو ، لا ، لأن الجميع يعرف أنه عندما وقع الانفجار الأكبر ، انطلقت صفارات الإنذار و الجميع نزلوا إلى الملاجئ و لم يشعر أحد بشيء وقتها ! محاولة الربط الإشكالية بين ما هو فلسفي ( أو ميتافيزيقي ربما ) و ما هو فيزيائي تعيدنا مرة أخرى أيضاً إلى الأم التي تسأل طفلها : - قل لي يا حبيبي ما هو مجموع 5 برتقالات و 3 تفاحات ؟! - 5 برتقالات و 3 تفاحات...؟ 5 برتقالات و 3 تفاحات...؟ 5 برتقالات و 3 تفاحات...؟ حسناً .... لم نأخذها في المدرسة أيضاً .... أجاب الولد. الآن يبدو لي الولد على حق ، لا أحد في مدرسته – على الأقل – يعرف كم برتقالة و / أو كم تفاحة يساوي مجموع 5 برتقالات و 3 تفاحات ... الانفجار الكبير: من الحالات القليلة التي يشعر فيها المرء بارتياح كبير تجاه أمر ما ، هي عندما لا ينوى أي يقوم حياله بأي شيء ، و في نفس الوقت ، لا يستطيع أن يقوم حياله بأي شيء ، و بالنسبة لنموذج الانفجار الكبير فأنا لا أنوي أن أقدم حياله أي نقد ، فضلاً عن أني ، لا أستطيع ! تبدو نظرية الانفجار الكبير بالنسبة لي "جميلة" على نحو متناسق . يحقق جسم الإنسان في نظر ليوناردو دافنشي تناسقاً و نسباً جمالية فائقة ، و على نحو مماثل: يحفل سيناريو الانفجار الكبير ، بتناسقٍ "دراميٍ " جميل لتاريخ الكون على مدى امتداده الزمني: فائق التكثيف في بدايته ، رحب الامتداد في منتهاه ... و نحن في مقتطع زمني بسيط من عمر هذا الكون نريد فجأة أن نعرف كل ما حدث! هذا السيناريو يذكرني بشيء واحد فقط ، هو ظهيرة ذلك اليوم الصيفي الحار، عندما استيقظت من القيلولة في قلب المحاضرة في الكلية ، و سألت : أين أنا ؟! أُُلمِح ، أخيراً ، إلى أني لا أنظر بعينٍ من التفاؤل إلى كون الأعداد التخيلية مفتاحاً لحل السؤال رياضياً ، لسبب بسيط غريب – لا يخلو من الحدس المزاجي! – و هو أن الأعداد التخيلية ، لا تستحق اسمها ، فهي لا تبدو لي تخيلية بالقدر الكافي . مرةً ، ساعدت أحد أصدقائي المجتهدين ( كان لا يستيقظ في المحاضرة ليسأل نفسه أين أنا ) في كتابة برنامج كومبيوتر لمشروع تخرجه ، و كان من ضمن ما يقوم به هو حساب أمثال الجذر التخيلي للمعادلة من الدرجة الثانية لمعرفة قيم تتعلق بتحليل التيار الكهربائي المتناوب ، هنا تبدو لي الأعداد التخيلية قريبة من الواقع العملي بشكل كبير ، و "ربما" تعجز في مهمة إشكالية كالتي بين أيدينا ،إذ "تبدو" ليست تخيلية كفاية ، يشبه ذلك محاولة تفسير السؤال التالي : لماذا لا يتشرب قماش المظلات ( المصنوع غالباً من النايلون ) مياهَ المطر ، ثم "يدلف" على من يحمل المظلة ؟! ... الجواب ببساطة لأن الماء ليس رطباً بالقدر الكافي !! ثم ماذا ؟ لم أعط وعداً بالوصول إلى إجابة للسؤال ، رغم أني قلت ما لدي ، و لكني أعترف أني – بشكل ما – قد قمت باستغلال السؤال إياه كحقل اختبار لواحدة من مسلماتي التي أعتبرها أساسية: Language is the tool of mind اللغة هي أداة الفكر البشري ، يكاد يكون ما اعتدنا أن نسميه "لغة" مغايراً تماماً لما هي عليه في حقيقتها ... اللغة هي ثنائية الفكر-المعنى المنطوق ، تنطق اللغة الحقيقية عن الفكر و المعنى الإنساني ، بخيره و شره ، جيده و سيئه، هناك لغة تنطق عن قليل من الفكر و كثير من المعنى ، كالموسيقى مثلاً ، و هناك لغة تنطق عن كثير من الفكر و قليل من المعنى ، كالرياضيات ... و لغة تخلو من اي فكر و معنى ، هل هناك ما هو أسوأ ؟ نعم : لغة تخلو من أي فكر و تحفل بمعنى مريض زائف معمه ! تلك هي اللغة التي تلتصق و تتغذى على المجتمعات المتخلفة كعفن الخبز ، و إن أي محاولة لتطوير المجتمعات لا تمر في مراحلها الاولى عبر تطوير لغة هذه المجتمعات ، هي محاولة ، محكومة بالفشل ، و إن أثمرت شيئاً ، على ما يبدو ، فأن المنطق المتخلف ، سيكون أول من يلتهم ثمارها ، هذا إذا لم يفسدها أصلاً ... آسف لتشاؤمي ... يبدو أني لا أنظر إلا إلى التسعة أعشار الفارغة من الكأس! أخيراً : قد جاء أنه "في البدء كانت الكلمة".... و جاء ايضاً "... أن يقول له كن فيكون" .... و طالما أني اتخذت لنفسي منحى لغوياً ، أراني أحيل السؤال إلى : ترى... ماذا كان قبل ... فعل الكون ؟ |
#2
|
|||
|
|||
رد: لغز الانفجار العظيم
لقد اجهدت عقلي وانا اتطلع الى موضوعك وليس من السهل الاجابة عليه في عجالة الا ان هناك مسالة هامة جدا وهي ان تفكير المؤمن يصل الى مسلمات ومن ثم يتوقف عند حدود ايمانه المطلق والعقل البشر سواء كان مؤمنا او ملحدا فان له حدود لا يستطيع بل لا يتحمل تجاوزها ولي عودة تحياتي
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي |
الانتقال إلى العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|