ملتقى الفيزيائيين العرب > منتديات أقسام الفيزياء > منتدى الفيزياء الكونية. | ||
الفيزياء والميتا فيزياء |
الملاحظات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الفيزياء والميتا فيزياء
تحاول الفيزياء وصف الحوادث والتنبؤ بها؛ وفي مسلكها هذا تقدم الفيزياء أضحية كبيرة هي الشيء بحدِّ ذاته. ما الذي تفعله الفيزياء، إذن، على الصعيد المعرفي؟ الجواب هو: لا أحد يعرف! أيُعقَل أن تكون الفيزياء لا لشيء البتة. إن الأمر سرٌّ خفي؛ ولعل السر يكمن في علَّة وجوب أن يقدر العقل الإنساني أن يفهم شيئاً عن الكون، بينما تتفجر التساؤلات ضمنه بإيقاع غير منتهٍ. لقد درج أينشتاين على القول: "إن أكثر ما في الكون امتناعاً على الفهم هو أنه قابل للفهم."
نعرض أولاً، في عجالة، موقف الفكر البشري من نشاطه المعرفي الخاص. نستطيع تعريف الإنسان بأنه كائن المعرفة. فمنذ فجر التاريخ والفكر البشري يبذل ما بوسعه لاكتشاف العالم والحياة. يعني ذلك تحويل العالم إلى نماذج تقطن في الذهن الفردي وتهبط إلى عمق الوجدان الجمعي التاريخي. إن العلم هو أحدث محاولة في هذا السياق؛ إنه آخر الأساطير بحق. أما الأسطورة فليست إلا التفسير الذي يرضي الساعي إلى المعرفة – ولو إلى حين. من ذلك كان العلم أسطورة الحين المعاصر. من التجربة الدؤوب المثابِرة للفكر البشري نشتق التصنيف التالي: ندعو الظاهرة أسطورة من النوع الأول إن استطاع الباحث تعريف الظاهرة، ومن بعدُ تفسيرها. مثال ذلك قوس قزح: لقد بُهِر الأقدمون بقوس قزح، وقدمت أساطيرهم تفسيراً له؛ لكن التفسير كان مفتقراً إلى التعريف والتحديد، وبالتالي لم يكن مرضياً على نحو حاسم. وكان أن قدَّم نيوتن تفسيراً له. غير أن تفسير نيوتن طرح إلى الساحة إشكالية جديدة، ما برحت مستعصية، تتعلق بطبيعة الضوء. فعلى الرغم من أننا نستطيع تعريف الضوء إلا أننا ما زلنا عاجزين عن صياغة تفسير كامل له كظاهرة. أما الأساطير من النوع الثاني، فتضم الظواهر المعرَّفة المفتقرة إلى التفسير، كما تضم الظواهر المعرَّفة التي تقبل أكثر من تفسير؛ وقد يفشل كل تفسير منها في كشف النقاب عن حقيقة الظاهرة. ولنا في الأطباق الطائرة خير مثال: الظاهرة معرَّفة، لكن التفسيرات تتراوح بين بالونات الأرصاد الجوية، والإشاعة البصرية، إلى احتمال زوار قادمين من عوالم أخرى. يفرض علينا الوضع المعرفي للأساطير من النوع الثاني تسميتها بمصطلح آخر هو الخرافات من النوع الأول. نقصد من هذه التسمية المزدوجة التأكيد على ضرورة تحريك الأساطير من النوع الثاني ودفعها إلى حيِّز الأساطير من النوع الأول، إن لم يكن لسبب فلإزالة الصبغة الخرافية عنها. ما هو الفارق أصلاً بين الأسطورة والخرافة؟ نتحدث هنا في نظرية المعرفة. الأسطورة حلمٌ مبادر، دافع وخلاق. تُشعِر الأسطورة الإنسان بوجوده، وتبرِّر له تقدُّم السيالة الزمنية. على الرغم من أن الخرافة هي، بدورها، حلم، إلا أنها حلم كابح مذعِن، يفرض التوقف ويبرِّره بمصادرات تتنافى مع تعريف الإنسان ككائن معرفة. تخلق الخرافة نشوة ورهبة قاتلتين، بينما تؤجج الأسطورة فعلاً خلاقاً، بسيطاً وصادقاً. وبينما تشي الخرافة بعجز أصحابها عن تلمس الحقيقة، تعكس الأسطورة مبادرة عميقة لإضفاء المعنى حيث لا يوجد معنى. وإذا كانت الأسطورة مصدر راحة عابرة فإن الخرافة ترضي بشكل مستمر. من هنا ضرورة تصنيف التكنولوجيا في عداد الخرافات. أما المعرفة العلمية فهي أسطورة بحق. نكمل تصنيفنا بإضافة الأسطورة من النوع الثالث، حين تفتقر الظاهرة إلى التفسير والتعريف في آن معاً. ندعو الظاهرة في هذه الحالة أيضاً الخرافة من النوع الثاني. قد يبدو، للوهلة الأولى، أن الظاهرة في هذه الحالة تقع أبعد من أن تطالها إمكاناتنا في التفسير. إلا أن المثال التالي يدحض هذا الظن. فقد رأى العلماء الفكتوريون المتأخرون في إطلاق مركَّّبات الأورانيوم وهجاً غامضاً لغزاً محيراً أقرب إلى السحر. وقعت الظاهرة آنذاك، وفق تصنيفنا، في نوع الأسطورة الثالث (أو نوع الخرافة الثاني). ولكن سرعان ما تحركت الظاهرة إلى نوع الأسطورة الثاني (أو نوع الخرافة الأول) بتعريف الإطلاق على أنه إصدار للطاقة. وفي مرحلة تالية، اندفعت الظاهرة إلى نوع الأسطورة الأول باكتشاف النشاط الإشعاعي وتحميله مسؤولية الظاهرة. تفيدنا الحكمة القديمة بضرورة الحفاظ على توازن بالغ الدقة بين الإيقان الساذج وبين الشك القاتل. إن الكون مكانٌ غريب، مبهج وفاتن على نحو لا يصدق، لا بل ويتجاوز كل دهشة قد تولدها سرائر البشر. فأنَّى لنا أن نحوِّل هذه البهجة والفتنة إلى رهبة وإذعان، وأن نصادرها في النهاية؟ ألا نخون بذلك دورنا الإنساني ككائنات معرفة؟ ارتكزت التجربة العقلية، في جملة ما ارتكزت عليه، على تصور كينونة لا هيئة لها، بالغة الكمال في بنيتها الداخلية، دعاها الميتافيزيائيون المطلق. لقد ذهبوا إلى أن المطلق يعني إجابة على كل تساؤل، بما في ذلك التساؤلات المنبثقة عن الهمِّ الوجودي. بكلمات أخرى، يجب أن ينطوي المطلق على كل الحقائق. يُعلَّل ذلك بأن المقولات الميتافيزيائية ليست منطقية ولا يمكن اختبارها. إن التظاهرات من جبلَّة المطلق، والمطلق من جبلَّة التظاهرات. فعلى الرغم من التناقضات القائمة بين الدارونية وبين نظرية المعلومات لا يتنافى أي منهما مع المطلق. لا غرو فيما يحاوله الميتافيزيائي من بناء عالم تخييلات خاص به، مسوِّغاً أن الحقيقة التحتية أو الخلفية لا يمكن إدراكها بالحواس. أشار الحلاج: "فقد تبين ذاتي حيث لا أين." أما الهمُّ الوجودي، كما عبَّر عنه دوستويفسكي، فيُختزل بلفظة واحدة: "لماذا؟" دعا الفيزيائيون تلك الكينونة فراغاً. وفي ذلك الفراغ بنوا قوانين الفيزياء، لا بل العالم بأسره. من هنا كان توحيد أينشتاين لمفهوم الفراغ مع مبدأ تعذُّر سرعة لانهائية في الكون. كان باسكال قد سبق إلى طرح ذلك المفهوم، بينما أتى على ذكره ليوناردو دافنشي: "من بين أعظم الأشياء التي لا توجد فينا وجودُ الفراغ هو أعظمها." وعن المنظور الفيزيائي لتلك الكينونة، أي عن الفراغ، تحدث الحلاج قائلاً: "النقطة أصل كل خط، والخط كله نقطة مجتمعة." لقد اغتربت الفيزياء عن مفهوم الفراغ لفترة مديدة شهدت معالجات وطروحات متباينة لبنية فيزيائية مختلفة هي الأثير. لعل النسبية الخاصة هي التي أعادت الفيزياء إلى الفراغ بعد طول ارتحال؛ وكان من شأن النسبية العامة تعميق دور الفراغ في الفيزياء. لقد برز أثر الفراغ بروزاً بيِّناً في محاولة أينشتاين بناء نظرية للمجال الموحَّد. أما ما أدهش الفيزيائيين بحق فكان اكتشاف ديراك أن الفراغ ينطوي على محيط من الإلكترونات السالبة الطاقة، المرتبة وفق تناظرات تبلغ حد الكمال. يعجز الباحث عن تحسُّس أحد هذه الإلكترونات ما لم يقتلعه من سكونه المطلق عن طريق صدمه بفوتون عالي الطاقة؛ عندئذٍ يجسد الإلكترون ذاته في هيئة إلكترون موجب. وكما هي حال الإلكترون، كذا هو شأن القسيمات الأخرى؛ فلكلِّ قسيم particle محيطه الخاص. تتداخل المحيطات وتتراكب، ولا قاع لأيٍّ منها. تتخلل هذا الموج المتلاطم قسيمات طاقة يحمل كل منها طاقة مساوية للصفر تماماً. خلص ديراك إلى اكتشافه بتطبيق الموضوعة الأساسية للنسبية الخاصة على معادلة شرودنغر الكوانتية. ألمح الحلاج إلى أمثال هذه المحيطات بقوله: "وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين." إنه عود إلى الكون الساكن مطلقاً الذي تصوَّرته الميتافيزياء. هنا لا بدَّ من أن نعرج على مبدأ هايزنبرغ في الريبة: يحدد هذا المبدأ أصول تعاملنا مع الطبيعة؛ وهو ينص على تعذُّر المتابعة الفعلية للمتغيرات الفيزيائية في نفس الوقت. فلو حاولنا حساب طاقة قسيم حساباً دقيقاً لأضعنا دقة مقابلة في حصر الفترة الزمنية التي تَعامَل القسيم في أثنائها مع كمية الطاقة المشار إليها. على العكس، لو نجحنا في تحديد الفترة الزمنية التي تفاعل القسيم في أثنائها مع قدر من الطاقة لما أمكننا تقييم ذلك القدر على نحو مُرْضٍ. يُدعى صنف من أصناف القسيمات باللبتونات leptons؛ وتنتمي الإلكترونات لهذا الصنف. تتحسَّس هذه القسيمات بعضها بعضاً بتبادل قسيمات وساطة أكبر منها كتلة. لكن كيف يتأتى لقسيمات خفيفة كاللبتونات أن تتبادل قسيمات الوساطة المذكورة العظيمة الكتل؟ نستعين في سياق التفسير بمعادلة أينشتاين التاريخية التي تنصُّ على أن الطاقة تساوي جداء الكتلة في مربع سرعة الضوء: E = m.c2. تستطيع قسيمات الوساطة أن تقترض ما تشاء من الطاقة ما دامت عملية الإقراض هذه تتم أثناء فترة زمنية بالغة القصر، أقل مما يفرضه مبدأ هايزنبرغ في الريبة Uncertainty principle. يترجم قرض الطاقة إلى كتلة (وفق معادلة أينشتاين المذكورة) هي كتلة القسيم الوسيط. لكن لما كانت مدة القرض غاية في القصر فلا بدَّ أن يسدِّد القسيم الوسيط ما اقترضه من الطاقة. ولا يمكن حدوث ذلك إلا بامتصاص أحد الليبتونات له. تدعى هذه المدة بـ"فترة هايزنبرغ"، وتتميز بولادة الطاقة من لا شيء في أثنائها. بكلمة أوضح، تُخرَق كل نواميس الطبيعة أثناء الفترة المذكورة، أي يتم الخلق من العدم والعودة إلى العدم. وعلى الرغم من انتماء القسيمات الوسيطة للمحيطات الوهمية إلا أن لها أثراً حقيقياً. من ذلك مثلاً انخفاض شحنة الإلكترون بسبب القسيمات الوهمية التي تحيط به والتي تحول بيننا وبين جزء من شحنة الإلكترون. نقرأ هنا الحلاج مرة أخرى: "وغيبتك بالاحتجاب لا بالارتحال." على الرغم من اعتماد شِقَّيْ الفيزياء المعاصرة (النسبية والميكانيكا الكوانتية) الرياضياتِ المجردة فإن هذين الشقين يصوِّران عالمين مختلفين. تذهب النسبية إلى أن العالم محكوم بسببية صارمة؛ أما الميكانيكا الكوانتية فإنها ترسم العالم في هيئة أحوال متباينة، لكلِّ حال منها احتماله الخاص في التحقق. ما يهمنا هنا هو المعين الذي يستمد منه الشقان التفاصيل اللازمة لصياغتهما. نذكر، على سبيل المثال وليس الحصر، توقُّف الميكانيكا الكوانتية على فضاء هلبرت، والتصاق نسبية أينشتاين بهندسة ريمن. نؤكد بأن الرياضيات اختراع عقلي صرف. بذا تكون المقولات الفيزيائية بدورها اختراع عقلي صرف. وعلى الرغم من تأكيد أينشتاين على موضوعية العالم فقد أصر على رأيه القائل بأن القانون الفيزيائي هو إبداع عقلي صرف. إن للسببية وجهين: فإما أن تكون سببية إحصائية منقطعة الجذور؛ وإذ ذاك لا يمكن تفسير القوانين الفيزيائية السببية إلا بكونها تخييلات فرضها عَسَفُ الفكر البشري. وإما أن تكون سببية معرفية؛ عندها نستطيع قبول القوانين المذكورة باعتبارها مفسِّرة لذاتها. وهكذا نجد أنفسنا – دون تحضير مسبق – في أروقة الميتافيزياء. نقلِّب، من ناحية أخرى، دفاتر الميكانيكا الكوانتية. أضاعت التجارب المتأخرة الهوية الحقيقية للإلكترون؛ فهو ليس بقسيم كما أنه ليس بموجة. هل يعقل أن يكون الإلكترون مفتقراً إلى السمات المكانية والزمانية؟ كيف ذلك وتجمعات الإلكترونات تبدو مالكة لتلك السمات؟! هل تتأتى الريبة الكوانتية، في سياق تنفيذ القياسات الدقيقة، عن حقيقة محبطة تفيد بعدم وجود أشياء دقيقة يمكن قياسها؟ مرة أخرى، نكتشف أننا تحوَّلنا إلى مصطلحات الميتافيزياء. لقد سُنَّت قوانين الفيزياء بهدف إلغاء السمة الشمولية للمصطلحات. فعوضاً عن الحديث عن الحرارة والبرودة، نقرر أن درجة الحرارة تساوي عدداً معيناً. وبصورة مماثلة، نصبُّ باقي المصطلحات في حقل الأعداد، ثم نعمد، في مرحلة تالية، إلى تجريد مختلف الأعداد وإقامة علاقات بين رموزها. تلكم هي قوانين الفيزياء. أليست اختراعاً عقلياً بالفعل؟ إننا نكمِّم العالم، بينما يعدم العالم أي تكميم. |
#2
|
|||
|
|||
رد: الفيزياء والميتا فيزياء
يعطيك العافيه وبارك الله فيك وجزاك الله خيـــــــــراً ،،،
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي |
الانتقال إلى العرض المتطور |
الانتقال إلى العرض الشجري |
|
|